• السيد عمار الحكيم: البعثة النبوية تمثل انطلاق المشروع..والإسراء مساحة المشروع..والمعراج بوصلة المشروع ومآلاته

    2014/ 05 /28 

    السيد عمار الحكيم: البعثة النبوية تمثل انطلاق المشروع..والإسراء مساحة المشروع..والمعراج بوصلة المشروع ومآلاته


    بسم الله الرحمن الرحيم
     

    قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم " هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين "

    صدق الله العلي العظيم ..
     

    ابارك لكم هذه الايام الشريفة الكريمة التي نحتفل فيها بذكرى البعثة النبوية الشريفة وذكرى الاسراء والمعراج لرسول الله (ص) ومابين الامس واليوم حيث ذكرى شهادة سيدنا وامامنا موسى بن جعفر (ع) والمشاركة الواسعة المليونية لابناء شعبنا في الاحتفاء بذكرى شهادته (ع) لتعبر عن وقفة وصمود وثبات واصرار وتمسك برسول الله (ص) واهل بيته الكرام والتي قدرت هذه الملايين التي شاركت في ذكرى الامام الكاظم ثمانية ملايين من بغداد والمحافظات المجاورة التي استمرت المسيرة والاحتفاء لعدة ايام فهنيئا لهذا الشعب الذي يحيي ذكرى رسوله واهل بيته بهذا الحضور وهذه الكثافة وهذا الوعي المتزايد .

    ثم هذه المناسبة السعيدة التي نحتفل بها في هذا اليوم ولكن تتزامن ايضا بتفجيرات دامية واستهداف ارهابي ظالم لابناء شعبنا في الشورجة ومدينة الصدر وغيرها في بغداد والمحافظات الاخرى ، وقد تعلمنا ان نمزج الفرح والحزن بعضه مع بعض وهذه هي توصية رسولنا الكريم واهل بيته ان نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم وهذه سنة الحياة .
     

    الاخلاق والتربية في رؤية الاسلام يمثلان دعامة اساسية في عملية البناء
    حينما نقف في هذا اليوم على باب رسول الله (ص) هذا الانسان العملاق قطب عالم الامكان سيد المرسلين خاتم النبيين هذه الشخصية التي لا يرقى اليها احد لننتهل منه ومن بعثته الشريفة من هذا الحدث الكريم هناك مجالات واسعة ورحبة لاستلهام الدروس والعبر " هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم " المبعوث اليهم الاميين ، الامة التي تعيش الفراغ الفكري والفراغ المعرفي الفراغ الاخلاقي ، امة خاوية امة جاهلة امة في الظلام " هو الذي بعث في الاميين " ولماذا خاتم النبيين وسيد المرسلين يبعث بهم رسالة الى الاميين ، الى الامة التي تعيش الفراغ لماذا لم يبعث رسولنا الكريم الى الامة الفارسية او الامة البيزنطية وكانت تعيش الحضارات والفكر ، لماذا الجزيرة العربية الصحراء ، لماذا يبعث رسولنا الكريم الى امة وثنية آنذاك ، ما هو السر ، الجواب واضح ، الامة المشبعة حضاريا يصعب عليها تغيير قناعاتها وتلقّي فكر جديد ومدرسة جديدة لكن الامة الخاوية الفارغة مستعدة لتقبل ما ينقذها ويحييها " فلنحيينكم حياة طيبة " تبحث عن المنقذ ، الامة المشبعة حضاريا وفكريا لوجاء رسولنا بفكر وعطاء لقالوا هذا تاليف وتجميع أخذ من هذا المؤلف شيئا ومن ذلك الفيلسوف شيئا وجمع هذه الافكار وقدم رسالة اسماها بالرسالة الاسلامية لانها امة مليئة بالافكار والمدارس الفكرية والمفكرين والفلاسفة ولكن في الجزيرة العربية يكون الفكر نقيا واضحا بيّنا فكر الهي مدرسة وعطاء الهي " هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم " لاحظوا العظمة رسول من الله اعظم الرسل " منهم " بشر ياكل الطعام ويمشي في الاسواق ، هذا العظيم الذي وصل مدارج الكمال العليا فكان قاب قوسين او ادنى " منهم " بشر ، اذا الانسان يمتلك قابلية الكمال قابلية الصعود والرقي ، ولو كان من غيرنا لقلنا كيف نقتدي به ، كيف يامرنا القرآن ان نقتدي برسول الله اذا لم يكن منا ، لابد ان يكون منا يمارس انسانيته كما نمارس يواجه تحدياته الانسانية كما نواجه ويتالق ويقال ان لكم في رسول الله اسوة حسنة "ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " هو الذي بعث في الاميين رسولا منه يتلوا عليهم آياته ويزكيهم " التزكية التربية البناء الاخلاقي في رؤية الاسلام يمثل دعامة اساسية في عملية البناء ، الاخلاق ليست ابتسامة وكلمات رقيقة فحسب وانما هي في رؤية الاسلام يمثل البنى التحتية لسلوك الانسان وحركته ، لماذا اوجب الله تعالى الواجب ، ياتي تحليل الواجب في الرؤية والفهم الاسلامي يكشف عن مصلحة ملزمة تدعو الى الوجوب والالزام ، هذا محرم لماذا لانه فيه مفسدة عظيمة تدعو لتركه بشكل ملزم ، ذاك مستحب وذاك مكروه وهذا مباح الحكم الشرعي يدور مدار المصلحة والمفسدة مدار القيمة الاخلاقية التي تدفع الانسان ان يقوم بفعل او يترك الفعل ، التزكية تمثل سلوك تمثل مسار تمثل اطار لحركة الانسان في واقعه وحياته الشخصية والاجتماعية وفي علاقته مع الله ومع نفسه وعلاقته مع الناس ، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة " التزكية اولا ثم التعليم الوعاء النظيف يستطيع ان يحتضن المضمون الطاهر ، علم بيد عالم غير عامل عالم يحمل علما ولايجسده في وجوده هذا خطر عليه وعلى البشرية ، تعطي العلم لغير اهله يصنع لك قنبلة نووية واسلحة دمار شامل وينتج وحوش بشرية متحركة تفجر نفسها وتقتل الناس في دور العبادة ، يزكيهم اولا ويعلمهم ثانيا ، اولا التزكية الفضاء النقي ثم التعليم ، الدين ليس خرافة ليس افيون للشعوب حتى نطلب من الناس ان يبقوا جهلاء حتى يبقوا متمسكين بالدين ، لا الدين يدعو الى العلم والمعرفة كلما زدت علما كلما زدت تدينا وتمسكا بالعقيدة وتقربا الى الله تعالى ، " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون " في الرواية في تفسيرها اي ليعرفون ، بدون العرفان المعرفة لا تستطيع ان تعبد عبادة واعية وصادقة الله تعالى لايريد من عباده طاعة عمياء وانما طاعة عن فهم ومعرفة ودراية " ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضرل مبين "

    البعثة النبوية والاسراء والمعراج ثلاث حلقات تمثل حلقات متكاملة للمشروع فليس اعتباطا ان يكون في يوم واحد يوم البعثة النبوية ويوم الاسراء ويوم المعراج ، المبعث يمثل انطلاق المشروع ، بعث النبي ليحمل على اكتافه هذا المشروع الكبير ، الاسراء حركة انتقال من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ، ماذا يرمز هذا الانتقال المكاني الحركة الانتقال من مكان الى آخر ، يرمز الى مساحة المشروع والاطار الذي يتحرك فيه المشروع ، والمعراج هو البوصلة الاتجاه المآلات الغايات الاهداف ، فالبعثة النبوية انطلاق المشروع ، الاسراء مساحة المشروع وهي لا تخص قومية محددة ولا تخص منطقة جغرافية محددة ولا تخص الانسان كل الانسان وانما هو مشروع للعالمين ، والمعراج بوصلة المشروع ومآلاته ، واي مشروع اصلاحي يحتاج الى منطلق والى مساحة والى مآلات وهذه الحلقات الثلاث التي تكون ملامح مشروع السماء الذي جاء به رسول الله (ص) ، لذلك البعثة النبوية رحمة ونعمة بحسب تعبير القرآن البعثة النبوية منة من به الله تعالى على عباده .

    في سورة آل عمران " لقد منّ الله على المؤمنين " هذا لطف عناية " اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمعم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين "

    هنا يشير الى المنة واللطف الالهي في موضوعة البعثة .

    اهداف البعثة النبوية والرسالات الالهية ورسالة رسولنا الكريم ...

    اولا وثانيا / العبادة واجتناب الطاغوت ، في سورة النحل " ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، هدف الرسالة العبادة والموقف من الطغاة والظالمين ، هدف يمثل علاقة الانسان مع ربه وهدف يمثل علاقة الانسان مع المجتمع ، الموقف في الواقع الاجتماعي السياسي والاجتماعي ، الوقوف بوجه الظالم والانتصار للحق ، " ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغون فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المتقين " ومن لا يلتزم بهذه الاهداف الرسالية ليس عقابه في يوم القيامة فحسب وانما سيجد مضاعفاته في الدنيا  .

    ثالثا / القاء الحجة على العباد ، في سورة القصص " وما كان ربك مهلك حتى يبعث في امها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وماكنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون " القاء الحجة تلاوة الآيات بيان الموقف تنوير الراي العام ثم العذاب لمن يخالف .

    رابعا / الاختبار الالهي رسالة كيف تتعامل معها ، اما ان تاخذ بها او تتنصل عناه ، اما ان تلتزم بها او تتمرد عليها ، هذا اختبار ، اما ان تنسجم مع المشروع الاصلاحي او تخالفه ، في سورة الحديد " لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز " الرسول يحمل معه رسال ليجد من ينصر هذا الرسول ويتمسك بهذه الرسالة .

    خامسا وسادسا / البشارة والانذار ، في سورة الانعام " وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين ، الرسالة فيها بشارة لمن يلتزم وانذار لمن يتمرد " فمن آمن واصلح فلاخوف عليهم ولا هم يحزنون " في سورة النساء " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيم .
     

    سابعا / الابلاغ البيان ، في سورة النور " وما على الرسول الا البلاغ المبين " الرسول يبلغ يوصل رسالة السماء هذا هدف مهم.

    ثامنا / بيان الحق تبيان وشرح الحقيقة الى الناس ، في سورة المائدة " يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " بيان الحق مهمة الرسل والرسالات.

    تاسعا وعاشرا / التقوى والتزكية اهداف رسالية مهمة ، في سورة الاعراف " يا بني آدم اما ياتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " اذا الرسالة تستهدف ايجاد حالة التقوى والالتزام حالة الخشية بين يدي الله تعالى وتحقيق الصلاح والتزكية.

    حادي عشر / التضرع هدف رسالي ان يشعر الانسان بالذل بين يدي الله تعالى ويتضرع بين يديه ، في سورة الانعام " ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون " التضرع هدف رسالي .

    ثاني عشر / تلاوة الآيات ، في سورة الزمر " وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا حتى اذا جاءوها فتحت ابوابها وقال لهم خزنتها الم ياتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا " الم يأتكم أنبياء يبينوا لكم ذلك، الم يوصلوا رسالة السماء  ألم يتلوا عليكم الايات ، اذن تلاوة الايات مهمة رسالية قالوا بلى اتوا ولكن نحن لم نسمع ولم نطيع ، ونحن لم نلتزم ، قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين " فحينئذ استحقوا ما استحقوا.
     
    الثالث عشر/ التوحيد هدف رسالي ، في سورة الزخرف "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون" الهدف الرسالي الدعوة الى الله الواحد الأحد ولم يات نبي ودعا الى إلهة اخرى والشرك بالله سبحانه وتعالى’ لذلك التوحيد مهمة رسالية وهدف رسالي.
     

    الرابع عشر/ حل الاختلاف بين الناس ، في سورة البقرة  "فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " الحكم في موارد الاختلاف مهمة رسالية ، وهدف رسالي ، ثم تكملة الاية"  فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم " الحكم في موارد الاختلاف وحل الخلافات مهمة رسالية .

    الخامس عشر/ العدالة ، القسط بين الناس مهمة رسالية لاحظوا في سورة الحديد " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان حتى ليقوم الناس بالقسط " العدالة مهمة رسالية وهدف رسالي .

    السادس عشر/ القضاء مهمة رسالية ، في سورة يونس " ولكل امة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط ".

    السابع عشر/  الهداية مهمة رسالية ، في سورة الرعد " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد "يا رسول الله مهمتك هداية الناس وهداية الاقوام ، الهداية مهمة رسالية ،

    هذه سبعة شعر مهمة ولعل بإمكاننا ان نحصي مهام اخرى لذلك رسولنا الكريم جاء بمشروع متكامل ، يحمل كل هذه الآفاق الواسعة ويحمل كل هذه الأهداف ، فيه منطلقات وفيه مساحات وفيه مآالات ،(  بعثة وإسراء ومعراج )، وتحرك من هذه الأهداف العريضة والواسعة فاستطاع ان يحقق انجازا مذهلا، استطاع ان يغير ويحول تلك الامة الوثنية يحولها الى خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله " هذه الطفرة والنقلة والمتغيرات في حركة الشعوب والأمم بطيئة تحتاج الى مئات السنين ولكن مشروع إصلاحي متكامل بتسديد الهي استطاع ان يحرق المراحل ويحقق هذا الانجاز العظيم في غضون عقدين وبضع سنوات 23 سنة تماما استطاع ان يحققه رسول الله (ص) ويصل الى عام الفتح في السنة الأخيرة من حياته الشريفة .

    بسم الله الرحمن الرحيم " ذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا " الناس بدأت تدخل أفواجا وانكسرت السدود وانفتحت القلوب وتجسرت الثقة مع قطاعات المجتمع الواسعة وتحقق النصر المبين والفتح المبين على يد رسول الله (ص) رسولنا خاتم الأنبياء ختم الرسول وختم النبي يستتبع ختم الرسالة ، الرسالة كيف تاتي ، تأتي بيد الرسول اذا ختم الرسول اذن ختمت الرسالة، فاذا كان رسولنا خاتم الأنبياء وخاتم الرسل فلابد ان تكون رسالته هي الخاتمة أيضا بغياب الرسول والاتصال المباشر بين الأرض والسماء حينئذ تنقطع الرسالات الإلهية ، لماذا ختم الرسالة؟ ماذا يرمز ختم الرسالة ؟ لماذا ينقطع الاتصال المباشر بين السماء والأرض ؟ ختم الرسالة يرمز الى الرشد الإنساني ، الإنسان بلغ مرحلة الرشد فهو قادر على ان يستهدي ويسترشد الى الموقف الصحيح من خلال هذه القواعد والضوابط ومن خلال الأدوات غير المباشرة، الائمة ونوابهم العامين والخاصين ،المرجعية الدينية "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواد حديثنا فأنهم حجتي عليكم وانا حجة الله " هذا الطريق غير المباشر دليل نضج ورشد وليس رشد الإنسان كل الإنسان لكن هناك في الإنسان والبشر امة راشدة قادرة على ان تستهدي الى الطريق الصحيح وتسترشد الموقف دون الحاجة إلى الاتصال المباشر الى السماء هذه هي رسالة الخاتمية التي يمكن ان نتلمسها في مثل هذا اليوم الشريف والحديث عن البعثة النبوية والحديث عن الإسراء والمعراج حديث طويل ولكن المقام لا يسع لاكثر من ذلك .

    اخبار ذات صلة