• السيد عمار الحكيم: الممارسة الجماعية لعبادة الحج اشارة واضحة على تكريس الوحدة وعقلية العمل الجماعي

    2011/ 11 /07 

    السيد عمار الحكيم: الممارسة الجماعية لعبادة الحج اشارة واضحة على تكريس الوحدة وعقلية العمل الجماعي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا سيد الانبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم المصطفى محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين الميامين.
    ايها المؤمنون اوصيكم ونفسي بتقوى الله واتباع امره ونهيه فأن الدنيا دار مجاز والاخرة دار قرار فخذوا من ممركم الى مقركم.
    ايها الاعزاء نقف اليوم في احد العيدين الإسلاميين الأساسيين الكبيرين عيد الاضحى المبارك لنعيش روح العيد وفلسفة العيد وحقيقة العيد ليطل علينا عيدا كما اراده الله تعالى نقف عنده سرورا وبهجة ونتعلم منه دروس وعبرة، ولا بد لنا ان نقف عند بعض معطيات عيد الاضحى في هذا اليوم الشريف.

     "ان ما يثير الاهتمام في شعيرة الحج هي الممارسة الجماعية لعبادة الحج في اشارة واضحة على تكريس الوحدة وعقلية العمل الجماعي والتي يراد تعميقها من خلال هذه الشعيرة التي تمارس بصورة جماعية"

      الاضاءة الاولى : ان عيد الاضحى هو المؤتمر الاسلامي الكبير هو الاجتماع العام للمسلمين الذين يقدمون لحج بيت الله الحرام من كل صوب وحدب يجتمعون ملبين نداء الله سبحانه وتعالى يجتمعون استجابة لصرخة نبي الله ابراهيم (ع) يجتمعون في عرفات ليزدادوا معرفة بالله سبحانه وتعالى وينتقلوا الى المشعر الحرام ليحولوا هذه المعرفة الى شعور ووجدان في وجودهم وينتقلون بعدها الى منى ليحققوا الاماني، الاماني الصالحة والمشروعة في تكاملهم وفي بناء ذواتهم وفي قربهم الى الله سبحانه وتعالى وفي اعمار بلدانهم ثم ينتقلون الى المسجد الحرام ليطوفوا حول البيت ويجسدوا العبودية الخالصة لله سبحانه تعالى، ان هذا الاجتماع الكبير  للمسلمين في فترة الحج انما يعبر عن التلاحم والاخوة وانما يمثل عن وحدة العقيدة بين المسلمين جميعا، فبالرغم من اسباب التعدد والاختلاف في اللغة والعرق والقوم والانتماء الى المذهب والكثير من الخصائص التي تميزهم فيما بينهم، الا انهم يجتمعون موحدين متراصي الصفوف في رسالة عظيمة تعبر عن الاتحاد والقوة وعن الاجتماع والالتقاء بين المسلمين.
    ان ما يثير الاهتمام في شعيرة الحج هي الممارسة الجماعية لعبادة الحج في اشارة واضحة على تكريس الوحدة وعقلية العمل الجماعي والتي يراد تعميقها من خلال هذه الشعيرة التي تمارس بصورة جماعية.
    ايها الاعزاء ان رسالة الحج رسالة العمل الجماعي والابتعاد عن مبدأ العصبية والانفراد كما يقول الله سبحانه وتعالى، بسم الله الرحمن الرحيم (( ثم افيضوا من حيث افاض الناس )) حينما قرع قريش حينما ارادوا ان يميزوا انفسهم من سائر حجاج بيت الله الحرام فكان الحجيج يقفون في عرفة وكان قريش يقفون في المزدلفة فجاءت هذه الاية الشريفة تقرعهم وتلزمهم بأن يقفوا حيثما يقف الحجيج في مكان واحد وفي اداء موحد.
     ايها الاعزاء انه درس عظيم في اشاعة معنى الوحدة والقوة بالقول والفعل وترسيخ التسامح والعفو والتسامي عن الاحقاد والاضغان وحري بنا ان نشارك حجاج بيت الله الحرام في هذا الاجتماع الكبير وفي هذه الدروس العظيمة المستقاة منه لنلتقي ونتصافى  ونمد ايدينا بعضنا للأخر ، في هذا اليوم يحصد المؤمنون جائزتهم الكبرى في العفو والمغفرة الالهية والرحمة الربانية التي تشملهم بعد ان استكانوا الى الله وتضرعوا اليه .

    " يقف الانسان موقف الاستصغار امام هذه الطاعة العظيمة لله سبحانه وتعالى انها قوة الايمان هذه القوة التي لا تنضب"

     الاضاءة الثانية : ان عيد الاضحى انما هو عيد التضحية ورسالة الطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى والصدق مع الله في القول والفعل.
    انه عيد العطاء والبذل والمواساة مع نبي عظيم من أنبياء الله مع إبراهيم (ع)، انه يوم نجدد فيه الانقياد الكامل لله سبحانه وتعالى، في هذا اليوم نتذكر محنة ابراهم الكبرى حينما رأى في المنام انه يذبح ابنه العزيز إسماعيل، ونحن نعرف ان منام الأنبياء حجة عليهم، هو امر رباني لإبراهيم عليه السلام في ان يذبح ابنه إسماعيل ، انها محنة عظيمة لكن قوة الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره هو الذي هون هذه المحنة على إبراهيم وهذه القوة في الإيمان والتسليم بقضاء الله وقدره قادرة على ان تهون كل محنة حيثما حصلت ، عزم ابراهبم على تنفيذ الأمر الإلهي ولكن قدم درسا عظيما  ، لم يمتثل ولم يقدم ذلك خلسة ، لم يطيع الله بان يغرر بإسماعيل وانما أشركه في تحمل المسؤولية حينما وجه له الخطاب ((يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى)) فماذا كان الجواب المدهش من اسماعيل حينما يستمع الى هذا الطلب لبى النداء ومثل اروع الامثلة في الطاعة والانقياد لله سبحانه وتعالى فأنه غصن طيب من شجرة الانبياء والرسالة (قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) ما اروعه من رد ، يقف الانسان موقف الاستصغار امام هذه الطاعة العظيمة لله سبحانه وتعالى انها قوة الايمان هذه القوة التي لا تنضب واذا ما تحلى بها الانسان ستكون المحرك الأساس لتحقيق اعظم الانجازات وهذا ما نجده على طول التاريخ ولكن الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده بعد ان رأى النجاح الباهر في هذا الاختبار لإبراهيم وإسماعيل (ع) بعد ان أذعنوا لمشيئة الله سبحانه وتعالى وارادته اراد ان يقر عيونهم حينما امر يتغير المسار وايقاف هذا الامر الإلهي ((فلما اسلما وتله للجبين وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين ان هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم )) جاء الفداء لإسماعيل وللبشرية كلها من خلال هذا الذبح العظيم الذي جاء تعويضا عن ذلك فسلام على اسماعيل وسلام عليك يا ابا عبد الله الحسين والذي قدمت نفسك ضحية من اجل الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى وطاعته .

     "لا معنى ان يفرح الانسان فيما يعيش الآخرون الحزن من جيرانه ومن أقربائه ومن ابناء جلدته ومن ابناء وطنه"

     الاضاءة الثالثة : ان هذا اليوم العظيم هو يوم الاحسان والمشاركة الحقيقية فالمسلمون يترقبون الى ربهم بذبح اضحياتهم ليأكلوا ويطعموا الآخرين انه يوم نتحسس فيه محنة الفقير ومحنة الجائع (( واطعموا البائس الفقير واطعموا القانع والمعتر )) آيات جاءت لتأمر بهذا السلوك وهذه الممارسة لاحضوا أيها الأحبة ( واطعموا القانع والمعتر ) المعتر هو الفقير الذي يطلب والقانع هو فقير لا يطلب علينا ان نذهب اليه ونقدم له إحسان وعطاء ، انه درس عظيم في التربية على الإحسان والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين ومعاناتهم ، فلا معنى ان يفرح الانسان فيما يعيش الآخرون الحزن من جيرانه ومن أقربائه ومن ابناء جلدته ومن ابناء وطنه ، الفرحة انما تعم حينما يعيشها الجميع وليس ان يعيشها البعض دون البعض الأخر ، ان الاسلام يقدم علاجا ناجحا وواضحا في مواجهة الأنانية والاحتكار والفردية في سمات الإنسان وفي وجوده ويوسع مبدأ التعاون والمساعدة والمشاركة ، هكذا يجب ان يكون العيد ، نسعد حينما يسعد الجميع ويشجع بعضنا بعضا على مساعدة الآخرين ليكون طموحنا أوسع من انفسنا وعوائلنا ويشمل المجتمع برمته ، ان هذا الإحسان هو احسان الى النفس وكلما يقدم الانسان للآخر انما يقدمه لنفسه ،(( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها )) وما تنفقه من خير فلأنفسكم ، اذن العيد في بعده الاجتماعي يمثل يوما للأطفال حينما يفيض عليهم بالفرح والمرح وهو يوم للفقراء حينما يتلقون الرعاية والاحسان من ابناء المجتمع ، وهو يوم للأرحام حينما يجتمعون على البر والصلة ، وهو يوم للمسلمين حينما يجتمعون على التسامح والتزاور والتواصل ، وهو يوم للأصدقاء حينما تتجدد أواصر المحبة والعلاقة والحب والقرب فيما بينهم ، وهو يوم للنفوس الكريمة التي تتناسى الاضغان فتجتمع بعد افتراق وتتصافى بعد  فتورة  وتتصافح بعد انقباض وبذلك تتجدد الروابط الاجتماعية اخوتا وحبا ووفاءا .

    "يوم العيد هو يوم احترام النفس التي كرمها الله سبحانه وتعالى"

     

    الإضاءة الرابعة : ان هذا اليوم هو يوم احترام النفس التي كرمها الله سبحانه وتعالى فأن حبيبنا ونبيا رسول الله (ص) يعلن للمسلمين في خطبته (( فأن دمائكم واموالكم واعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا )) أيما مبدأ عظيم يشير إليه رسول الله (ص) في إصلاح منهج الحياة وتعامل الانسان مع الانسان وبيان حق الانسان على الانسان ، انها دعوة لروح الدين ، انها دعوة لنبذ الفرقة ولتحقيق الوحدة والتضامن ، انها دعوة في الحفاظ على النفس المحترمة التي كرمها الله سبحانه وتعالى ، انها وفقة ودعوة لاحترام حق المسلم على المسلم وحق المسلم على الانسان اين هذا المبدأ من تلك الأعمال الإرهابية الشنيعة التي يشنها الإرهابيون أولئك المتمردون على الله ورسوله والذين يدعون انهم يرفعزن شعار الاسلام والاسلام والمسلمون منهم براء ، اين هؤلاء من حرمة دم المسلم ، اين هؤلاء من مبدأ التسامح في الاسلام .
    ايها الأحبة إنها دروس وعبر استعرضناها على وجه السرعة تمثل دروسا في عيد الاضحى علينا ان نفق عندها  ونستفيد منها وكلما جسدناها بشكل اوضح في حياتنا كلما كنا اقرب لفلسفة العيد وحقيقة العيد ليتحول هذا اليوم الى يوم حقيقي في تكامل الانسان على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي بارك الله للمسلمين عيدهم ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وبارك الله للعراقيين عيدهم ونشر رحمته عليهم ومكنهم من تجاوز محنتهم .

     

    اخبار ذات صلة