• نص حديث سماحة السيد الحكيم في الامسية الرمضانيةالسادسة عشر

    2011/ 08 /23 

    نص حديث سماحة السيد الحكيم في الامسية الرمضانيةالسادسة عشر

    علي (ع) ..قدر الأمة

    عظم الله اجورنا واجوركم بمصابنا بسيد الوصيين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين علي بن ابي طالب (ع) ، في هذه الليلة الحزينة والاليمة في ليلة 21 من شهر رمضان المبارك والتي تقترن فيها ليلة القدر هي ليلة استشهاد سيدنا ومولانا امير المؤمنين (ع) وكما ذكرنا ان هذا الاقتران بين ليلة القدر ليلة التقدير ، ليلة المراجعة ، ليلة الوقفة مع النفس ، ليلة التدقيق فيما مضى والنظر فيما يأتي ، في ليلة التقدير تقترن مع ذكرى استشهاد علي (ع)  اقتران علي بليلة القدر فأنها رسالة من السماء أن عليا هو قدر هذه الأمة ومقدارها وكنا قد تحدثنا في الليالي الماضية عن هذه الشخصية الاسطورة عن هذه الشخصية العظيمة في فضله في رؤية رسول الله (ص) لعلي في خصال علي وفيما يشبه من خصال الأنبياء والأولياء والصالحين وهو الوصي لرسول الله (ص) وثم تحدثنا في الليلة الماضية عن سؤال مهم يخطر في اذهاننا قلنا ان علي (ع) مع قطع النظر عن ابعاده المعنوية والمقامات الخاصة التي نؤمن بها لعلي من العدالة المطلقة والعصمة لهذه الشخصية العملاقة ولكنه رجل مخضرم مرت عليه عقود مليئة بالمواقف والتجارب وكان الى جانب رسول الله (ص) منذ نعومة أظفاره والى حين تصديه لخلافة المسلمين مما اقترب من الستين من العمر تصدى لخلافة المسلمين الخلافة الظاهرية وكان يقرب من الستين من عمره الشريف ، 60 سنة من التضحية والجهاد والعطاء وظهور في صلب الأحداث كم من الخبرة تتراكم لدى الانسان ومن التجارب هذا إذا كان إنسانا عاديا فكيف إذا كان بمنزلة علي ؟ رجل بهذه الخبرة والحنكة وهذه القدرات الفائقة حينما تصدى الى دفة الحكم نجده في السنوات الاربع التي حكم بها سنوات مليئة بالحروب والاضطرابات والمشاكل السياسية والامنية وهذا سؤال مهم يطرح في تقييم شخصية علي وانما نتحدث بمثل هذه الابحاث في هذه الليالي الشريفة لأن الارتباط بعلي لايراد له ان يكون ارتباطا عاطفيا صرفا وإنما ارتباط فكري منهجي نتعرف من هو علي وماهو منهجه وما هو مشروعه وكيف لنا ان نقتدي بعلي (ع) اننا نذعن ونؤمن لعلي بالإمامة ماهي خصوصية الإمام ؟ في صلاة الجماعة مثلا الامام اذا كبر كبر الناس معه واذا ركع ركع الناس معه واذا سجد سجد الناس معه الامامه تعني الاقتداء وتعني السير على نهج الامام والحب لعلي لا قيمة له الا حينما يكون حبا عن بينة وبصيرة واتباع لعلي ونهج علي ومشروع علي وكما ورد في الحديث القدسي عن الله سبحانه وتعالى (( من احبني اطاعني )) معيار ومقياس الحبة وصدق الادعاء بالحب هو الطاعة فيا من تدعي حب علي (ع) ويامن تلهج بذكر علي (ع) عليك ان تتفهم وتتعرف على مشروع علي ونهجه حتى تسير خلفه وتكون هذه المحبة محبة صادقة وحقيقية ومتجذرة لماذا شخص بخبرة علي لا يستطيع ان يدير دفة الحكم لتكون مليئة بالاضطرابات والحروب والمشاكل شرحنا في الليلة الماضية التيارات السياسية التي كانت في عهد علي وحكومة الشراكة التي أسسها علي مع هذه التيارات وهذه الخطوط قلنا خط الانتهازيين وخط النفاق وخط أصحاب الحديث وخط الخوارج هذه الخطوط الأربعة الكتل والتيارات الأربعة الى جانب تيار الاستقامة والثبات تيار علي (ع) هذه خمسة كتل كانت في زمن علي (ع) وتشكلت حكومة الشراكة من هذه الكتل الخمسة  وماذا لعلي ان يصنع بمفرده او بجماعته على قلتهم مع هذه التيارات وقد اسهبنا في شرحها في الليلة الماضية ماهي سماتها ومن هم رجالها الى غير ذلك وانتهينا الى هذا السؤال اذا كان هذا هو الحال والوصول الى الحكومة الناجحة والعادلة غير متوفر وغير ميسور إذا لماذا تصدى علي (ع) لماذا تحمل المسؤولية كما جلس في بيته 25 سنة كان يمكن يتنصل ويعتذر ويرفض التصدي للمسؤولية في ظل هذه الظروف المعقدة وأجبنا ان عليا (ع) صنع ذلك ورفض ولكن حينما أقيمت الحجة على علي (ع) باجتماع الناس حولة والتفافهم حوله وقالها (( لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها )) هذا الحكم لم يكن مكسب وامتيازات  لعلي بل كان مسؤولية شرعية كان حجة من الله اقيمت لعلي (ع) بالتفاف الناس حوله فكان لزاما عليه ان يتصدى لما اخذه الله على العلماء ان لايقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم هذا موقع ودور العالم ودور المؤمن ان يتصدى ويتحمل المسؤولية تجاه الناس لا يسكت على مظلومة يقع فيها مظلوم ولا يداهن ظالم في ظلم يرتكبه بحق الناس . اليوم يجب ان ترتفع الأصوات في الانتصار لكل ظلامه والوقوف بوجه كل ظالم ومظلمة يقوم بها أي من الناس هذا ما اخذه الله من التزام على العلماء وعلى المؤمنين وعلى الصالحين وعلي كان مضطرا ان يقبل وهو يعلم بالنتائج ولكن تصدى وفي ذلك درس عظيم في اننا لا نتنصل عن المسؤولية والذي يتنصل عن المسؤولية بحجة مالنا وما للسياسة ومالنا وما للحكم إنما يبحث عن راحته ويريد الابتعاد عن المشاكل ، واذا ابتعد الصلحاء فمن يتصدى لهذه المواقع فكان المخلصين والشرفاء والوطنيين والطيبين والصالحين يفرغون ويخلون المواقع للانتهازيين والمنافقين والخوارج والمتشددين والمتطرفين واصحاب المكائد واصحاب المشاريع والاجندة والمؤمرات وما الى ذلك ولكن من للناس ومن يقف ويحل مشاكلهم وينتصر لقضاياهم ، علي (ع) بالرغم مما كان يعرفه جيدا عن النتائج لكن حينما اقيمت الحجة بوجود الناصر والتفاف الناس حوله تصدى وتحمل اعباء المسؤولية وشد العزيمة في ان يمضي قدما في هذا المشروع ، يأتي السؤال الآخر إذا قرر علي (ع)ان يحكم نعرف أن الحكم له مستلزمات ومن مستلزماته ان يدفع الاموال لهذا وذاك ويعطي المناصب لهم ليضمن ولاءهم وتأييدهم ولكن علي (ع) لم يصنع ذلك ، يأتيه طلحة والزبير ويجلسان عنده حتى يتحدثان عن أدوارهم ومواقعهم وثمن تأييدهم لعلي (ع) قال علي انتظروا قليلا فموضوعكم خاص وهذه الشمعة المشتعلة من اموال المسلمين وعمد الى اطفائها واشعل شمعة اخرى من ماله الخاص ما دامت القضية التي يتحدثان بها قضية خاصة وكانت هذه رسالة مدوية واستأذنا وخرجنا من عند علي (ع) لماذا لم يقربهما علي ويعطي لهم المناصب تمشية للأمور ؟ الجواب ان عليا (ع) كان يرى حجم الانحراف وحجم الارباك في المشهد السياسي انذاك والعادات الخاطئة التي تشبع بها الناس في تلك المرحلة اكبر من ان تمكنه من الاحتفاظ بالحكم مع الاحتفاظ على المبادىء واذا اراد ان يحتفظ بحكمه عليه ان يقدم تنازلات مبدئية تنازلات جوهرية تنازلات قيمية ، حتى يستطيع ان يستمر بالحكم وبدون تنازلات مبدئية لايستطيع .

     علي (ع) ..بين ثلاث خيارات

     فكان علي بين ثلاث امور اما ان ينسحب والحجة الشرعية لاتسمح له بذلك واما ان يسير بأستحقاقات الحكم ويتنازل عن مبادئه واي قيمة للحكم اذا داس فيها على مبادئه وهو متقبل الحكم بكل مشاكله استجابة للموقف الشرعي والتزاما بمبادئه فكيف لعلي ان يتنصل عن المبادىء ويبقى الخيار الاوحد ان يستمر امير المؤمنين في الحكم ولكن ليس للأحتفاظ بالحكم وانما لأيصال رسائل اخرى ولتثبيت حقائق اخرى ليس لأن يطول حكمه ومقامه في هذا الموقع لو كانت القضية تنتهي ببعض المساهمات والمساعدات والامتيازات المحدودة لهذا او ذاك ، علي كان يمتلك من الصلاحيات الشرعية ما تمكنه من ان يقدم مثل هذا العطاء وان يبقي بعض الناس وان يجري بعض التعديلات ونحن نعرف ان عليا (ع) ابقى وثبت كل القضاة الذين كانوا على العهد السابق الاّ شريح القاضي مما يعني ان عليا (ع) وظف هذه الصلاحيات وكانت شروط التعيين التي كانت قبل علي هي غير الشروط التي يضعها علي حينما يريد ان يعين قاضيا لكن مع هذا ابقى اولئك القضاة فالمسألة مسألة تنازلات متواضعة او بسيطة بل كانت ترتبط بتنازلات مبدئية ومبادىء علي لا تسمح بأن يتنازل ع قيمه ومبادئه ، اذن ماهي الاهداف التي استهدفها علي (ع) في هذه الفترة لحين ما يأخذ الله امانته ، علي لم يعمل للبقاء في الحكم والاحتفاظ بالسلطة لأن هذا الامر يراد له سياقات وإجراءات غير الإجراءات التي اتخذها علي (ع) يمكن تلخيص الأولويات التي استهدفها علي (ع) في ثلاث امور :

     علي (ع)  ... والاولويات

    1-       الدفاع عن الإسلام ، الحفاظ على الإسلام ، والإسلام العقيدة وعلي (ع) كرس حياته من اجل ان تكون العقيدة الإسلامية عقيدة ناصعة وواضحة للمسلمين جميعا ونلاحظ  اليوم بعض المقتطفات من أقواله في نهج البلاغة وهي مليئه بالعلم والمعرفة والرؤية والتحليل والتدقيق في شؤون الحياة وفي شؤون العقيدة من وجهة نظر الإسلام ، فكان ناطقا رسميا باسم رسول الله (ص) يشرح يوضح يبين يحلل حتى الناس تفقه ماذا كان يريد وماذا كان يقول رسول الله (ص) فالاسلام كعقيدة كانت موضع اهتمام علي بن ابي طالب (ع) ولتعرف الناس انه اذا صار سلوك غير صحيح وتعامل غير صحيح فهذه مشكلة المتدينين وليس مشكلة الدين هذه مشكلة المسلمين وليس مشكلة الإسلام ، اليوم اذا كان هناك متدينين في مواقع الحكم وزيرا رئيسا مديرا هل يتحمل الدين سلوكه وتبعاته بل هذا الانسان اداؤه جيد فالحمد لله واذا كان غير جيد فهو يؤاخذ وليس الدين يؤاخذ لأخطاء المتدينين ولو كانت هذه الاخطاء بقرار ديني نعم الدين يتحمل لكن حينما تكون هذه الاخطاء نتيجة هوى ورغبات وانطباعات واجتهادات لهؤلاء الناس فالدين لا يتحمل تبعات واخطاء المتدينين ، اليوم يحمّل الاسلام الدين اخطاء بعض المتدينين وبعضهم حتى غير متدينين ولكن يلبسون حلة الدين والدين منهم براء وهم لم يتعرفوا على الدين الا حينما ارتبطت مصالحهم بالدين كما يقول الامام الحسين (ع) (( الدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درّت مصالحهم فاذا محّصوا بالبلاء قل الديانون )) إذا العقيدة الإسلامية كانت هدف لعلي (ع) .

    2-       الكيان الاسلامي اهتم علي (ع) بهذا الأمر في كل الغزوات التي شارك بها علي (ع) وضحى بالغالي والنفيس بوجوده الطاهر في هذه الغزوات والمعارك كل ذلك من اجل الحفاظ على الكيان الإسلامي ، الترشيد والتقويم والنصيحة التي قدمها للخلفاء منذ وفاة رسول الله (ص) لحين تقلده مقاليد الحكم 25 سنة "لولا علي لهلك عمر " ، "لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن " وغير ذلك من الأقوال التي قالها الخلفاء مما تشير ان لعلي دور بارز لماذا هذه الوقفة ؟ من اجل الكيان الاسلامي فهو القضية الاهم والحفاظ على الدولة هي المسألة المهمة والاختلاف في التفاصيل ، وتبقى الدولة والحفاظ عليها هو الأهم واليوم في مصطلحاتنا نقول الاهتمام وصيانة المشروع السياسي ، العملية السياسية وحماية الدولة وكيانها شيء مهم  ، وكان علي (ع) يحرص على ان يحافظ على هذا الكيان .

    3-       الحفاظ على الاسلام كأمة ومجتمع ، اهتم علي (ع) بأن يرص صفوف الامة ويوحدها ، وهذا السؤال يطرح ان يا علي هل لك حق يقول كما تقول كلماته نعم انني صاحب حق بعد رسول الله (ص) وحينما ذهب عنك الحق لماذا لم تتحرك وانت الشجاع والقادر على إرباك الأوضاع وان يستعيد حقه بالقوة لماذا لم تستخدم القوة ياعلي لاستعادة حقك الضائع ؟ يجيب علي (ع) ان لعله من الأسباب الأساسية ان المسلمين كانوا حديثي عهد بالإسلام وانتم تعرفون ان المساحة الاكبر من المسلمين انتحلوا الاسلام في عام الفتح ، بسم الله الرحمن الرحيم (( اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا )) وعام الفتح هو نفس العام الذي توفي فيه رسول الله (ص) حينما رجع من الحج في شهر ذي الحجة وتوفي في صفر ، إذا هناك مساحات كبيرة من المسلمين لا تعرف من الإسلام الا بعض المعلومات العامة وتوفي رسول الله وعلي (ع) إذا دخل في معركة قد يرتد الناس عن الإسلام لما يرونه من قتال بين المسلمين أنفسهم وهنا شرح وتبيان الملابسات ...

     علي (ع) ..والحفاظ على وحدة الامة والدولة  

    علي (ع) رأى أنه اذا دخل في معركة فماذا يمكن ان يقول الناس ، هل هذا هو الاسلام ، هل هؤلاء هم أصحاب رسول الله يتقاتلون ويتصارعون فيما بينهم وهذا ما قد يجعل البعض يرتد عن الاسلام  ، وقد يطول الوقت حتى تشرح ان هذا الامر ليس بمعركة من اجل الكراسي والمناصب وانما القضية فيها حق واعتبارات وامتدادات وفيها الدفاع عن نظرية معينة " والله لو وليتموها عليا لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أرجلكم " كما يقول الصحابي الجليل سلمان الفارسي ، لذا نرى عليا (ع) حفاظا منه على الامة الاسلامية وعلى وحدتها وتماسكها وارتباطها بالاسلام عمد الى تجميد حقوقه وجلس في داره وبدأ يتعامل بايجابية لتقويم الامور وتصحيح المسارات ، اذن الاسلام عقيدة وكيانا وأمة ، هذه كانت تمثل أولوية أساسية لعلي (ع) في تصديه لهذا الموقع ، أراد أن يسجل ، واليوم بعد 1400 سنة تجد المستشرقين والمسيحيين والناس البعيدين عن أجواء علي حينما يراجعون حكم علي بن ابيطالب يكتبون ويؤلفون مؤلفات تعبر عن دهشتهم لهذا المنهج في الحكم ، لتثبيت المباديء ، ( يجب ان نثبّت الدستور ونعرّف الناس عليه بقطع  النظر عن الاختلافات وعن وجهات النظر المتعددة في بعض مواده ومن بعد ذلك يتم تقويم السلوك الخاطيء في وقت آخر ، ولكن اذا فقدت البوصلة وضاع الدستور وانتهكت حرمته فلن يبقى حجر على حجر) ، في بلدنا مثلا حينما تتخاصم أطراف معينة يتم الرجوع الى الدستور واذا حصل اختلاف في تفسير فقرات الدستور يتم اللجوء الى المحكمة  الاتحادية ، المهم هناك مرجعية معينة واطار واضح يُرجع اليه فاذا حصل اختلاف في السلوك يمكن أن يعالج ، ولكن أخطر شيء حينما تغيب الرؤية ويضيع المشروع و يتلكأ الفهم بهذا المشروع . لذلك علي (ع) رأى الواقع والكل منحرف ولا يمكن معالجته او تصحيحه فاتّجه للحفاظ على الرؤية وعلى الاسلام والكيان الاسلامي والحفاظ على الدولة الاسلامية والحفاظ على وحدة الامة الاسلامية وعلى وحدة وتماسك الشعب ، وبعد ذلك يمكن اللجوء الى تقويم الخلل ، هذا هوالمبدأ الأول والاولوية الاولى والهدف الاول الذي اعتمده علي (ع) في فترة حكمه .

     علي (ع) ... والمساواة

    الهدف الثاني هو المساواة وهو ما نطلق عليه اليوم حقوق المواطنة ، فالمواطن مادام في هذه الدولة فله حق كما ان اتجاهه التزامات ، حقوق وواجبات ، وفي كل بلد من غير الصحيح أن تختل هذه العملية والمعادلة ويتم التمييز سواء القومي او الديني او المذهبي ، ويتم التفاضل في العطاء والاختلال في الحقوق ، في اليوم الذي كان فيه حرب ودفاع عن الوطن  وتقديم التضحيات لم يتم التطرق الى كون المواطن هذا عربي وذاك أعجمي وهذا من هذا الحزب وذاك من حزب آخر وما الى ذلك ، الكل قاتل وقدم التضحيات ، واليوم وحينما حان وقت بناء الدولة والامتيازات يتم التمييز بين المواطنين ، لماذا يكون الفرّاش مثلا حينما يعمل في الرئاسات يحصّل الملايين في حين يحصّل المدير العام في دائرة أخرى مئات الألوف ، أين وجه العدالة في هذه القضية ! أليس الكل يعمل في الدولة العراقية والكل موظفين ، فلماذا هذا الفارق ، مبدأ المساواة مبدأ طرحه علي (ع) ووقف يدافع عنه حتى الموت ، حتى عندما يأتيه أخوه عقيل هذا الرجل الصالح الطيب وكان مكفوف ولا يستطيع العمل وأولاده يتضرعون من الجوع ، لا يريد أموال من أجل السياحة في دولة أخرى ! علي (ع) أتى بحديدة حامية وقرّبها من عقيل الذي ظن انها اموال يعين بها اولاده وأهله الجياع لكنه صرخ من الالم ومن حماوة الحديد ، فساله عقيل عن السبب في هذا العمل ، فقال له علي (ع) ان هذه حديدة أردت أن أمازحك ووضعتها قليلا على النار ولكنك لم تتحملها فكيف تريد مني ان أتحمل أنا نار يوم القيامة ، اذا لم أطبّق المساواة على نفسي وعلى أخي وعلى عائلتي فلن استطيع تطبيقها وتحقيقها على الآخرين ، يجب ان يكون الكل سواسية لا فرق بينهم في هذا الموضوع ، مساواة في الحقوق والواجبات وهو مبدأ مهم من المباديء التي دافع عنها وركزها ورسّخها علي (ع) خلال فترة حكمه .

     علي (ع) .. والحريات السياسية

    المبدأ الثالث الحريات السياسية ، في سيرة السابقين هناك مبدأ الذي يكون معنا فمرحبا به ولكن من لم يكن معنا فسوف يتعرض للمشاكل  حتى لو كان أبو ذر الغفاري الذي نفوه الى الربذة بعدما كان ينتقد ويعترض على الخروقات التي حصلت بعد وفاة الرسول الاكرم (ص) ، كذلك الصحابي عمار بن ياسر حينما اعترض على قضية معينة أرسلوا الجند وداسوا على بطنه حتى اصيب بالفتق وغيرهم كثير ، علي (ع) أراد أن يضع أساس جديد ، من حقك أن تعترض وتختلف معي حتى لوكنت أنا على صواب وأنت على خطأ ، فهذا من حقك ، اذا كان لدي منطق يمكن ان أقنعك ولكن من حقك ان تعبر عن رأيك ، حرية التعبير عن الرأي ، حرية الحديث والمعارضة للحاكم اذا اختلف معه في شيء ما لم تحمل السلاح ، الخوارج أول ما بدأوا في الكلام  ، يبثون الاشاعات ويخلقون المشاكل ولكن علي (ع) يكتفي لهم بالنصيحة والموعظة وتوضيح الامور ولكنه لم يمنعهم ، حتى حملوا السلاح وقطعوا الطريق تصدى لهم عليا وشهر السلاح بوجههم ، تحمل أمير المؤمنين ألأمرّين وكان بامكانه أن لايعطيهم الفرصة في المعارضة وخلق المشاكل، اليوم هناك نصوص كثيرة في تراثنا الاسلامي تمثل توجهات وقراءات اسلامية اخرى تشير الى ان الحاكم يجب ان يطاع في كل الاحوال لانه ولي ، وهذا الامر معروف متى وضعت هذه الروايات وهو في عهد معاوية وكان يدفع الاموال لاناس حتى يتقولوا على رسول الله (ص) بمثل هذه الاقاويل والروايات حتى يعطيه حصانة ، علي (ع) لم يكن محتاجا لان يضع ويختلق ، فالناس كانوا معتادون نتيجة السلوكيات والأداء السابق على هذه الطريقة حيث تكميم الافواه ومصادرة الحريات وحرمة الاعتراض على الحاكم والوقوف بوجهه ،  وكان بمقدور علي (ع) ان يسير على هذا النهج ما دام الناس معتادون على ذلك ، ولكن علي لم يكن يفكر بمصالحه الشخصية ولم يكن يفكر في تسهيل مهمة الحكم لنفسه وانما كان يفكر في كيفية وضع الضوابط الصحيحة والاطار الصحيح الذي يعمل به اللاحقون ، واليوم حينما نقف ونقول ان الاسلام هكذا انما نستند الى النصوص من ناحية والى سلوك علي من ناحية اخرى في الحريات السياسية . علي وضع مثل هذا الاطار وهذه الرؤية في الحكم وفي ادارة الامور جعلت العالم ينظر له بدهشة وقدم صورة ناصعة بقيت واضحة شفافة بالرغم من كل السلوكيات الخاطئة والمشاكل التي لاحظناها خلال 1400 سنة ، من اعمال ومواقف وردود افعال جاءت باسم الاسلام ولكن الاسلام منها براء ، علي وضع الأسس الصحيحة في بناء الدولة والمجتمع والأسس الصحيحة في العقيدة الخالصة بين الانسان وربه .

     علي مع الحق والحق مع علي ..

     ونحن في هذه الليلة الشريفة نستذكر منهج علي " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار " الحق يدور مع علي ، كلنا ندور حول الحق والحق يدور حول علي (ع) لان علي منهج ،" انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا " القرآن يعبر عن علي بالذين آمنوا ، بالجمع لان علي أمة وعلي مشروع وهو لا يمثل شخصه ، " فان حزب الله هم الغالبون " من ينتهج نهج علي ويسير في طريقه ويدور في فلك علي (ع) هم السائرين في الطريق الصحيح وفي الصراط المستقيم ، المنهج الصحيح هو منهج علي لانه منهج رسول الله (ص) ، منهج الاسلام ، المشروع الصحيح مشروع علي مشروع رسول الله ، مشروع الاسلام ومشروع السماء ، ضوابط مباديء إطار ، هذا الذي يجب ان نعمل به  فسلام عليه يوم ولد ويوم ضحى وقدم وجاهد ويوم استشهد لترتفع روحه الى السماء شهيدا له هذه المكانة العالية وهو معروف في السماء قبل الارض ، سلام عليه وجعلنا من السائرين على نهجه ومن الآخذين بمشروعه مشروع الاسلام الاصيل مشروع الوسطية مشروع رسول الله (ص) .

     

    اخبار ذات صلة