نص حديث السيد عمار الحكيم في الليلة الثامنة من شهر محرم الحرام
كنا نتحدث في الليالي الماضية عن واقعة الطف وعن اهدافها وخلفياتها وعن رموزها وعن افاقها وعن تلك الغايات النبيلة والاهداف السامية التي استهدفتها ، ان مثل هذه المجالس هي مجالس تستلهم منها الدروس والعبر ونعبر ومن خلال عبرة وعًبرة عن تضامننا مع سيد الشهداء الامام الحسين (ع) ، كم علينا ان نشكر الله سبحانه وتعالى على مثل هذه المجالس التي اسس لها ائمتنا الاطهار (ع) وكانوا اول من اقامها وشجع عليها ونقرأ في النصوص عن الامام الصادق (ع) سؤاله لمحبيه ( اتجلسون وتتحدثون ) أي في مناقبنا وفي تسليط الاضواء على حياتنا ونهجنا ومشروعنا ، فقالوا بلى يا ابن رسول الله قال (أي والله اني احب هذه المجالس احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا ) .
المجالس الحسينية .. دروس للحياة
فهذه المجالس تعبر عن مائدة إلهية نقف فيها لنزداد وعيا ورؤية وبصيرة وفهما لما جرى على ائمتنا (ع) وتحديدا لواقعهم ومشروعهم واهدافهم والمسار الذي ضحوا من اجله وهذا ما يتطلب أن نحسن استثمار هذه المجالس في ان نوظفها التوظيف الصحيح فتارة يطلب من هذه المجالس الخلفية العاطفية واستدرار الدمعة ونطلب الأجر والثواب الأخروي فحسب وهو امر مشروع وجيد ولا بد ان تستدر الدمعة في مثل هذه المجالس ولا بد ان نركز فيها على الجوانب العاطفية ولكن هل اريد لهذه المجالس الاجر الاخروي فحسب ولا يكون لهذه المجالس صلة وعلاقة بواقعنا الذي نعيشه بحياتنا اليومية هل ان الحسين (ع) ضحى ليكون حقيقة تاريخية نستذكرها ونبكي عليهم حتى نحصل على الأجر في الاخرة او ان الحسين يمثل واقعة حياتية لها مداليل وفوائد ومعطيات في حياتنا اليومية وبهذا الاستثمار نكون قد حصلنا على الاجر والثواب في الاخرة وحصلنا على الوعي والبصيرة والفهم الدقيق لشؤون الحياة والخطوات المطلوبه لضمان الاخرة من خلال بناء الدنيا على اساس الحق والعدل يتحول الحسين في هذه الرؤية الى انموذجا وقدوة نبني على اساسها وعلى اساس مشروع الحسين ونهجه وفكره نبني حياتنا اليومية وواقعنا ومجتمعنا ، ان هذه المجالس تمثل نعمة الهية كسائر النعم وعلينا التعامل مع هذه النعم بالطريقة التي تجعلنا اقرب الى فهم الحياة وواقعها وتجعلنا اقرب الى الله سبحانه وتعالى ان نستثمر هذه النعم فيما اراده الله ان لا ننظر الى ما حرم الله وان نركز في نظرنا الى ما احله الله سبحانه وتعالى النظر الى القرأن عبادة النظر الى وجه العالم عبادة لذلك علينا ان نحسن استثمار هذه النعمة الالهية كما هي في سائر النعم الالهية اذن نحن بحاجة في هذه المجالس لنزداد وعيا ونزداد ثقافة ونزداد ادراكا لواقع الحياة ومتطلباتها وكيف نجعل واقعة الحسين حاضرة في يوميات حياتنا لنكون مصداقا حقيقيا للمقولة الشهيرة ( كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء ) كيف نحول هذه المجالس لنزداج عزيمتا في الوقوف ضد الجبارين والوقوف بوجه الانحراف ومواجهة التخلف في كل مستوياته ومدياته ، اذن نحن بحاجة الى ان نجعل هذه المجالس ذات مداليل عملية وواقعية في حياتنا اليومية ونجد حينما يتحدث القرأن الكريم عن الصلاة لا ينظر اليها على انها مجرد طقوس وممارسات عبادية يراد منها القرب الالهي في الاخرة لكن يقول ( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) اذن هناك مداليل اجتماعية وواقعية وحياتيه يمكن ان تتحول من خلالها الصلاة الى عنصر تربية واعداد وبناء للأنسان وشخصية الانسان ، ولا يوجد عبادة المراد منها الاجر الاخروي فحسب وانما هذه العبادات هي انماط وسلوكيات نسعى من خلالها لبناء واقعنا الفردي والاجتماعي لبناء مجتمع متماسك وعادل يتحرك ضمن المبادىء التي ارادها الله سبحانه وتعالى لنا في هذه الدنيا لذلك علينا ان نعمل جاهدين على تحويل هذه المجالس الى مجالس دروس للحياة وفيها دروس العزة والكرامة الانسانية فيها تعرف على الكبوات والثغرات والارهاصات التي وقعت في مجتماعتنا وكان لها اثر عظيم في الانحرافات الكبرى التي حصلت كيف نجعل من هذه المجالس الحسينية مصدر حقيقيا لتحولات كبرى في بناء مجتمعاتنا هذا ما اراده ائمة اهل البيت (ع) ، وحينما نقرأ في تاريخ الحوراء زينب اول ظاهرة نستغرب منها ان قبرها ليست في مدينتها مدينة رسول الله (ص) بل قبرها في الشام او في مصر على اختلاف الروايات والتاريخ يقول بانها ابعدت ونفيت الى الشام او مصر ، والسؤال لماذا تبعد بنت امير المؤمنين وتقصى الى الشام او الى مصر والجواب انها كانت تقيم المجالس الحسينية وقد احرجت السلطات واربكت النظام الحاكم وبعدها والي المدينة حتى يتخلص من تبعات هذه المجالس ولكن أي مجلس هذا الي يمثل احراجا للسلطة ويمثل ارباكا لمشاريع السلطة حتى يضطر الوالي ان يقوم بعمل بمستوى ابعاد بنت علي (ع) عن المدينة هل كان المجالس هو مجموعة من النسوة يبكين وهذا البكاء فيه اجر عظيم ولكنه لايشكل احراج للسلطة يجعل السلطة تقوم بابعاد بنت امير المؤمنين عن المدينة ويتحمل التبعات عن هذا الاقصاء والابعاد تبعات سياسية واجتماعية وضغوط مختلفة فهي ليست امرأة عادية و هي امرأة والمجتمع العربي لم يكن يتقبل مثل هذه الاجراءات بحق النسوة وثانيا هذه بنت امير المؤمنين وبنت فاطمة فقضية ابعادها ليست قضية سهلة فما هو حجم الإحراج الذي تعرضت له السلطة من جراء المجالس الحسينية التي كانت تقيمها الحوراء زينب هذا يعني ان هناك شحن ثوري يضاف الى الشحن العاطفي ، وهناك تعبئة مستمرة كانت تمارس من خلال هذا المجلس الذي تقيمه الحوراء زينب تعبئة الامة باتجاه اهداف الحسين ، وهذا مجلس وعي وبصيرة ورؤية وتعبئة واستنفار للطاقات لتكون الى جانب مشروع الامام الحسين ونهجه وهذا المعنى هو الذي يسبب احراج للسلطان وليس البكاء يمكن ان يتم هنا وهناك على جلالته واهميته ومجلس الحوراء زينب كان يصنع قادة يؤمنون بنهج الامام الحسين كان يصنع كوادر من الرجال والنساء قادرون ان يحدثوا نقلة حقيقية وتحول كبير في بناء حياة عزيزة وكريمة للأنسان ، وكان هذا المجلس مظهرا واضحا من مظاهر بناء المنظومة الاخلاقية التي بني عليها الاسلام لذا اتخذت هذه المواقف بحقه ، علينا ان نحول مجالسنا الى مجالس شبيه بتلك المجالس التي يقيمها ائمة اهل البيت (ع) وكانت منطلقا للثورات ومنطلقا للوضوح والرؤية في بناء الامة وفي الدفاع عن القيم والثوابت والمبادىء التي روج لها رسول الله (ص) واهل بيته الكرام (ع) .
الشباب هم الاكثر تفاعلا مع المشاريع الإصلاحية والتغييرية ..
اصحاب الحسين وانصاره حينما ننظر اليهم وكان من المتمسكين بهذا المنهج نرى لهم ظاهرة خاصة تنسجم مع الاجواء التي نعيشها في هذا الليلة ليلة الثامن من المحرم والتي نقف فيها وقفة اجلال واكبار بين يدي القاسم ابن الحسن نكرم فيه الشباب في الثورة الحسينية حينما نقف ونستعرض انصار الامام الحسين الذين وقفوا وضحوا مع الحسين (ع) نرى فيهم كبار السن مسلم ابن عوسجة وحبيب ان مظاهر وفيهم الاطفال والكبار ولكن السمة العامة والعدد الكبر من انصار الحسين كانوا من الشباب وهم وقود الثورة ورجالها وقادة الثورة الحسينية كانوا من الشباب وهذه من السمات المهمة التي يجب ان نقف عندها وكأن الشباب هم اكثر تفاعلا مع المشاريع الإصلاحية والتغييرية على يد الشباب تتحقق التحولات الكبرى الشاب لديه طموح وأمل وهو كتلة من المشاعر والعواطف الصادقة حينما يرى ان الأمور تسير باتجاه خاطئ نحو الانحراف لا يستطيع ان يتمالك نفسه ينزل الى الميدان وينفض الغبار عن نفسه ويستعد لأن يقدم كل شيء من اجل تقويم الانحراف وتصحيح المسار والإبقاء على تلك الأطر القيمية النظم الأخلاقية التي وضعها رسول الله (ص) لأن الشباب هم وقود ومصدر التحولات الكبرى فلذلك حكم بني امية كان يستهدفهم على وجه الخصوص وكان لديهم خطة متكاملة تجاههم .
وكان حكم بني امية يتعامل معهم بثلاث اساليب اساسية :
1- الاغراء الاخلاقي لتمييع الشباب اغراقهم بالطرب واللهو والغنى والخمور كان يسعى ان يفرغهم روحيا ويقتلهم معنويا هذه كانت مساعي الحكم الاموي ويدفعهم تجاه الانحلال الخلقي حيث لايهتم ولا يركز على ما يجري حوله من تحولات وهذه لاتنحصر بالحكم الاموي وانما تجدها في كل الانظمة المستبدة والظالمين فانهم يغرقون الشباب بالانحلال الخلقي واليوم اذا اردنا ان ننظر يمكن ان يتصفح الانسان الفضائيات تجد الكثير منها الذي يدفع الشباب الى مثل هذه السلوكيات والممارسات البعيدة عن القيم الدينية والاجتماعية التي نؤمن بها كعرب وكمسلمين وهذه حالة مؤسفة وما ان تتحدث حتى يبرر هذا الموقف بتبريرات منمقة على انها حريات شخصية يمارسها الشباب المنفتح ، الانفتاح والحرية مفاهيم جدا جميلة ومن وقف بوجه الحرية ومن الذي اراد للشاب ان يعيش ظروف الانغلاق ، لكن هذه الحرية يجب ان يكون فيها تقنين وتكييف مع واقعنا وقيمنا الدينية والاجتماعية ومع قيمنا واعرافنا وتاريخنا وحضارتنا ومن قال ان الحرية بمعناها الغربي الذي ينسجم مع ثقافتهم واعرافهم وحضاراتهم وهم كيفوا الحرية مع حضارتهم وواقعهم ومن قال ان الحرية لها تعريف واحد وهو التعريف الذي يعرفه الغرب من قال ذلك حينما نتخلى عن قيمنا وحضارتنا وثقافتنا فهذا يعني اننا نعيش حالة التصحر الفكري والحضاري وفي اليوم التي كان فيها الاخرون يعيشون قرون وسطى كنا نعيش الذروة والقمة في الحضارة والانجازات العلمية والاجتماعية والتاريخية الكبرى .
2- الاغراء المادي
الحكم الاموي كان يربط مصالح الناس بالسلطة وادواتها واجهزتها امسك ارزاق الناس تمسك قرارهم لذا يبقى الانسان ملتزم للحفاظ على مصالحه وعلى رزقه ، احتكار المال العام بيد السلطة الحاكمة وتحويله لاداة ضغط ليسير الناس بنظرة احادية مما يريدها الظالم وهذا امر غريب وجدناه في حكم بني امية وفي الأنظمة الحاكمة الظالمة والمستبدة على مر التاريخ .
3- القمع والسجن والقتل والمطاردة والتشريد والمصادرة للأموال وكل من لايمضي معنا فهو ضدنا وكل من ضدنا يجب ان يلقى حتفه ومصيره اشد ما يمكن والقتل على الظن والتهمة هكذا كان من قبل جهاز بني امية ، والامويين كانوا لايخافون من الكبار والكبير على كل حال فاعليته قليلة وطموحاته محدودة وآماله في الدنيا محدودة ولا يملك حس الاقتحام والمبادرة لذا كان التركيز على الشباب وحينما نراجع نجد ان تلك النخبة الشبابية الطيبة التي وقفت مع الحسين (ع) كان لها سمات اخرى قالت لا بوجه الظلم والطغيان والانحراف والضلال وقالت نعم للحسين ومنهجه ونعم للمشروع الحسيني ونعم للمسارات الصحيحة ونعم للدفاع عن الحق والوقوف مع المحروم بوجه الظالم والمعتدي وقدمت كل شيء حتى نفسها من اجل هذا الهدف السامي و حينما خرج الحسين (ع) من مكة تبعه الالاف من الناس بعضهم لديه مشاكل شخصية مع الحاكم فرأى هذه فرصة للأطاحة بحكم بني امية وليس ايمانا بالحسين وانما ثأرا لمصالحهم ومنافعهم التحقوا مع الحسين ويوم وصول الخبر بقتل مسلم ابن عقيل وهاني ابن عروة وشاهدوا ان الكوفة قد سقطت تبين لهم ان قضية النصر اصبحت بعيدة فرجعوا وغيروا طريقهم والبعض الاخر مشى مع الحسين وكان لديهم طموحات لتسلم منصب معين وحينما شاهدوا ان القضية فيها قتل ومعارك رجعوا ايضا وبقي الحسين مع ثلة قليلة من اولئك الشباب المؤمن الذي وقفوا معه ونفس القضية حدثت مع مسلم ابن عقيل حيث بايعه اهل الكوفة وبقي عدة ايام والناس تتراكض وتتسارع لبيعة مسلم وفي يوم صلى خلفه 18 الف منهم وفي نفس مساء هذا اليوم بقي مسلم ابن عقيل وحيدا لا يجد من يؤويه ما الذي غير الناس هل ان كلهم منافقين وغدرة ؟ لا بل انهم كانوا صادقين وشجعان وثوار وكانت نواياهم طيبه وكانوا يريدوا ان يكونوا مع الحسين (ع) اذن لماذا تخلوا عنه وتركوه وتخلفوا عن بيعته ؟ وهذا سؤال مهم واذا عرفنا الجواب على هذا السؤال يمكن ان نقيم التحولات في كل زمان ومكان ، في يوم ما كان مئات الالاف بل الملايين تمضي خلف السيد محسن الحكيم وحينما اذاعوا في الاذاعة ان السيد مهدي الحكيم جاسوس وعميل للأجنبي وبعد الظهر واذا بهذه الجموع التي كانت مصطفة على بيت حاج عباس في الكاظمية حيث كان ينزل الامام الحكيم عصرا لا نجد من احد ولم يأتي الا آحاد ، ومعروف ان السيد محمد باقر الصدر استأجر سيارة من النجف ليزور الامام الحكيم ثم رجع اين الناس هل كلهم لا يحبون الامام السيد محسن الحكيم وغدر به الناس ؟ لا ليس كذلك بل هؤلاء ناس صادقين ومحبين اذن اين المشكلة ولماذا 18 الف يبايعوا مسلم ابن عقيل في الصباح وينقضوا بيعتهم في المساء مع انهم كانوا صادقين ان هؤلاء كانوا يبحثون عن انتصارات بسيطة انتصارات بدون ثمن انتصارات سهلة وحينما رأوا ان عبيد الله بن زياد قد اقبل وهذا ابن زياد ابن ابيه وهو اسم مرعب للعراقيين ولأهل الكوفة انذاك وهذا عبيد الله ابنه نقض الناس البيعة وكانوا يتصورون ان القضية محلولة وهم بالفعل مع الحسين وهذا ما قاله الفرزدق في وصف اهل الكوفة ( قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) العواطف والمشاعر صادقين بها ولكن لا يريدون ان يدفعوا ثمن ويتصورون ان الثورة بلا ثمن ويتصورون ان الانتصارات بالمجان وعلموا ان لا ثورة بلا ثمن ولا ثورة بلا نظام يقف بالضد منها ويستهدفها وثمن الثورة التضحية الشجاعة الجرأة وهم لايملكون هذه الجرأة والارادة لكي يقدموا هذا الدم من اجل ان يحصلوا على تلك الثورة ويغيروا ذلك الواقع والشباب الذين وقفوا مع الحسين .
كان لديهم الاستعداد وفيهم ثلاث صفات مهمة جعلتهم يقفون مع الحسين حتى اللحظة الاخيرة :
1- كان عندهم تربية وكان عندهم مناعة اخلاقية وقد تربوا في كنف الحسين (ع) في مدرسة الحسين وصار لديهم هوية واستعداد اخلاقي للتضحية عرفوا الثمن واستعدوا لدفعه .
2- الوعي العميق والرؤية لما يدور حولهم احيانا الانسان لا يملك تقدير صحيح للموقف ، القائد العسكري اذا اراد ان ينتصر في معركة عليه ان يحصل على تقدير صحيح للموقف مهما كان صعبا ، وفي الواقع الاجتماعي والسياسي ايضا كذلك هؤلاء الشباب لديهم الرؤية وهم فهموا حجم الانحراف واين وصل وحجم التضحية المطلوبة لأيقاف النزيف والانحراف والضلال .
3- كان لديهم الارادة الاصلاحية والتغييرية الحقيقية استعدوا لكل شيء حتى ان الحسين (ع) في ليلة عاشوراء وقف امامهم وقال لهم ان القوم يطلبونني ولوا ظفروا بي لذهلوا عن غيري وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا لكنهم لم يقبلوا لأنفسهم ان يتركوا الحسين ويتخلوا عن الحسين الا ان يموتوا دونه وان يقتلوا بين يديه ويستشهدوا بين يديه ، اذاً المناعة الاخلاقية هي التي اعطت هذه القوة ، الوعي والبصيرة هو الذي منح هذه القوة وهذه العزيمة وهذه الارادة في التضحية مع الحسين ونهجه ومشروعه فاصبحوا شبابا ثائرين ومستعدين لانواع التضحية والفداء قدموا كل غال ونفيس وصنعوا ملحمة انسانية كبرى وهذه الارادة الاصلاحية لا يمكن او توجد بدون تلك المناعة الأخلاقية لذا نرى مخطط التمييع ورمينا بأحضان الحضارات الاخرى ، الغزو الثقافي ومسخ الهوية الثقافية وهذه الاساليب كلها تستهدف المناعة الاخلاقية واذا غابت المناعة الاخلاقية سوف لا نجد ارادة اصلاحية ، لاحظوا الامام الحسين (ع) في ليلة العاشر دخل في مفاوضات مع عمر بن سعد الذي يمثل الجانب ألظلامي ، فقال له الحسين: ياعمر الا تعرف حجم التداعي والانحراف والابتعاد عن سيرة رسول الله (ص) فقال نعم اعرف اذن لماذا لا تصطف معنا لكن كان جوابه ياحسين اخاف ان يهدموا بيتي فعرض الامام الحسين (ع) ان يعوضه باحسن منه لكنه عاد وقال انني اخاف ان يصادروا مزرعتي وعرض الامام الحسين (ع) تعويضه بافضل منها فكان عمر ابن سعد درس تاريخي بليغ ، حيث كانت ترتبط بمصالح الامة والرسالة الاسلامية في خطر والارامل ثكلى والأيتام يئنون بينما هو يفكر ببيت ومزرعة فوضع الامة ومصالحها في كفة ميزان وبيته في كفة احرى ، عمر ابن سعد مستعد ان يضحي بالامة الاسلامية ومساراتها وصلاحها لكي يحافظ على بيته ومزرعته ، انظروا الانتهازية والمصلحية والانانية ، وهذا السلوك ممكن ان نلاحظه في كل زمان فليس ذلك ببدعة ولا استثناء وهذا هو المرض العضال حينما يصل الانسان في الانتهازية والمصالح الشخصية الى مستوى يصبح لا يكترث بهموم الامة وهموم الشعب وكل ما يهمه المصلحة الخاصة ، وعمر بن سعد مستعد ان يصنع كارثة انسانية واسلامية في يوم عاشوراء حتى يحافظ على مصالحه الخاصة ولا تتصورون ان عمر ابن سعد انسان بسيط فهو ابن سعد بن ابي وقاص الذي نرى اسمه بين الاسماء اللامعة في قائمة اصحاب رسول الله وله بطولات في الفتوحات وهو عمر ايضا يصنف في قائمة التابعين كان عالما ومثقف لكن مع ذلك وقف هذا الموقف لأنه يفتقر للمناعة الاخلاقية والرؤية الرسالية والارادة الحقيقية ، وهو كان من ابناء الاسر المعروفة في ذلك الوقت بني زهرة من العشائر المعروفة في ذلك الحين .
الفارق الطبقي يهز مشاعر الشباب ..
اذن الشباب كانوا مستعدين للتضحية وان يقدموا كل شيء حيث كانوا يبحثون عن العدل والانصاف وتقليل الفواصل الطبقية بين المجتمع وهذا الفارق الطبقي يهز مشاعر اولئك الشباب وهذه الطائفية السياسية والمحاصصات وهي موجوده في كل زمان الا ان مسمياتها قد تختلف ، فهناك طبقية اجتماعية وطبقية سياسية في ذلك الحين وهؤلاء الشباب يريدون ان يحصلوا على فرصة الحياة ولقمة العيش بدون ان يطأطأ راسه لأحد ، كما انهم يريدون بناء مجتمع على اسس صحيحة وعادلة ، لذا وقفوا مع الحسين وهؤلاء الشباب يريدون المجتمع كما عبر عنه رسول الله (ص) حينما قال (( الناس سواسية كأسنان المشط )) المجتمع اذا لم تكن فيه مساواة فهو بيئة خصبة للفتنة وللجريمة والظلم والتعدي على حقوق الناس ، لذا وقف هؤلاء الشباب مع الحسين وسطروا الملاحم وعندما نقف عند هؤلاء الشباب مثل علي الاكبر الذي عمره 18 سنة القاسم ابن الحسن 10 الى 12 سنة على اختلاف الروايات فتيان بعمر الورود لكنهم وقفوا وقاتلوا وذبوا عن الحسين (ع) لأنهم لم يروا الحسين يمثل شخصا على جلالته وعظمته بل كان يمثل منهجا اصلاحيا ومنهج تغييري ، واليوم الشباب العربي في ربيعنا العربي يصنع هذه التحولات الكبرى في مصر وفي تونس وفي ليبيا واليمن وغيرها يصنع الملاحم والبطولات لأنه استطاع ان يتكيف مع هذا الواقع واليوم اصبح لديه رؤية وفهم صحيح واصبح يتحسس لهذه الالام والمحن واصبحت مشاعره منطلقة بحيث لا تقف الدبابه امامه والجيوش الجبارة لا تقف امامه وهذا ما وجناه وما نجده اليوم ، اذاً حينما تتولد الارادة لا تقف أي قوة بوجه الشباب الثائر وهذه هي دروس الحسين واليوم يؤخذ بهذه الدروس فتصنع الملاحم الحسينية هنيئا لنا بابي عبد الله الحسين وهنيئا لنا بكل الاحرار والثوار ولتبقى مدرسة الحسين خالدة .