• نص كلمة سماحة السيد عمار الحكيم

    2011/ 07 /10 

    نص كلمة سماحة السيد عمار الحكيم

    الحديث السياسي

     ضرورة تعيين شخصيات مستقلة وكفوءة للوزارات الامنية لوقف نزيف الدم

     نجد ان امامنا تحديات وتلكؤات كبيرة ، لاحظنا على المستوى الامني حجم التصدع والاشكاليات التي اعترت واقعنا الامني والتراجع الذي نشهده وكان من الاحداث المؤلمة والمؤسفة ما حدث في منطقة التاجي مؤخرا بوقوع 90 ضحية ما بين شهيد وجريح في عملية ارهابية مزدوجة ، وهكذا نسمع في كل يوم ان هناك من يقتل بكواتم الصوت، وهناك عبوات وتفجيرات وقتل للناس بدم بارد في هذا الموقع او ذاك ، وكما اعلنت الاجهزة الرسمية من ان عدد الضحايا لشهر حزيران الماضي بلغ 725 بين شهيد وجريح وهي نسبة تزيد على ماكان في شهر ايار السابق بنسبة 34 %  ، فيما بلغت خسائر الارهابيين 25 قتيلا فقط، وهذا يعني ان المبادرة لاتزال بيد الارهاب وليس بيد الاجهزة الامنية ، ان هذا الموضوع الحساس يجعلنا امام مسؤولية كبيرة في الانتصار للدم العراقي الذي يراق في كل يوم وفي وضع حد لنزيف الدم والوقوف امام مثل هذه التداعيات من خلال تعيين شخصيات مستقلة وكفوءة للوزارات الامنية حتى تتحمل مسؤولياتها في هذا الجانب ، كما يذكرنا باهمية المراجعة المستمرة وتحديث الخطط الامنية والتاكد من جدواها وفاعليتها حتى تحافظ على ارواح المدنيين . 

    سحب الثقة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات خطر يهدد اجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة

    نستمع الى احاديث عن تجميد عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على خلاف النصوص الصريحة والواضحة للدستور العراقي ومنها المادة 102 من الدستور ، وكذلك هناك محاولات لسحب الثقة من اعضاء المفوضية في مجلس النواب ، اننا نؤكد على اهمية الالتزام بالقانون والمعايير الصحيحة وليس هناك احد فوق القانون ان كان في المفوضية او في غيرها. ولابد من متابعة كل من يتجاوز على القانون او يساهم في هدر المال العام او في غير ذلك من الامور سواء كان في المفوضية او في المفاصل الاخرى ، ولكن المهم ان تتم هذه العملية بصورة منهجية ومهنية وعبر المؤسسات المختصة وبعيدا عن الدوافع السياسية والمصالح الشخصية والتصعيد الاعلامي . لابد ان نعرف هل من تقصير حقيقي للمفوضية او ليس من تقصير من خلال نظرة مهنية ومنهجية وعلمية لهذا الموضوع وعبر المؤسسات المختصة ، واذا كان من تقصير فهل ان اعضاء مجلس المفوضين هم المسؤولون عن هذا التقصير أم  ان هناك جهات اخرى هي المسؤولة وهي التي منحت صلاحيات واعطت تراخيص في مواقف اليوم يقال انها غير صحيحة مثلا ، واذا ثبت ان مجلس المفوضين هو الذي يتحمل المسؤولية وهنا ياتي السؤال هل ان كل اعضاء المجلس يتحملون التقصيرام بعضهم؟ من المسؤول عن التقصير حتى نتعامل مع المقصر؟ حتى يثبت  بطريقة علمية ومنهجية وليس عبر انفعالات عامة او مصالح سياسية خاصة ، واذا ما اردنا ان نتخذ موقفا تجاه شخص او مجموع مجلس المفوضين فهل اعددنا البديل وهل اتفقنا على من يمكن ان يشغل هذا الموقع الحساس؟
     من اهم معالم الديمقراطية هو اجراء الانتخابات في وقتها المحدد فكيف تجرى الانتخابات اذا اصبحنا امام فراغ في المفوضية وليس لدينا مفوضية تجري العملية الانتخابية ، وكيف يتم الاتفاق على البدائل ونحن نرى وزارات امنية مهمة وحساسة كان شغر المواقع فيها سببا في اراقة الدماء في كل يوم ومع ذلك تمر اشهر واشهر ولاتستطيع القوى السياسية ان تتفق على اشغال هذه الوزارات ، فليس من المعقول ان نذهب الى سحب الثقة ( لو ثبت ان هناك مايستحق سحب الثقة ) دون ان نحدد بديلا نتفق عليه ولابد في جلسة واحدة ان يسحب الثقة من احد ويعوض بآخر ، واليوم نعرف ان هناك عضو في مجلس المفوضية سحبت الثقة منه وعضو آخر قدم استقالته ، وحتى بعض الاتهامات التي تجري اليوم من قبيل سفر وايفاد اعضاء المفوضية في دورات تطويرية ، (فهل ذهبوا بصلاحية ام بدون صلاحية ، فعلوا خيرا ام لا هذا بحث آخر ) النتيجة هل انهم استفادوا من هذه الدورات خصوصا اننا نفتقد اليوم للاشخاص الذين يمتلكون مثل هذه الخبرات والقدرة على ادارة العملية الانتخابية ، احذر من اجراءات انفعالية وأحذر من اجراءات تدخل البلاد في فراغ وتجعل عملية التوافق على بدائل عملية معقدة وتخاطر باجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة ، ولابد ان ننظر الى هذه الامور بموضوعية كاملة . 

    انتاج النفط في محافظة واسط  انجازمهم يسجل لصالح العراق في تطوير منشآته النفطية وتوفير الايرادات المناسبة لتقديم الخدمة لابناء شعبنا

    اهنيء اهلنا في واسط حيث تحولت محافظتهم الى محافظة منتجة للنفط بعد ضخ النفط من حقل الاحدب وسيرتفع الانتاج حسب الخطة المقرة خلال السنوات المقبلة الى 115 الف برميل يوميا  من هذا الحقل كما تشير التقارير الى ذلك . اننا نشكر ونثمن كل الجهود الخيرة في وزارة النفط وفي الحكومة المحلية وكل من ساهم بتحقيق هذا الانتصار الوطني وهو انجازمهم يسجل لصالح العراق في تطوير منشآته النفطية وتوفير الايرادات المناسبة لتقديم الخدمة لابناء شعبنا ، كما اطالب الحكومة الموقرة بدفع تخصيصات (البترودولار) المخصصة للمحافظات المنتجة للنفط لتوفير فرص البناء والاعمار لهذه المحافظة الكريمة وادعو اعزائي في الحكومة المحلية في محافظة واسط ان يتابعوا هذا الموضوع وان يطالبوا بحق أبناء واسط حتى يتم الحصول على تلك المخصصات لتقديم الخدمات لأبناء المحافظة . 

    يجب الحفاظ على احترام الدستور العراقي وهيبته امام الرأي العام كما يجب الاحتكام اليه عندما نختلف في هذه القضية او تلك

    لاحظنا ان واحدة من اهم المفردات في الربيع العربي الذي نشهده منذ عدة اشهر هو موضوعة الدستور والمطالبات من الشباب الثائر في العديد من البلدان العربية بتعديل الدستور او اعادة صياغة الدستور او كتابة دستور في بلدان ليس فيها دساتير ، ولاحظنا مؤخرا الاستفتاء على تعديلات دستورية في المملكة المغربية وهي خطوة مهمة ولاحظنا النسبة الواسعة من المشاركة في هذا الاستفتاء مما يؤكد ان الدستور يمثل قضية حيوية للشارع العربي في هذه البلدان ، نتابع بترقب ما ستؤول اليه الامور في عملية التعديلات والاستفتاء الدستوري في مصر وتونس ، ونتابع ايضا الوعود التي تطلقها القيادات ليبيا واليمن وسورية في تعديلات مهمة في دساتير بلدانهم بما يوفر الطموحات المشروعة لهذه الشعوب الكريمة، وهنا لابد ان نستثمر هذه الفرصة  لنذكر باهمية الدستور في اي بلد ولاسيما في العراق الذي كتب دستوره بيد عراقية منتخبة بجهود مضنية وكبيرة بذلها ابناء الشعب العراقي حتى تم صياغته وتم الاستفتاء عليه ليصبح الوثيقة الوطنية التي يرجع اليها في الملمات فلابد ان نحافظ على هذا الدستور وعلى احترامه وعلى الاحتكام اليه حينما تطرأ اي مشكلة او خلاف ، كما ان التعديل الدستوري انما يتم بما بيّنه الدستور نفسه من آليات للتعديل ويمكن ان يتم هذا التعديل اذا ما تم ضمن الآليات المقرة دستوريا ، ولكن الزهد بالدستور والتقليل من قيمته والحديث عن الاخطاء الكبيرة بالدستور الى غير ذلك لدستور أعطى الشعب رأيه فيه وأيده فهذه قضية غير مقبولة ، الملاحظات يمكن ان تذكر في اروقة خاصة ، في لجان التعديلات الدستورية في مجلس النواب ولكن يجب الحفاظ على احترام الدستور وهيبته امام الراي العام كما يجب الاحتكام اليه ، ومن المؤسف تم تجاوز مواد دستورية  او تجميدها في كثير من الحالات في السنوات الماضية وعلينا ان نحرص في الالتزام بالدستور فانه الوثيقة الوطنية التي يمكن ان نجتمع عليها وان نحتكم اليها عندما نختلف في هذه القضية او تلك .

    الحوار الوطني في البحرين إذا كان جادا وصادقا وشفافا سيضع اليد على الجرح

    شهدنا موقفا مرحب به من العاهل البحريني بتشكيله لجنة سميت بالمستقلة للنظر بالاحداث المؤلمة التي المت بابناء الشعب البحريني الكريم ويراد لهذه اللجنة ان تنظر بحيادية واستقلالية وتقدم تقريرا للرأي العام ولقيادة البحرين للاحداث المؤلمة التي حصلت واسبابها ومناشئها ، انها خطوة جيدة اذا ما اكتنفها الوضوح والشفافية والمهنية والاستقلالية الحقيقية وانتصرت للحقيقة التي ترضي ابناء الشعب البحريني الكريم .
    وكذلك شهدنا الحوار الوطني الذي اطلق في مملكة البحرين وهي خطوة جيدة اذا ما كانت خطوة حقيقية لحوار جاد وصادق وشفاف يضع اليد على الجرح  ويناقش القضايا الاساسية المطروحة من ابناء الشعب البحريني ويضع المعالجات المقنعة  لهذه الشعب الكريم ، نتمنى للخطوتين تشكيل لجنة التحقيق والحوار الوطني ان تكلل بالنجاح وتكون نتائجها مقنعة لابناء البحرين وان يشعر جميع ابناء البحرين بالعزة والكرامة والانتصار لحقوقهم المشروعة والعادلة وهذه هي المداخل الصحيحة التي يمكن من خلالها توفر الاستقرار والامن وتعود الثقة واللحمة الوطنية في البحرين وفي غيرها من البلدان حينما تحصل بعض الاشكاليات والملاحظات .  

    الحديث الثقافي 

    الرسائل والدروس والمعطيات التي تؤخذ من مائدة الحسين (ع)

    1- انها رسالة الصلاح والإصلاح، فالحسين(ع) لم يبحث عن دنيا وقضايا شخصية، لم يبحث عن ذاتيات حينما خرج لم يكن متدافعاً على سلطة او كرسي، الحسين أجل من ذلك. رسالة الحسين رسالة الصلاح والإصلاح وهو يقول اني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وانما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله (ع) اريد ان أمر بالمعروف وانهي عن المنكر ، هذه الغاية النبيلة وهذا الدفع الألهي وهذا الهدف السامي يمثل مفصلاً اساسياً في ان يجعل الحسين محطة من محطات الإسلام ومحطة من محطات الإنسانية ولا بد لنا ان نقف عند هذا الدرس العظيم والغاية النبيلة والهدف السامي الذي يضعه الإنسان أمام عينيه حتى ينطلق ويتحرك في تحقيق ذلك الهدف .

    2- الحسين بثورته ومشروعه مثل الإنسان كل الإنسان مثل المجتمع بكل طبقاته بكل فئاته بكل تلاوينه بكل شرائحه. الحسين كان يعمل بنتائج هذه الثورة وقالها وهو يخرج للتو من مدينة جده رسول الله (ص) (( لقد خط الموت على ابن ادم مخط القلادة على جيد الفتاة )) كان يعرف النتيجة فلماذا اخذ النساء والأطفال معه لماذا اخذ الصغار والكبار ان تلك اشارة واضحة في ان الحسين (ع) اراد ان يقدم مشروع يشمل الصغير والكبير والرجل والمرأة وكان هذا المشروع  قد مثل بكل الفئات العمرية والاجتماعية من الطفل الرضيع وصولاً الى الشيخ الكبير الطاعن في السن وكذلك فيه السيد وفيه العبد وفيه القرشي وغير القرشي وفيه العربي والأعجمي والمسلم وغير المسلم كلهم شاركوا في هذه الملحمة الحسينية لأن مشروع الحسين هو مشروع مؤطر بإطار الإنسانية كلها ويمثل طموحات المجتمع بكل مساحاته .

    4- رسالة الحسين رسالة ألأنضباط والالتزام والطاعة إنما تحول هذا الحدث ليكون معلما من معالم التاريخ لأن الحسين ومن معه مثلوا حالة الفريق الواحد المطيع لقائد واحد، واضح المعالم، له اهداف وغايات نبيلة وشريفة، وله مشروع يتسع بأتساع الأنسان وله رؤية واضحة وتوجيهات واضحة ليس من تردد ليس من تخبط ليس من ارتجال ليس من امزجة واجتهادات شخصية ومصلحية وفئوية وحزبية على حساب المصلحة العامة وانما هناك انضباط وهناك اطار يجمع كل اؤلئك الناس فكانوا على قلتهم سبب في ان يحولوا ذلك الحديث الى ملحمة انسانية كبرى .

    5- ايضاً رسالة الحسين رسالة الوضوح. الوضوح في الرؤية حيث عبر عنهم بأهل البصائر. لهم بصيرة وليس نظر العين، بصيرة القلب الوضوح في الرؤية الوضوح في الخلفيات والدوافع الوضوح في الأهداف والغايات الوضوح في المنهج وفي الموقف كل شيء كان واضحاً والوضوح يسهل المهمة ويعبأ الإمكانات ويوظف الطاقات باتجاهاتها الصحيحة فكانت ملحمة الحسين تتسم بالوضوح والشفافية في كل أبعادها وكل خلفياتها .

    6- ايضاً رسالة الحسين رسالة المبدئية والقيمية هناك مبادىء مستحضرة في تفاصيل هذه الملحمة ، العطش ، الأعداء ، التحديات ، الأخطار المحيطة بهؤلاء الناس لم تغير في سلم اولوياتهم بقي الله حاضراً في كل خطوة. في ليلة عاشوراء حينما استعد ألأعداء للمنازلة، طلب الحسين ان يمهلوه عشية تلك الليلة وكان السبب ان نصلي الى ربنا الصلاة وهم مقبلون على الله وكان لهم دوي كدوي النحل. هكذا وصف أصحاب الحسين في ليلة عاشوراء وهم مقبلون الى الجنة ولكن أرادوا ان يتزودوا اكثر واكثر في كل خطوة ، الدعاء حاضر ، الذكر حاضر ، التوسل الى الله حاضر ، استحضار الهدف حاضر في الحسين وفي أصحابه وأهل بيته وفي الكبار والصغار ، هذه تعطي قوة ، تعطي منعة ، تعطي عزة ، تعطي فرصة حقيقية للأبداع والتألق المتزايد ، كانت هناك حالة مبدئية وكانت هناك معايير شرعية واخلاقية وانسانية تتحكم بمسارات أولئك الجماعة الطيبة الصالحة .

    7 – الوفاء و المثابرة والإيثار والتسابق الى الله ، التسابق الى التضحية ورمز الوفاء ابي الفضل العباس (ع) هذا الوفي بحق الحسين وبحق مشروع الحسين (ع) هذه سمة مهمة ليس من غدر ليس من انتقائية ليس من خديعة ليس من شعارات فضفاضة ليس من ادعاءات جزافية. هناك مصداقية والتزام ووفاء وهناك طاعة وهناك انقياد وبذل الغالي والنفيس من اجل الحسين ومن اجل مشروعه (ع) ، هذه المعالم وغيرها من المعالم المهمة في ثورة الحسين حولت هذا الحدث ليكون حدث التاريخ وحدث بناء الأنسان وبناء المجتمع ايضاً من السمات المهمة الصمود والثبات الحسين كان معصوماً ولكن ابناءه وبناته لم يكن كذلك واصحابه لم يكونوا معصومين بل كانوا ناس عاديين من امثالنا لكنهم صمدوا وتحملوا كل تلك المعاناة وكل تلك الألام وكل تلك المحن التي مر بها الحسين واصحابه وأهل بيته من الجوع والعطش وكثرة الأعداء والغدر والخيانة من ألأخرين والجفاء ونقض العهود والمواثيق الى غير ذلك مما يستعرضه الأنسان في محله للحسين (ع) ومن معه ولكن لم نجد احداً يتردد يضعف ، يثبط ، وانما كانوا بعزيمة واحدة وحتى حينما خيرهم الحسين وقال ( القوم يطلبونني ولوا ظفروا بي ذهلوا عن طلب غيري وهذا الليل قد جن عليكم فاتخذوه جملا ) فلم يتراجعوا بل ثبتوا وأصروا على ان يقاتلوا ويقتلوا دون الحسين (ع) هذا الصمود وهو وليد الوضوح وحقانية المشروع وهو وليد الصدقية العالية الى غير ذلك من الدروس التي استعرضناها ولدت حالة من الصمود والثبات المنقطع النظير فصنع كربلاء بأمجادها وصنع ملحمة حسينية باتت معلماً من معالم التاريخ ومعالم الأنسانية ، ايضاً من رسائل الحسين هو دور الشباب ، الشباب كان لهم دور كبير في الدوافع لهذه الثورة وفي تفاصيلها وفي ديمومة الثورة بعد استشهاد الحسين عبر الثورات والانتفاضات والتحركات الشعبية الثائرة كان الشباب هم العماد والأساس فيها. فبالرغم لاستذكارنا لشخصيات كبيرة وعظيمة كان لهم تقدم في العمر ولكن المساحة الأوسع ممن وقف الى جانب الحسين وصنع هذه الملحمة كانوا من الشباب كل ذلك استطاع ان يجعل من الحسين (ع) قيمة انسانية حقيقية يشهدها العدوا قبل الصديق تارة نتحدث عما نعتقده عن موقع ابن بنت رسول الله وعصمته ومكانته وتارة نتحدث عما رواه الناس فأصبح الحسين مثار الاهتمام والإعجاب للأعداء قبل الأصدقاء، للبعيد قبل القريب وهذه من الخصائص المهمة التي نشهدها في هذه الثورة وهذه الشخصية العظيمة لذلك توقعوا باستشهاد الحسين سينتهي كل شيء ولم يعلموا انها كانت البداية والانطلاقة وليست النهاية وبدأت الثورات تترى الواحدة بعد الأخرى من حركة عبد الله ابن الزبير الى حركة التوابين الى حركة المختار الى حركة عبد الله بن الزبير من جديد الى حركة عبد الرحمن بن الأشعث وهكذا استمرت حتى أطاحت بالحكم الأموي الذي كان له الدور في مثل هذه التحديات التي عاشها الحسين (ع) ويذكر عن تلك الحقبة التي تلت استشهاد الحسين (ع) وطبيعة الظروف الصعبة التي مرت بالمجتمع الإسلامي التي عصفت به الثورات المتلاحقة ، فهذه الحقبة شهدت ظروف استثنائية لم يمر بها المسلمون من ذي قبل وبعضها لم يمر بها المسلمون من بعدها ايضاً فقد وقعت واقعة الحرة ودخول جيش الشام الى مدينة رسول الله (ص) واستباحة المدينة لثلاث ايام بقرار عسكري وهذا لم يحصل بالتاريخ الإسلامي قط. يمكن ان تدخل الجيوش المسلمة او غير المسلمة الى مكان ما فيعبث بعض الجنود او يتطاول، لكن ان يكون قرار عسكري رسمي لاستباحة مدينة كاملة بقدسية مدينة رسول الله 0ص) وتنتهك فيها الحرمات والأعراض فهذا لم يحصل من ذي قبل وهكذا ما ألزم عليه المسلمون بتوقيع العقود بالعبودية والرق ليزيد بن معاوية وهذه كانت ظاهرة في التاريخ الإسلامي ان يتحول الحر بحرية الإسلام وبكرامة الإسلام الى عبد ورق الى يزيد بن معاوية وصكوك يلزم المسلمون بالتوقيع عليها بعد كل ذلك التاريخ والجهاد والعطاءات الكبيرة. وكذلك هذه المرحلة الزمنية شهدت هدم الكعبة لمرتين مرة على يد مسلم بن عقبة والأخرى على يد الحجاج بن يوسف الثقفي. اقدس المقدسات بيت الله الحرام حينما تهدم هذا دليل على حجم الإنحراف والإنحطاط الخلقي الذي كان يعيشه بعض أوساط الناس آنذاك وهنا يأتي دور الأمام السجاد (ع) في كيفية الانتصار لدم الحسين وكيفية الحفاظ على مشروع الحسين في ظل مثل هذه الظروف الحرجة هناك وضع غير مستقر امنياً وسياسيا وهناك إرباك كبير على المستوى الخلقي العام في المجتمع وهناك حالة الاضطهاد والقمع والملاحقة والقتل على الظن والتهمة وهناك فراغ حقيقي للصلحاء وللكوادر الصالحة بعد الحروب الدامية التي مرت بالمجتمع ألإسلامي حيث الحروب التي خاضها علي (ع) ومن بعده الأمام الحسين ومن بعده الثورات التي تعاقبت وفي كل حرب منها سقط عدد كبير من الصلحاء والمؤمنين ويخبرنا التاريخ في ان حركة التوابين وحدها استشهد فيها اكثر من 300 شخص من المتشبعين بثقافة الأسلام من قراءة علي (ع) والمنتمين لعلي (ع) فأذن هناك فراغ قيادي ونخبوي نعبر عنه الآن. الكوادر التي تربت على يد رسول الله وعلى يد أمير المؤمنين والأئمة الأطهار هؤلاء عدد كبير منهم استشهد  أوارتحلوا الى ربهم. من الذي يقوم بدور الحلقات الوسطية في بناء المجتمع ويكون الرابط بين الأمام وعموم المسلمين؟ هذه النخبة الكثير منها انتقل الى الله ، اذن الأمام السجاد كان يواجه ذلك الإضطهاد من ناحية والإنحطاط من ناحية اخرى ومن ناحية ثالثة عدم الإستقرار والفوضى الأمنية والسياسية وتبدل الحكام وكل يقتل الذي سبقه ، وكل ذلك من دون ان تكون له أدوات يتحرك من خلالها واذرع يبني المجتمع من خلالها فكان امام الأمام السجاد دور خطير ومهم ونجد انه مارس خمس خطوات اساسية في هذه الظروف الحساسة :

    1- منهج البكاء ، ويسجل على الأمام السجاد انه استمر في بكائه ليل نهار لعشرين سنة وعلى بعض الروايات لأربعين سنة مما اصبح مثار التفسير والتأويل لماذا هذا البكاء بهذا المستوى ما ان عرض عليه الماء الا وبكى وقال اشرب وقد قتل ابي الحسين عطشانا ما ان مر على قصاب الا وسأله هل تسقون الكبش قبل ان تذبحوه فيقول نعم يا بن رسول الله فيقف ويجهش بالبكاء ويقول الكبش لا يذبح حتى يسقى من الماء وقتل ابي الحسين عطشانا وهكذا حينما ننظر الى هذه الصورة القاتمة التي عاشها المسلمون نفهم لماذا البكاء مدخل لأيضاح رسالة الحسين والإنتصار لذلك المشروع الحسيني وللحفاظ على دم الحسين لأنه لو أراد ان يشرح ويوضح من خلال الخطب لقتل منذ اول لحظة وما كان بإمكانه ان ينتصر لقضية الحسين (ع) ولكن من الصعب اقناع الملسمين ان هذا الشخص يجب ان يقتل او يسجن لأنه يبكي لأن البكاء حالة انسانية ولكنها وظفت لتعبئة ألأمة وللتذكير بظلامة الحسين ولشد الجمهور نحو الأهداف السامية التي استشهد الحسين من اجلها .

    2- الدعاء ايضاً، استخدم الأمام السجاد الدعاء وسيلة للتربية والبناء الفكري والتربوي والأخلاقي والروحي والمعنوي وحينما ننظر الى ادعية الإمام السجاد في الصحيفة السجادية نجدها مليئة بالفكر على صيغة الدعاء. لو اراد ان يقف الأمام ويخطب ويقول انتفضوا على الظالمين لأُستهدف ولكن حينما يقول بصيغة الدعاء الهي كيف لا انتصر لمن هو مظلوم وكيف لا أقف بوجه من ظلمني اللهم اعني على ذلك بصيغة الدعاء كان يقدم كل السمات المطلوبة في الثقافة للمجتمع الإسلامي بشكل عام فتحولت ظاهرة الدعاء عند ألأمام السجاد الى مدرسة حقيقية في بناء الإنسان والمجتمع والتعريف بكل المفاهيم القيمة التي كان يمنع من تبيانها بشكل الخطاب والمحاضرات وما الى ذلك .

    3- استهدف الأمام القاعدة الرصينة الموالية لنهج اهل البيت (ع) وكان بناء هذه القاعدة عبر البكاء والدعاء للحالة العامة وهناك ظاهرة اخرى يتداولها التاريخ حينما يستعرض حياة الأمام السجاد وهي قد تكون غريبة شيء ما وهي ان الإمام السجاد كان يدأب على شراء العبيد مجاميع من العبيد يشتريها في كل سنة ويحتفظ بها لسنة كاملة، ثم يعتق رقابهم في نهاية شهر رمضان ليشتري مجموعة اخرى وبقي المحللون يختلفون في تفسير هذه الظاهرة كيف ان الإسلام من ناحية يوصي بعتق العبيد بينما الإمام المعصوم يبادر الى تملك هذه المجاميع من العبيد  ولكن حينما يدقق الأنسان يجد انها كانت مدخلاً قد يكون وحيداً في ذلك الجو في يشتري اناس عبيد يأخذهم الى أي مكان لا احد من حقه ان يلاحق او يسأل او يتفحص وكان يأخذهم ويدخلهم في دورة من خلال منهجه وفكره وعطائه يربيهم لسنة كاملة وكان يعتق رقابهم في نهاية هذه السنة لينتشروا في الأفاق ويكونوا مشبعين بفكر الأمام ورؤيته ويتحدثون الى الناس كل من موقعه ومكانه وليأتي بمجموعة اخرى فكانت غطاءا لإعداد عدد كبير من الناس الإعداد المناسب كي يعوض عن ألالاف من الصلحاء الشهداء اللذين فقدوا واوجدوا فراغ حقيقي على مستوى النخب التي تتواصل مع الأمة .

    4- رعاية الثورات هذه الثورات الأساسية التي تمت كان البعض منها برعاية ولو غير مباشرة من الأمام السجاد (ع) نلاحظ في حركة التوابين وهي حركة منظمة مدروسة ومنهجية وكانت تقاد من سليمان بن صرد الخزاعي هذا الرجل الصنديد المعروف من أصحاب علي (ع) والحسن والحسين (ع) وكان رجلاً شجاعاً مقتدراً فكان من خلال قيادته لهذه الحركة يصعب ان نفسر هذه الحركة والتفاصيل دون ان يكون هناك صلة وارتباط بالأمام السجاد (ع) وهكذا في حركة المختار وان كانت التفسيرات عديدة  في طبيعة علاقة المختار بالأمام السجاد وحجم هذه العلاقة ومستواها ولكن ماهو مقبول لدى الجميع انه كان هناك اتصال وعلاقة مع الأمام السجاد ونلاحظ حينما يقتل المختار قتلة الأمام الحسين او من يراسلة ويبشره بهذا الخبر هو الأمام السجاد (ع) .

    5- السلوك الإستثنائي والمدهش الذي اعتمده الأمام السجاد في رعاية الفقراء والمساكين والمضطهدين والمظلومين وكان يحمل اليهم الطعام بنفسه ليلاً وهو يغطي وجه كي لا يعرف، وهنا ايضاً اختلفت التفاسير في هذه القضية فلماذا كان الأمام يخفي نفسه على اؤلئك الفقراء؟ هل خشية من ان تعرف أجهزة السلطة وترى في ذلك تعبئة للأمام يقوم بها فيمنع منها او لإعطاء درس بليغ للمجتمع الذي اصابه ما اصابه من الإنحطاط والإنحراف عن وجود حالة من المبدئية في ان تقدم هذه العطايا من اناس لا يعرفون بأنفسهم ، لذلك نجد ان الأمام الحسين مثل المشروع والطموح والرؤية والمستقبل الذي يجب ان يسير عله الإنسان وأبي الفضل العباس مثل الركيزة المهمة في النصرة والوفاء والتضامن من اجل انجاح المشروع والأمام السجاد مثل الركيزة الأساسية لحفظ المشروع وديمومته لا سيما اذا اعتبرنا ان الدور الزينبي هو جزء من مشروع ألامام السجاد كون الحوراء زينب كانت تتحرك في ظل إمامة امام معصوم وتأتمر بأمره مما يجعل هذه الحلقات الثلاث حلقات مترابطة تحقق لنا رؤية عن طبيعة المشروع الرسالي في الأرض وطبيعة هذه المشروع وافاقه ومعطياته ومداليله وايضاً مقومات النجاح والديمومة والإستمرار لهذا المشروع .

    اخبار ذات صلة