• نص حديث السيد عمار الحكيم في الامسية الرمضانية الحادية عشر

    2011/ 08 /23 

    نص حديث السيد عمار الحكيم في الامسية الرمضانية الحادية عشر

    كان حديثنا في الليالي الماضية عن منظومة الحقوق في النظرية الاسلامية وقلنا أن الكل ينشد الى بناء مجتمع قوي ومتماسك ، وأن قوة المجتمع حينما تنتظم العلاقة بين ابناءه وحينما يتعرف كل منهم على حقوقه ويتعرف على حقوق الاخرين وكلما تحدثنا عن الحق تحدثنا عن الالتزام تجاه حقوق الاخرين كما ان لكل منا حق فا للآخر حق ايضاً ، التزام الاخر بما هو حق لي والتزامي بما هو حق للاخر ، اذن منظومة الحقوق يلازمها منظومة الواجبات والألتزامات لاحق بلا واجب ولا واجب بلا حق مادام امامي واجبات فهو حقوق للأخرين اذن لابد ان يكون واجب تجاهي بما هو حق لي ، هذه المنظومة يشير اليها الامام السجاد (ع) ويستعرضها في رسالته الشهيرة رسالة الحقوق ، وتحدثنا عن حق الله سبحانه وتعالى تجاه عباده وعن الحق الثاني وهو حق النفس وقلنا اذا اردنا ان نتعرف على حق النفس ونحسن اداء هذا الحق فلا بد ان نتعرف على صاحب هذا الحق وهي النفس فتحدثنا في الليالي الماضية عن معرفة النفس وعن فوائد هذه المعرفة وعن طبيعة الكمال الذي يمكن ان تسير فيه هذه النفس او الانحطاط والتسافل الذي يطال هذه النفس ، هذه النفس يمكن ان ترقى لتكون خير من الملائكة ويمكن ان تتسافل وتتهاوى وتتراجع لتكون اشد واهون من البهائم بيد الانسان كيف يتحكم بهذه النفس وبأي مسار يدفع هذه النفس ثم انتهينا للحديث عن ترويح النفس ان هذه النفس امامها التزامات تجاه الله وتجاه الانسان نفسه والتزامات تجاه الاخرين استحقاقات كثيرة ضغوط معاناة محن في الشؤون المادية والمعنوية ، الروح تتعب فلا بد من ترويح لها حتى تعود الى نشاطها وحيويتها وفاعليتها وذكرنا ان اولى الامور التي يشار اليها في الروايات لترويح النفس هي السفر وذكرنا اهمية السفر وان كان لأغراض متعددة لكن واحدة من اهداف السفر هو الترويح عن النفس وصحة البدن واستعرضنا مجموعة من النصوص في هذا المجال .

     الدعابة والمزاح ضرورة لترويح النفس ..

     الامر الثاني الذي تشير اليه في ترويح النفس هو الدعابة والمزاح والضحك وما الى ذلك فكأن المطلوب في حياة الإنسان ان لا تكون كلها حدّية وجدية وكلها عمل دؤوب ، الانسان يخرج عن الجدية الى حالة من المزاح والدعابة والضحك والتندر فيما بين الأخلاء والأصدقاء وهذه قضية مطلوبة تشير اليها مجموعة من الآيات والراويات الشريفة ، لاحظوا في سورة عبس الاية 38 و39 (( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة )) اذن مطلوب للإنسان ان يعبر عن حالة السعادة والبهجة ، الانسان بحاجة الى الخروج عن الجدية ويكون مبتسماً مشرقاً مستبشراً متفائلا ، التفائل جزء من عملية تحقيق الانجازات والمواجهة للتحديات التي تقف بوجه الانسان في سورة هود الاية 71 (( وامرأته قائمة فضحكت )) امرأة ابراهيم (ع) ضحكت حينما نزل العذاب بالمنحرفين من قوم لوط ، اذن الانسان يعبر عن السعادة والفرح حينما يجد ان سنن الله تمضي وان الطغاة يزولون وان المحنة تزول وان النصر يأتي فيعبر الانسان عن فرحه وسعادته ، (( فبشرناها بإسحاق )) وهذه الفاء فاء التفريع في ظرف البشارة وفي ظرف الراحة وفي ظرف الانتصار في ظرف القضاء على الظالمين في ذلك الظرف فبشرناها بإسحاق وهي عجوز ولكن تلد إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب وان إسحاق سيكون له ولد اخر وهو يعقوب ، في الكافي الجزء الثاني صفحة 663 الحديث الثاني عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال (( ما من مؤمن الا وفيه دعابة )) قلت وما الدعابة قال (( المزاح )) المؤمن هش بش وهذه من مقومات الشخصية الإيمانية ، في نفس المصدر الحديث الثالث عن يونس الشيباني قال قال ابو عبد الله الصادق (ع) (( كيف مداعبة بعضكم بعضا )) قلت قليل قال (( فلا تفعلوا فأن المداعبة من حسن الخلق )) أي لا تفعلوا قليل بل أكثروا منه ، هنا الامام يحث على الاكثار من المداعبة وهي مرتبطة بحسن الخلق فحسن الخلق بالمداعبة والمزاح وبالانفراج في سلوكه وتعامله مع الآخرين (( وانك لتدخل بها السرور بها على أخيك )) اذن هي من مقومات المزاح السرور المتقابل ، كما ان المزاح يكون بطريقة يكون الطرفين يسرون بها ويسعدون فيدخل السرور على اخيه ، (( ولقد كان رسول الله (ص) يداعب الرجل يريد ان يسره )) كان رسول الله يمزح  ويداعب المؤمنين والاصحاب ممن يحيطون به ويدخل السرور على قلوبهم بمثل هذه المداعبة وهناك الكثير من الرويات التي اشارت الى بعض هذه المداعبات والمزحة التي كان يمزح بها رسول الله مع المؤمنين .

     المزاح ضمن الضوابط الشرعية ..

      القضية التي يشار اليها في الروايات بشكل واضح هو الضوابط الشرعية في المزاح بحيث لا يؤدي الى هذا المزاح الى اختراق الالتزامات والحدود الشرعية كالكذب مثلاً الفحش واستخدام العبارات الغير مهذبة والغير لائقة مثل هذا الامر خرج عن المزاح وتجاوز الحدود الشرعية ، لاحظوا هذه الرواية عن عبد الله بن محمد الجعفي قال سمعت ابا جعفر الامام الباقر (ع) يقول (( ان الله عز وجل يحب المداعبة في الجماعة بلا رفث )) بلا فحش ، بلا اساءة ، بلا تطاول ، بلا عدوان مادامت المداعبة في حدود اللياقات الأخلاقية فهي مرحب بها بل هي من علامات الإيمان لكن اذا تجاوزت الحدود وأدت الى حالة من الاستخفاف بالآخر او الوقوع في الحرام فهذا لا يجوز ، في المستدرك الجزء الثامن صفحة 407 عن الحسين ابن زيد قال قلت لجعفر ابن محمد الإمام الصادق (ع) جعلت فداك وهل كانت من النبي مداعبة فقال (ع) (( لقد وصفه الله بخلق عظيم في المداعبة )) الإمام الصادق (ع) يفسر الآية (( وانك لعلى خلق عظيم )) ان رسول الله كان يداعب ويمازح وكان سهل في السلوك والتعامل مع الآخرين  ولا يشعر الناس حينما يدخلون عليه  بتكلف (( وان الله تعالى بعث أنبياءه فكانت فيهم كزازة )) الكزازة الجدية والحزم الانقباض هكذا في اللغة (( وبعث محمد (ص) بالرأفة والرحمة )) لكن نبينا محمد (ص) كان السمة العامة به هي الرحمة والهدوء والاسترخاء في التعامل (( وكان من رأفته لأمته مداعبته لهم )) ومن مصاديق وشواهد هذه الرأفة انه كان يداعب أصحابه (( لكي لا يبلغ بأحدهم التعظيم حتى لا ينظر اليه )) حتى لاتصل الجدية بمستوى المهابة لرسول الله حتى أنهم لا يرفعون رؤوسهم بوجه الرسول  عظمة وإجلالا وإكبار ، تحترم الناس من يقدرها وتحترمها مئة ضعف اكثر من الذي يتكبر عليها ، يامسؤول أي ما كان موقعك اذا اردت ان تأخذ مكانتك في قلوب الناس يجب عليك ان تتواضع لهم الوزير يفتح بابه في يوم واحد من الاسبوع لمقابلة الناس ، وينزل المسؤول الى الشارع يتواصل مع الناس ويدخل الى اماكن تجمهم ويتبسط معهم ويسألهم عن حاجاتهم وعن رؤيتهم وقضاياهم يكبر بعين الناس ، رسول الله (ص) كان هكذا يتعامل يمزح ويداعب حتى دائماً يكسر الحواجز النفسية بين المسلمين وبينه (ص) ، ثم قال حدثني ابي محمد الباقر (ع) عن ابيه علي الامام السجاد عن ابيه الحسين عن ابيه علي (ع)  ، ( اذن هذه من روايت السلسلة الذهبية كما اشرنا ) قال (( كان رسول الله (ص) ليسر الرجل من أصحابه اذا رآه مغموماً بالمداعبة )) يداعبه ويمازحه حتى يخرج الهم عن نفسه وقلبه ، فيما ذكر من روايات عن مداعبات الرسول يقال ان رسول الله (ص) رأى جملاً عليه حنطة فقال تمشي الهريسة  ، لأن الهريسة من الحنطة والجمل يحمل الحنطة فالجمل كالهريسة المتحركة ، وقالت عجوز من الأنصار للنبي (ص)  ادعوا لي بالجنة فقال (( ان الجنة لا يدخلها العجزة )) فبكت المرأة وظنت انها من اهل النار فضحك النبي (ص) وقال (( اما سمعت قول الله تعالى ((إنّا أنشأناهنّ إنشاءً فجعلناهن أبكارا)) اذن انت يا عجوز لا تدخلين الى الجنة بل تكونين شابة لطيفة وديعة وتدخلين الى الجنة ، الاعتدال في المزاح وعدم المبالغة لأن المبالغة في المزاح تخرج الانسان عن طوره وتحوله الى انسان خفيف ليس له هيبة في المجتمع لا يحترم وينظر اليه كمهرج . في الكافي الجزء الثاني صفحة 664  عن عنبسه العابد قال سمعت ابا عبد الله الصادق (ع) يقول (( كثرة الضحك تذهب بماء الوجه )) كثرة الضحك والمزاح والمداعبة بشكل مفرط تخرج الانسان عن حالة الهيبة والوقار ، عن ابي جعفر الباقر (ع) قال (( اذا قهقهت فقل حين تفرغ اللهم لا تمقتني )) فالمزاح جيد والضحك جيد والابتسامة جيدة ولكن ضمن حدود الاعتدال وليس اكثر من ذلك  واذا قهقهت فبادر الى القول اللهم لا تمقتني لأن القهقهة تنزل مقت الله وغضبه ، اذن نعم للمزاح والضحك وكلا لحالة الخفة التي تخرج الانسان من هيبته ووقاره ، هذه ايضاً النقطة الثانية في ترويح النفس المزاح والمداعبة والضحك .

     الرياضة ترويح للنفس وقو ة للبدن...

     النقطة الثالثة التي تشير اليها الروايات والآيات القرآنية الشريفة في قضية الترويح عن النفس هي الرياضة ، الرياضة فيها قوة للبدن وفيها حيوية ونشاط للانسان وفيها خروج عن السياقات الرتيبة في حياة الانسان فتعطيه القوة البدنية والراحة النفسية وتسهل عملية الصحة في بدنه ، لذلك نفس قوية وبدن قوي ، نفس في حالة من الراحة نتيجة الرياضة وحركة البدن وقوته مع قوة معنوية للنفس وهذه حينما تجتمع يصل الانسان الى مستوى من التوازن الذي يمكن من خلاله أن يحقق الكمال المنشود في حركته الدنيوية وفي حركته التكاملية والأخروية ، طبعا الرياضة بالمعنى المألوف اليوم ، اللجنة الأولمبية وكرة القدم وبقية الالعاب ومؤسسات رياضية ووزارة شباب ، على ما يبدو من مجمل النصوص ما كانت القضية مفروزة بهذا الشكل في ذلك الزمان وانما هنالك تأكيد على قوة الجسم والبدن وتأثيراتها وان هذه القوة يمكن استخدامها في اطار ايجابي ويمكن استخدامها ايضا في اطار سلبي ، يمكن للانسان استخدام قوته في الحرام وفي الاعتداء على الآخرين او استخدامها في ما هو منفعة وخير للناس ، وهو مذكور في الآيات الشريفة الحديث عن قوة البدن قوة الجسم ، غير القوة المعنوية والذي يوجد فيها حديث كثير في الآيات القرآنية وفي النصوص الشرعية حولها ، وهناك تأكيد في الروايات المأثورة عن رسول الله (ص) وعن أهل البيت (ع) عن أنماط من الرياضة وليس التأكيد على اصل موضوع الرياضة ، هناك تأكيد على الرماية والسباحة وعلى ركوب الخيل ، هذه عناوين ثلاثة جرى التنصيص عليها ، اذن هناك حديث عام عن قوة البدن وهناك حديث عن ممارسات رياضية محددة كانت مألوفة في ذلك الزمان ، حينذاك يمكن للانسان ان يعمم الى كل ما يقوي البدن ضمن المباح وبما لا يوقع الانسان في الحرام تكون ممارسة مقبولة وصحيحة .

     القوة سلاح ذو حدّين ..

     في سورة البقرة آية 63 " واذ اخذنا ميثاقكم "اخذنا العهد الموثق عليكم ، الالتزام " ورفعنا فوقكم الطور " الطور جبل في سيناء " خذوا ما آتيناكم بقوة " تحملوا الامانة وواجباتكم ومسؤولياتكم من خلال القوة المتوافرة لكم ، اذن مطلوب من الانسان أن يكون قويا في جسمه حتى تتحقق مثل هذه الانجازات ، " واذكروا ما فيه لعلكم تتقون " . في سورة فصلت آية 15 " فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق "   وهنا استخدام القوة ببعدها السلبي وليس الايجابي ، المستكبر يستخدم القوة ويسيء للآخرين من خلال هذه القوة  ، وهذه سيف ذو حدين ، سلاح قوي اذا استخدمت في الاطار الصحيح يوظف لانتصار أهل الحق ولتحقيق الهزيمة في أعداء الله وللانتصار للشعوب ، واذا استخدمت في الاطار السلبي والخاطيء  يمكن ان تتحول الى هزيمة أهل الحق ، الاساءة الى الناس والاعتداء عليهم الى غير ذلك ، قالوا ان فلان اصبح مسؤولا وأصبح يقطع الشوارع وحمايته يسيئون الى الناس ويعتدون على المواطنين وأحيانا المسؤول نفسه لا يعلم ولكن جماعته يتعاملون بطريقة يتحمل هو التبعات والمسؤوليات لمواقفه  ، "وقالوا من اشد منا قوة " من هو أقوى منا ، نحن أقوى جهة في العالم ونهزم كل الجيوش ، وهذا أمر عجيب ، تتباهى بقوتك فمن أين لك هذه القوة ، أليس الله هو الذي منحك اياها  والآن بما منحت القوة تستكبر حتى على الله " أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة " من أعطاكم القوة اقوى منكم ، يجب عدم الانغرار بالقدرات التي يحصل عليها الانسان والقوة البدنية ، عدم استغلال القوة بطريقة خاطئة وعدم الوقوع في حالة الاعجاب والاستكبار والتعالي على الآخرين لانك تمتاز عنهم في مكمن من مكامن القوة البدنية " وكانوا بآياتنا يجحدون " ينكرون ، أنكر الآيات وأنكر كل شيء  بحكم قوته البدنية . في سورة الكهف آية 95 " قال ما مكنني فيه ربي خير " القدرة التي اعطاني اياها ربي ، النعمة التي يحصل عليها الانسان في قوته وفي امكانية تغلبه على الخصم وعلى العدو فهي ببركة الله وفضل الله تعالى وهذه هي الرؤية الصحيحة في التعاطي مع القوة " فأعينوني بقوة " لتجتمع هذه القوى الصالحة وتتكاتف لتحقيق ما فيه الخير والصلاح " أجعل بينكم وبينهم ردما " أجعل بينكم وبينهم حاجز حصين يمنعهم من الاساءة لكم والاعتداء عليكم .
    في سورة هود آية  80 " قال لو أني لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد " وهنا ايضا تطلب القوة وتعتبر هي المدخل الصحيح والا فالانسان اذا لم تكن له عناصر القوة الكافية للنزال فلابد ان يبتعد عن المواجهة والمنازلة ، في سورة النمل آية 33 " قالوا نحن أولوا قوة " نحن اصحاب قوة وقدرات بدنية كبيرة " وأولوا باس شديد والامر اليك فانظري ماذا تأمرين " يا بلقيس لدينا قوة كبيرة ونضع هذه القوة بين يديك وأنت تقرري كيف تتعاملين مع سليمان فهل تستخدمين القوة أم تستخدمين الحوار والتفاوض ، وبلقيس كانت فهيمة وحكيمة من نساء الدولة ومن الشخصيات القيادية الناجحة ، أولا قدّرت الموقف ماذا لديها وقالوا لها لدينا قوة عسكرية ومادية وبدنية كبيرة وبامكاننا ان نهاجم جيش سليمان ولكن الامر لك وهي قدّرت ان هذه القوة تستخدم عند الضرورة ، مادام ان سليمان ارسل اليها وفد للتحاور فلابد ان تذهب وتحاور وتتأكد هل انه نبي فعلا وهل هو صادق أم لا ، اذن القوة لا تعني استخدامها في كل مناسبة ، القوة احيانا مطلوب للتلويح بها وليس استخدامها ، يكفي ان الطرف المقابل يعرف ان لدينا القوة الكافية  في أن نذهب في حالة متكافئة الى طاولة الحوار والتفاوض ، هذا هو المنهج الصحيح الذي يحدثنا عنه القرآن الكريم وهو ان لا تستخدم القوة الا عند الضرورة وما سوى ذلك فلابد من استخدام الوسائل الأخرى ، ولكن التمكن من القوة والوصول اليها والاستعداد للمفاجئات وللخصم حينما تبرز قضية معينة أمر مطلوب ايضا كما نلاحظها في هذه الآيات الشريفة . 

    اخبار ذات صلة