نص حديث السيد عمار الحكيم في الامسية الرمضانية الخامسة عشر
لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد " الله يأخذ النعمة من الظالم ، في سورة القلم آية 17 وما بعدها " انا بلوناهم " الحديث عن اهل مكة بلوناهم بالجوع والفقر بالقحط الذي اصابهم " كما بلونا اصحاب الجنة " الجنة في اللغة تعني البستان وهي في هذه الآية الجنة التي نتطلع لها ونسال الله ان يرزقنا بها في الآخرة ، يقول ابتلائنا لأهل مكة كما ابتلى اصحاب البستان ، الحديث عن اصحاب البستان يعني انها كانت قصة شائعة ومعروفة لأهل مكة وهذا البلاء يشبه بلاء اهل البستان ، فما هي قصة البستان في هذه الآيات الشريفة ، يقال كان بستان كبير عامر في انواع من الثمار وعلى اوضح الروايات والعبارات انه في اليمن في ضواحي صنعاء وهناك من المفسرين ذكر انه في مواقع اخرى ، وكان هذا البستان مملوك لرجل شيخ كبير في السن وكان رجل صالح مؤمن فكان يأخذ من ثمار هذا البستان بمقدار ما يحتاج الى عائلته وأولاده والباقي يوزعه على الفقراء والمحتاجين والمساكين وكان هناك فقراء في المنطقة يعيشون على بستان هذا الرجل الصالح وحينما يحين موسم قطاف الثمار ياتي هؤلاء ويأخذوا من ثمرات البستان بدعوة من هذا الرجل الصالح واستمرت هذه القضية سنين عديدة ، ولكن حينما توفي هذا الرجل الغني الصالح المؤمن ولكن اولاده لم يكونوا مثله ، اخذوا يحدثون انفسهم بعدم اعطاء من الثمرات للفقراء والمساكين وأرادوها لأنفسهم فقط ، تارة الانسان لا يعطي من امواله او خيراته لحاجته وحاجة عائلته لأنه لا يكفي وهذا امر مقبول يجب تحقيق الحد الادنى من الاكتفاء للعائلة والباقي للآخرين ، أجواء الآيات وكأن هذه الثمرة تزيد عن حاجتهم ولكن لمرض في نفوس هؤلاء قالوا انهم لا يعطون للفقراء وهذه نفسية معينة مريضة احيانا ترى فقير امكاناته محدودة ولكنه يقتطع من خيراته ويعطيها للفقراء وأحيانا ترى غني ملياردير وعينه على الفقير لا يخرج من ماله الا بشق الانفس حالة مرضية نفسية ، هؤلاء من هذا النوع خلاف اباهم الذي كان جواد كريم يقول الدنيا لا تستحق الحرص الشديد يشارك الفقراء قوته وخيره ولكن الاولاد ايدهم مقبوضة ولا يريدون ان يعطوا للفقراء وبطريقة عدوانية ، حاجتك ما خذها وأنت لم تصرف الجهود بل من الميراث ، " كما بلونا اصحاب الجنة " نبلوكم يا اهل مكة مثل بلائنا اصحاب البستان " يعني بعد وفاء ابيهم " اذا أقسموا ليصرمنها " أي يقتطفنها " يصرمنها مصبحين " منذ الصباح الباكر نقتطف الثمار " ولا يستثنون " والله لا نسمح لفقير ان يشتم رائحة الفاكهة لا نعطيه شيئا ، اقسموا لا يعطوا شيئا من الثمار للفقير ، قسم انهم لا يعطوا تعني انها ليست قضية حاجة بل نفسية روحية " اذا أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون " صباحا نقتطف الثمار ولا نعطي شيئا للفقراء ، الله تعالى عرف ان هؤلاء انانيون واحتكاريون نعمة الله تريدها فقط لك ولا تعطي شيئا للآخرين ماذا حصل " فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون " ناموا يخططون يخرجون ويأخذوا حاجتهم من الثمار ويبيعوا الباقي ويأخذوا الاموال وإذا رعد برق صاعقة تأتي جدحت البستان احرقت البستان من اوله لآخره " فطاف عليهم طائف من ربك " صاعقة نار من رب العالمين " وهم نائمون فأصبحت كالصريم " لون وشكل البستان اصبح أسود كالليل المظلم ، ترون المزارعين حينما يحرثون الحنطة يحرقون الارض تصبح سوداء تماما يحرقها حتى يزرع مرة ثانية ، اما فواكه نخيل اشجار احترقت اصبحت كالليل المظلم ، اين الثمار والفواكه اين الجنة اين اصبحت ! " فأصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين " منذ الصباح هبوا وواحد ينادي الثاني " أن أغدوا على حرثكم ان كنتم صارمين " اذا تريدون قطف الثمار هبوا وقوموا نذهب للبستان " فانطلقوا وهم يتخافتون " تحركوا يهمسون باذن بعضهم خوفا ان يسمع الفقراء ويلحقوا بهم ، يردون الثمار لوحدهم لا يريدون ان يسمع الفقير وكان الاب يصيح عاليا حتى يسمع الفقراء ويلحقوا به من اجل الحصول على ثمار البستان اما اولاده يتهامسون فيما بينهم بصوت خافت حتى لا يسمعهم الفقراء ويلتحق بهم ! " فانطلقوا وهم يتخافتون ان لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين " احذروا مسكين واحد لا يدخل كلها لنا لا نعطي منها شيئا للفقراء " وغدوا على حرد قادرين " وذهبوا حتى يقتطفوا ولكن على حرد على غضب وشدة على أي مسكين ، هذا شاهد آخر قضية غير بريئة ، فقير لا تريد ان تعطيه ليس هنا مشكلة ، اما منع بشدة بغضب لماذا ، تحارب المسكين وغاضب عليه لماذا ومنتقم منه لماذا ، البعض ليس فقط لا يعطي وإنما يذل المسكين ويسيء اليه ، لا يعطي ولا يحترم لماذا تقريع وسب وشتم الفقير لماذا ، حرد منع بغضب منع بشدة وإساءة وإذلال لماذا تذل الفقير ، هكذا تعامل هؤلاء مع الفقير ، وصلوا للبستان " فلما رأوها انا لضالون " الظاهر هذا ليس بستاننا اين نخيلنا وأشجارنا اين الجنة لم يبقى شيء منها ! ولكن اخيرا تيقنواان هذا هو بستانهم كيف اصبح بهذا الحال " بل نحن محرومون " هنا فتحوا أعينهم اردنا نحرم الفقراء والمساكين ولكننا اصبحنا محرومين والله تعالى اخذ النعمة منا ، هذا عذاب رب العالمين " قال اوسطهم " ارجحهم عقلا " ألم أقل لكم لولا تسبحون " الم اقل لا تتصرفون هكذا خافوا رب العالمين واذكروا الله تعالى ، العمل الصالح جذوره بذكر الله وتسبيحه ، اذا من هؤلاء الاخوان كان هناك ولد صالح لم يقبل بتصرفات اخوته وهو تكلم معهم ولكنهم لم يسمعوا كلامه ولكن حينما وقع الفأس بالرأس ذكرهم بنصائحه وهذه هي النتيجة " ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا انا كنا ظالمين " نحن ظلمنا انفسنا حينما منعنا الفقراء والمساكين من فائض حاجتنا ، هناك من لا يخمّس ولا يزكّي وهذا امر غير صحيح ، الفائض يجب ان تخمّسه وإلا يصبح مالا حراما ويختلط من مالك الحلال ويجمع المال الحلال والحرام ولكن الله في لحظة واحدة يذهب ما جمعه خلال سنين ، الله يجعل البركة والنمو في الصدقة يزيد المال ولا ينقص ، ادفع الحق الشرعي سوف يزيد المال اما زيادة مادية او يدفع عنك البلاء ، الله يجعل البركة في المال احلال " فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون " وهذا حال الدنيا دائما ، حينما يكون هناك انجاز كل واحد يعزيها لنفسه وفي الاخفاق كل واحد يرميها على الآخر يلوم بعضهم بعضا ، دائما الفعل الخاطىء واحد يطرح فكر والثاني يخطط لها والثالث ينفذها والآخر يرضى والآخر يسكت ولكن بالنتيجة شركاء ، " قالوا يا ويلنا انا كنا طاغين " ليس فقط ظالمين وانما طاغين الطغيان اكبر من الظلم ، الظالم يقبل ان يكون هناك ضوابط أسس ولكنه يتجاوزها اما الطاغية اصلا لا يقبل بالقانون والضوابط ويتجاهل الشعب والامة والثوابت ، هؤلاء ايضا اعترفوا بظلمهم وأصبح لديهم صحوة ضمير لما تصرفنا بهذه الطريقة " عسى ربنا ان يبدلنا خيرا منها " قاموا بالاعتذار لرب العالمين ووعدوا بعدم تكرار منع الفقراء والمساكين اصبح لديهم صحوة ضمير ، وما اجمل هذه الصحوة وان ينتبه الانسان مهما توغل في الرذيلة والذنب والمعصية حينما ينتبه في أي لحظة يكون عنده شجاعة للطاعة ويغير مساره ويصحح مواقفه ويرجع عن ذنبه .