• السيد عمار الحكيم يدعو الى عقد إسلامي ينظم العلاقات بين المسلمين أساسه القران الكريم والسيرة النبوية الشريفة وتراث اهل البيت " ع "

    2013/ 04 /27 

    السيد عمار الحكيم يدعو الى عقد إسلامي ينظم العلاقات بين المسلمين أساسه القران الكريم والسيرة النبوية الشريفة وتراث اهل البيت " ع "

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابة المنتجبين.

    اصحاب السماحة والفضيلة والسيادة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    قال الله سبحانه وتعالى (..ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125).النحل..) .

    وقال سبحانه في كتابه الكريم : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت 33] .

    وقال سبحانه : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت 34]

    وقال جل وعلا : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ... آل عمران 60 ) .

    وقال عزّ شأنه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء: 94.

    وغير هذه الآيات المباركة الكثير مما ورد في القرآن الكريم وهي كلها تدعو الى قاعدة من قواعد الاسلام العظيم وهي الدعوة الى سبيل الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحوار المبني على أساس العقيدة ، واحترام حق الآخر في الإختلاف ، والإبتعاد عن العنف وهدر الدماء : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ... آل عمران 60) ، (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .. النساء: 94.) .

     إننا اليوم ايها السادة الأفاضل نعيش مرحلة تاريخية مهمة وخطيرة حينما نرى كل هذه الاعتداءات على كرامة الإنسان ومصادرة حريته وعزته بل ومصادرة حياته تحت ذرائع واهية لا علاقة لها بالإسلام بل الإسلام منها براء.

    هذه المرحلة التي تشهد قتل المسلمين بالجملة في العراق و في غيره من المناطق والبلاد من قِبل أدعياء الدين والإسلام , تمثّل بحدِّ ذاتها مؤامرة كبرى على الإسلام ومبادئه العظيمة السامية الداعية الى التسامح واحترام الدماء.

    فهناك معايير وضعها الاسلام للقتال والقتل والقصاص ، وهي مما اتفّقت عليها الأمّة وعلمائها منذ الصدر الاول للاسلام وما زالت كذلك حتى ظهر من بين هذه الأمة من لا علم له ولا تقوى ولا ورع فأباح دماء المسلمين لمجرد الإختلاف في الرأي والعقيدة وهو أمرٌ لم نشهد له مثيلا طيلة العصور الماضية.

    من هنا نقول إن هذه المرحلة التاريخية هي من أخطر المراحل في حياة المسلمين وكيف لا تكون كذلك وهناك من يفتي بغير علم بجواز بل احيانا بوجوب قتل المسلم لإنه من مذهب آخر ، فأي اعتداء أعظم من هذا الاعتداء على الاسلام وعلى كتاب الله وعلى رسوله الكريم ، واي اعتداء ابشع من هذا الاعتداء على الحرمات والدماء ، واي فساد في الأرض أعظم من هذا الفساد .

    أيها الأخوة الاعزاء ..

    لقد شهدنا في العراق طيلة العقد الماضي وحتى الآن احداثاً دامية وقاسية ومؤلمة لقلوب المؤمنين ، احداثاً أريقت فيها دماء الأبرياء شملت حتى النساء والأطفال في الشوارع والأسواق والمدارس ومراكز الحياة العامة ، من خلال التفجيرات ، وهو أمر لم تشهد مثله اي بلاد في الارض ، وكادت الحرب ان تشتعل لولا حكمة المرجعيات الدينية في العراق التي منعت من ذلك ودفعت باتجاه الوحدة الوطنية ومقاومة المشاريع الرخيصة التي حاولت وما زالت تحاول تمزيق وحدة الشعب العراقي من خلال تصعيد وتائر الشدّ الطائفي تحت مختلف الذرائع والمسمّيات.

    إن قدرنا في العراق أن نعيش معاً وإن اختلفنا في المذهب والدين والقومية فالجميع له حق الحياة بكرامة ، ولا سبيل لنا سوى التعايش والحوار.

    لقد أنشأنا دولا وحضارات ملأت سمع الزمان ، ولكن حين استشرى الظلم والإستبداد والطغيان لم يبق من تلك الدول سوى أثر بعد عين ، واليوم نحن أحوج ما نكون إلى اقامة العدل ومقاومة الظلم ، ونبذ الفرقة في الامة الواحدة.

    إن العراق يحتاج اليوم وقبل كل شيء الى الاعتراف بحقه في العيش بكرامة في هذه الأرض المقّدسة المعطاء لينهض من جديد إلى أحترام ارادة الانسان وكرامته وحقوقه .

    لقد قدّمت مرجعياتنا الدينية المثل الأعلى في الحرص على الامة وحقن دماءها وقاومت الظلم والظالمين بدون النظر الى انتماءات المذهب والقومية لإنها تنظر إلى كرامة الانسان وحقه في العيش الكريم ،لقد أفتى الامام السيد محسن الحكيم (قده) ، قبل نصف قرن تقريبا بحرمة قتل الأخوة الكورد رغم أن الدولة حينذاك كانت تقود حرب ابادة ظالمة ضدهم لإنهم كانوا يطالبون بحقهم في الحياة ، وأفتى بجواز اعطاء أموال الزكاة للفدائيين الفلسطينيين المدافعين عن حقهم في أرضهم ، وابرق إلى جمال عبد الناصر الرئيس المصري الأسبق يطلب منه صرف النظر عن حكم الاعدام الذي صدر ضد السيد قطب ، ومرجعيتنا الحاضرة اليوم وفي مقدمتها المرجع الاعلى الامام السيد السيستاني يأمرنا أن ننظر إلى أخواننا السّنة على انهم أنفسنا وليس أخواننا فحسب .

    هذه المواقف ليست مواقف سياسية تنظر إلى المصالح الشخصية ، وانما هي مواقف تنبع من عمق الرؤية الفكرية والفقهية الدينية لحقوق الانسان وكرامة الانسان المسلم خصوصا والانسان كإنسان عموماً..

    وهذه المواقف هي التي تشكل اساساً في وعينا الحاضر ..ونحن نتحرك في ساحة تتعدد فيها المصالح وتتقاطع أحيانا ، لكننا لم نتجه وسوف لن نتجه يوما ما نحو سلب حق اي انسان عراقي من التمتّع بالمواطنة وحقوقها فذلك حق لسنا نحن الذي نقرره ، إنما يقرره الواقع والتاريخ والدين والانسانية.

    إن السلام والأمان والاستقرار في العراق سيكون من أهم عوامل النهوض في هذا الوطن المليء بالخيرات ، ومن مصلحة الجميع من كل المكونات أن يعمّ الاستقرار ليتوجهوا جميعا نحو البناء ، كما أن استقرار العراق كما نرى هو من اهم عوامل الاستقرار في المنطقة ، ونحن نعرف جميعاً أن ما يجري اليوم في بقعة من بقاع عالمنا الاسلامي ينعكس سلبا أو ايجابا على جميع سكان المنطقة .فكيف لا يكون العراق من العوامل المهمة والاساسية في ذلك ، وهو العراق بكل عمقه التاريخي والحضاري .

    إن النظام السياسي في العراق يقوم اليوم على أساس الدستور والقبول بالتعددية السياسية وحرية الرأي ، وهذه مبادئ وانجازات تحققت بعد عهود طويلة من الاستبداد مرّ بها هذا البلد ، ونحن حريصون في الدفاع عن هذه المنجزات وصيانتها ، ولا رجعة لعهود الدكتاتورية والاستبداد ، ومثلما قاوم اسلافنا الظلم والاستبداد والطغيان سنقاوم نحن ، بنفس المنطلقات التي كانت وراء تلك المقاومة.

    نحن نعتقد ان العراق لايمكن ان يستقر الا بتحقيق العدالة ونحن بذلنا ولا نزال نبذل كل الجهود من أجل الوصول إلى الدولة العصرية العادلة، فالظلم معول يطيح باعظم الدول إن عاجلا أو آجلاً ، وما تاريخ الدول والشعوب عنا ببعيد.

    قد تفرّقنا السياسة والعمل السياسي بسبب الاختلاف والمنافسة ، وقد لا يدرك بعض السياسيين خطورة تحول المنافسة من التسابق في الخيرات وخدمة الوطن والمواطن إلى تناحر في سبيل تحقيق المصالح الخاصة الضيقة سواء الشخصية أو الفئوية ، لكن على علماء المسلمين أن ينظروا إلى المصالح العامة ويوجهوا الامة نحو تلك المصالح .

    إن علماء الدين ومراجعه العظام هم صمام الأمان لهذه الأمّة ، وهم الذين بامكانهم وأد كل فتنة تحاول تأجيج الصراع بين ابناء الدين الواحد ..وقد ابتلي العالم الاسلامي بظهور هذه الفئات التي لا تخاف الله في دماء المسلمين فراحت تكفّر وتهدر دماء من تشاء من المسلمين وارتكبت المجازر باسم الدين ، وإن سكوت العلماء عن هذه الجرائم سيؤدي بدون شك إلى امتدادها الى كل مساحات العالم الاسلامي.

    لقد قلنا وحذّرنا سابقا من أن دعم قوى الارهاب سوف يؤدي لاحقا الى ارتداد تلك القوى على داعميها ، واليوم نرى أن تلك القوى الارهابية لا تترك ساحة من الساحات الا ارتكبت فيها من الجرائم ما تقشعر لها الابدان.

    إننا اليوم ماضون ايها الاخوة رغم كل الصعوبات التي تواجهنا نحو بناء العراق على اساس الشراكة الحقيقة تلك الشراكة التي يشعر معها الجميع ان حقوقهم مصانة بدون انتقاص او عدوان او تهميش ، ونسعى جادّين نحو بلورة هذه المفاهيم كما هي في حقيقتها بدون تعسّف أو تعطيل لبناء الدولة والقانون وتحويلها إلى دولة المؤسسات التي تقوم فيها كل مؤسسة بدورها المرسوم لها حسب الدستور من دون تداخل أو تدخل من قبل المؤسسات الأخرى.

    إننا نحترم كل المؤسسات الدستورية وندعمها ونرفض اي تجاوز على صلاحياتها، لإن اي تجاوز سيؤدي الى الفوضى ، ولم نعرف دولة في التاريخ بُنيت وتعافت في الفوضى. 

    إننا ننظر الى دور علماء الدين في التقريب بين النفوس وابناء الدين الواحد على انه دور حيوي ومحوري ، وأملنا من علماء الدين في العراق والعالمين العربي والاسلامي استشعار الخطر الداهم الذي يستهدفنا جميعاً بسبب التصعيد الواضح في الخطاب الطائفي في النزاعات السياسية هنا أو هناك .

    إننا نعتقد أن على كل الحكّام أن يلتفتوا إلى شعوبهم وأن يمنحونهم حقوقهم المشروعة ، لإن تجاهل هذه الحقوق أو سحقها قد يؤدي الى سكوت اصحابها برهة من الزمن لكنها لن تؤدي حتما الى نسيانها والتخلّي عنها.

    إننا اليوم ايها السادة الأفاضل بحاجة إلى عقد إسلامي ينظم العلاقات بيننا يقوم على اساس القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة وتراث اهل البيت (ع) إطاره التسامح والتعايش وإدانة التطرف والتكفير وتجريمهما ، ومعاقبة من يدعو الى قتل من قال لا اله الا الله اي كان ومهما علت منزلته.

    لقد سالت دماءنا خلال العقد الماضي انهارا , ظلما وعدوانا وهذا يكفي ، وعلى علماء الامة ان يعرفوا ان ايقاف هدر الدماء هي مسؤوليتهم بالدرجة الاولى ...

    لقد سالت كل تلك الدماء بالظلم والباطل والعدوان ولم تزد المسلمين الاّ فرقة وأضغاناً ومسؤولية العلماء اليوم وأد هذه الفتنة التي تتسع وتتنامي في ظل غياب صوت العقل والمنطق في زحمة ضجيج الأصوات التكفيرية التي تصك الاسماع في كل مكان.

    ختاماً اسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن على كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالأمن والسلام والطمأنينة ، وأن يمنّ عليهم باستيعاب هدي القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام والاولياء والصالحين من علماء الامة الاسلامية منذ الصدر الاول للاسلام والى يومنا هذا.

    كما اتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يوفق هذا المؤتمر الى الخروج بنتائج عملية تنعكس على واقع المسلمين ، ولا يفوتني أن اشكر القائمين على المؤتمر على تحقيق هذا اللقاء لهذه النخبة الطيبة من العلماء والافاضل في ظل التطورات الحساسة التي يمر بها العراق والمنطقة.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    السيد عمار الحكيم 27/4/2013.

    17 /جمادى الاخرة /1434

    اخبار ذات صلة