• السيد عمار الحكيم : الوجاهات والمواقع مسؤولية وتكليف قبل ان تكون تشريفا وامتيازات

    2014/ 10 /05 

    السيد عمار الحكيم : الوجاهات والمواقع مسؤولية وتكليف قبل ان تكون تشريفا وامتيازات

     

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الواصل الحمد بالنعم ، والنعم بالشكر ، نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه ونستعينه على هذه النفوس البطاء عما أمرت به السراع الى ما نهيت عنه ونستغفره مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه ونؤمن به ايمانا نفى اخلاصه الشرك ويقينه الشك ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا (ص) عبده ورسوله شهادتين تصعدان القول وترفعان العمل لا يخف ميزان توضعان فيه ولا يثقل ميزان ترفعان عنه ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاد زاد مبلغ ومعاد منجح ، دعا اليها اسمع داع ووعاها خير واع فاسمع داعيها وفاز واعيها ، عباد الله ان تقوى الله حمت اولياء الله محارمه والزمت قلوبهم مخافته واعلموا ان ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا فكم ممن منقوص رابح ومزيد خاسر ، عباد الله ان الذي امرتم به اوسع من الذي نهيتم عنه وما احل لكم اكثر مما حرم عليكم فذروا ما قل لما كثر وما ضاق لما اتسع .

    أيها المؤمنون أبارك لكم هذا اليوم الشريف يوم عيد الأضحى المبارك وكل ما حل بنا هذا اليوم استذكرنا تلك الوقفة الشجاعة والمثابرة العظيمة وذلك الايثار لنبي الله ابراهيم وكيف نجح في اختبار الهي عسير ، الآيات الشريفات من سورة الصافات تروي لنا تلك الحادثة " رب هب لي من الصالحين " ابراهيم يرفع يده بالدعاء ويطلب من الله تعالى ان يرزقه ولدا صالحا بعد طول انتظار ولم تكن له ذرية " فبشرناه بغلام حليم " بعد هذا الانتظار جاءت البشارة الالهية بغلام ، هناك بشارة باستجابة الدعاء وان هذا الوليد سيبقى ليكون غلاما  والغلام مابين الطفولة والشباب ، فتى ، غلام حليم ، ليس فقط انه صالح وانما هو حليم والحلم هو ضبط النفس عند الغضب وسعة الصدر وتقبل الصدمات وتحمل الصعاب " فلما بلغ معه السعي " نما وترعرع واشتد عود اسماعيل ، كان يخرج مع ابيه لمساعدته في شؤون الحياة ، " قال يا بني اني ارى في المنام اني أذبحك " جاء ليصارحه بانه راى في المنام انه يذبح ابنه اسماعيل ، ورؤيا الانبياء حجة عليهم ، وهذا امر الهي جاء له من خلال الحلم " فانظر ماذا ترى " ابراهيم كان بامكانه ان يستغفل اسماعيل الى مكان ما ويذبحه على حين غرة ولكنه جاء ليصارح ابنه ، هناك امر الهي اني اذبحك ماذا ترى ، كي لا يحتكر ابراهيم الطاعة لنفسه وسعادة الامتثال لامر الله لوحده وانما يتقاسمها مع ابنه اسماعيل لكي يضع اسماعيل امام مسؤولياته ليتخذ قراره ويحسن العبودية لله وما اصعب هذا الاختيار ، يذبح ولده الذي جاء بعد طول انتظار وهو صالح وحليم ولكنه امر الله ، " قال يا ابتي افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين " مادام الذبح طاعة لله ، لا يقول افعل ما تؤمر ولا يقول اذبحني لانه في احراج " ستجدني ان شاء الله من الصابرين " حتى صبره لا يريده لنفسه لا يعتد بنفسه انه صابر ويتحمل البلاء ، ان شاء الله ، فهو من عند الله تعالى " فلما اسلما " حينما تقبل ابراهيم واسماعيل هذا الامر " وتله للجبين " وضع جبينه على مكان مرتفع في الارض ، وفي الروايات ان ذلك كان بطلب من اسماعيل قال يا أبتي اخاف حينما تذبحني من الأمام وانا في لحظة الذبح لا اعرف مشاعري كيف تكون واخاف ان تضعف عن الامتثال وتنفيذ امر الله ضع جبيني على التراب حتى لا تقع عيني على عينك ولا تضعف " وتله للجبين " وضع ابراهيم السكين على رقبة اسماعيل ، اسماعيل الابن الصالح الحليم المنتظر لسنين طوال وهو الابن الوحيد لابراهيم ولكن السكين لم تحز رقبة اسماعيل بامر الله تعالى ، " ونادينا ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين " صدقت الامر الالهي عملت به ذهبت الى لحظة التنفيذ ، يقال في هذه اللحظة ان جبرائيل نادى الله اكبر الله اكبر ونادى ابراهيم لااله الا الله والله اكبر ونادى اسماعيل الله اكبر ولله الحمد فذهبت هذه التكبيرات ان يرددها الإنسان والبشرية جمعاء منذ ابراهيم والى يومنا الحاضر .

    ان هذا لهو البلاء المبين هذا هو الاختبار العظيم الكبير " وفديناه بذبح عظيم " أرسلنا كبشا كبيرا ليكون بديلا عن اسماعيل " وتركنا عليه في الآخرين " وأبقينا له الذكر الحسن ليكون أسطورة نموذجا للعطاء للفداء للتضحية لتقديم الغالي والنفيس طاعة لامر الله وامتثالا لارادة الله تعالى ، " فسلام على ابراهيم كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين " .

    الدروس والاضاءات المستفادة والحاضرة من قصة نبينا إبراهيم وولده إسماعيل  (ع) ...

    الإضاءة الأولى / العيد في ثقافة الاسلام ليس عيدا للشخوص ، ولادة نبينا الكريم (ص) وهو اعظم إنسان على الأرض وأعظم شخصية نجلّها ولكنها ليست عيدا في مفهوم الإسلام هو حدثا سارا وسعيدا نفرح ونحتفل به لكنه ليس عيد ، ولكن العيد عيد الرسالة والمهمة الرسالية ، العيد يرتبط بالمشروع وليس بالشخص وحينما ينجح الإنسان في عبادة الصيام ياتي عيد الفطر حتى يتوج هذه الطاعة بالعطاء والجزاء الالهي ، وحينما ينهي اعمال الحج الشاقة طاعة وامتثالا لله تعالى يتوج بعيد الأضحى حتى يقدم العطاء والجزاء ، وحينما تتحدد ملامح المشروع الرسالي في شؤونه القيادية وكيفية تواصله يكون عيد الغدير الاغر الذي يحدد البوصلة ، وحينما يعود الانسان الى الله تعالى بالطاعة والمغفرة ليقوم ويقيم صلاة الجمعة يكون يوم الجمعة يوم عيد وكل جمعة عيد ، وصولا للقاعدة العامة كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد ،  اذا العيد هو ذلك اليوم الذي يتقرب فيه الإنسان الى الله يتقرب الى المشروع الرسالي يفي بواجباته والتزاماته الرسالية يتمسك بالمهمة الرسالية هذا هو العيد وليس الشخوص مهما يكونوا عظاما في ثقافتنا .

    الإضاءة الثانية / الأمر الإلهي لذبح إسماعيل ماذا يعني ، العلم عن الله ولكن يجب ان نبحث عن فلسفة على ماذا يشير ، الولد يمثل اهم التعلقات الدنيوية للانسان " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " وكأنها رسالة اذا اردت ان تنفتح على الله تعالى عليك ان تستعد للتضحية بالغالي والنفيس عليك ان تستعد لتجاوز كل الرغبات والنزوات والتعلقات الدنيوية ، تستعد للتضحية وقد لا يطلب منك التضحية ، ولكن اذا ما طلب في لحظة او أصبحت في مفترق طرق اما ان تختار الله او تختار المال او الجاه او الموقع او تختار الاولاد او أي شيء في هذه الحياة من نزواتها وملذاتها ان تختار الله تعالى ، تضحي بالتعلقات الدنيوية في سبيل الله .

    الإضاءة الثالثة / الابتلاء الاختبار قد يكون بالبلاء والمحنة وقد يكون بالرخاء والنعمة ، الله يبتلي الفقير بفقره ويبتلي الغني بغناه ، واختبار البلاء اهون على الإنسان من اختبار الرخاء ، الإنسان بالرخاء وعنده مال وجاه وأولاد هذه قد تبعده عن الله تعالى ولكن الذي لا يملك منها يتوجه الإنسان الى الله اكثر ، وابراهيم فاز في هذا الاختبار العظيم وكلما كان الاختبار اعظم كلما كان الأجر والمرتبة كانت اسمى واعظم واكبر ، لاحظوا ابراهيم الذي نجح في كل هذه الاختبارات كيف يتعاطى معه القرآن الكريم " انا كذلك نجزي المحسنين " اوصلناه الى مقام المحسنين " انه من عبادنا المؤمنين " القرآن يشهد له بالايمان " ان ابراهيم لحليم اواه منيب " في سورة مريم " واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا " في سورة النساء " واتخذ الله إبراهيم خليلا "  وجعله أمة ، كما في سورة النحل " ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا "  وأصبح ملته ومنهجه منهج البشرية جمعاء ، سورة البقرة " ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه " سورة البقرة " قل بل ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين " في سورة النساء " واتبع ملة ابراهيم حنيفا " في سورة الانعام " دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا " في سورة الحج " ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل " واصبح الولاء والإتباع لابراهيم هو القاعدة والاساس ، في سورة الممتحنة " قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه " سورة النساء " فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " لانهم اطاعوا الله ، سورة آل عمران " ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " ، هذه هي المقامات العالية لمن ينجح في الاختبار ولمن يطيع الله تعالى ..

    الإضاءة الرابعة / احيانا لدينا قصور في فهم المصالح العليا ياتي امر الهي لا نعرف السبب لا نعرف المصلحة فيه ، هل نهمله نتركه نغلب عقولنا على امر الله أم نسلم به ، لو كان ابراهيم اراد ان يجتهد في امر الله تعالى ويشكك في ذبح ولده العزيز ، ولكنه لم يناقش الامر الالهي ، واليوم حينما نحلل ذلك الامر الالهي نجده في محله كانت اختبارا ولو كان حتى النهاية لكنا نبحث او نذهب من يعرف من رسول الله واهل البيت (ع) ممن يبين لنا فلسفة هذا الامر الالهي ، هذه مسالة مهمة اذا كنا لا نعرف ولا نفقه فلسفة تشريع من التشريعات لا نستهين بالتشريع وانما نبحث عن مبررات موضوعية له وهكذا في شؤوننا الدنيوية حينما تحصل مشكلة يجب الرجوع الى الحجة الشرعية الى الإمام الى المرجع " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك بما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا فيما قضيت ويسلموا تسليما " وقبول الامر الالهي حتى لو لم يعرفوا اسبابه ومبرراته .

    الإضاءة الخامسة / الخطاب في عيد الأضحى موجه بالأساس الى كبار المتنفذين ، الى أصحاب التأثير ، إبراهيم (ع) كان نبيا كبيرا واجه الوثنية وكسر الاصنام واحتج على الكفار وكانت النار بردا وسلاما على ابراهيم فتعرض لهذا الاختبار العسير في يوم الاضحى ، اذاً الخطاب موجه بشكل اكبر للمتنفذين ليعلموا ان الوجاهات والمواقع هي مسؤولية وتكليف قبل ان تكون تشريفا وامتيازات وعليهم ان ينصاعوا بالمباديء قبل الآخرين ومن هو في موقع المسؤولية عليه ان ينظر للمغارم والفاتورة التي يجب ان يدفعها كما ينظر للمغانم والامتيازات التي يحصل عليها .

    الإضاءة السادسة / تقديم الأضاحي للفقراء والمساكين مسالة في غاية الاهمية ، التضامن الاجتماعي التكافل بين الناس  ، واطعموا البائس الفقير واطعموا القانع والمعتر ، أعطوا للجميع حولوا هذا العيد الى فرصة حقيقية للتكافل الاجتماعي .

    الإضاءة السابعة / تقديم القرابين ليست سنة اسلامية فقط وانما  الديانات الرسالية الاخرى يقدمون الاضاحي والقرابين ، ما هي أضحيتهم متى يقدمونها كيف يقدمونها هذه مثار الاختلاف ولكن أصل المبدأ تقديم القرابين مبدأ رسالي والديانات فيها مثل هذه السلوكيات والشعائر والطقوس ، فلنحول عيد الاضحى الى عيد للانسانية جمعاء وليس للمسلمين وحدهم لان فلسفة هذا العيد هو التضحية بكل شيء من اجل الله تعالى وهو امر يجتمع عليه الديانات السماوية المختلفة.

    اخبار ذات صلة