• نص كلمة السيد عمار الحكيم في الذكرى العاشرة لرحيل عزيز العراق ( قدس سره )

    2019/ 05 /11 

    نص كلمة السيد عمار الحكيم في الذكرى العاشرة لرحيل عزيز العراق ( قدس سره )

     بسم الله الرحمن الرحيم

     

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

    اللهم كل لوليك الحجة ابن الحسن, صلواتك عليه وعلى آبائه, في هذه الساعة وفي كل ساعة, ولياً وحافظا وقائداً وناصرا, ودليلاً وعينا, حتى تسكنه أرضك طوعا, وتمتعه فيها طويلا, اللهم عجل فرجه, وسهل مخرجه, وأوسع منهجه, واسلك بنا محجته, واجعلنا من أنصاره وأعوانه, وجنده ومقوية سلطانه, والذابين عنه, والمسارعين إليه في قضاء حوائجه, والمستشهدين بين يديه.

    أيها الأحبة, أيها المؤمنون الصائمون في هذا الشهر الفضيل, المحتفون بذكرى عزيز العراق

    السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

    في رحاب شهر رمضان المبارك, شهر الطاعة والمغفرة والرضوان إلى الله تعالى, في هذا الشهر الذي دُعينا فيه إلى ضيافة الله, وجُعلنا فيه من أهل كرامة الله, نسأل سبحانه وتعالى أن يبارك هذا الشهر الفضيل على شعبنا وأمتنا وعلى المسلمين جميعاً وأن يستنزل رحمته ولطفه على شعبنا العراقي وعلى المسلمين وعلى الإنسانية جمعاء, وكلما طل شهر رمضان كلما تجدد المصاب بذكرى عزيز العراق, وكلما اجتمعنا من جديد والتقينا احتفاءاً بذكرى عزيز العراق الخالدة.

     إن الاحتفاء بهذه الشخصيات الوطنية يُمثل استذكاراً لذلك الدور الجهادي والعطاء الرسالي الذي قدموه في حياتهم وهو يدخل ضمن عملية التنشئة الاجتماعية الصحيحة, لنستذكر مواقفهم العطرة وإنما نحن من يستفيد ونحن من يزيد إلى عطاءه وإلى ثقافته وفكره حينما نجتمع ونحتفي بهؤلاء الكبار الذين قدموا الكثير لشعوبهم.

     إن عزيز العراق يُمثل قامة وطنية ساهمت في التأسيس لبناء العراق الجديد, ولقد كان عزيز العراق شخصية عملية يعمل بصمت, وبعيداً عن الأضواء, ويُنجز الملفات الحساسة والخطيرة المكلف بها, الإخلاص, والتوكل على الله تعالى, والزهد, ونكران الذات, وتغليب المصالح العامة تُمثل سماتً أساسية في شخصية عزيز العراق, حيث كان سباقاً ورائداً ومؤثراً في كل الساحات والمساحات, في زمن المعارضة للنظام الصدامي, وفي زمن بناء العراق الجديد, وفي ملئ الفراغ السياسي بعد فقد شهيد المحراب (قد سره), كان يمتلك منظومة علاقات واسعة ومتشعبة سياسية واجتماعية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي, وكان يتمتع برؤية استشرافية واضحة ودقيقة نحو المستقبل ويرى ما لا يراه الآخرون, ولذلك كانوا يعترضون عليه وعلى سياساته ومشاريعه وخططه, ثم تبين لهم بعد ذلك عمق ما كان يقوله عزيز العراق وجاء المعترضون ليلتزموا بمقترحاته ومشاريعه بعد سنوات طوال من اللحظة التي أطلقها وتحدث فيها عن تلك الخطط والمشاريع, إن عزيز العراق لم يكن يبالي كثيراً بتلك الاعتراضات, لأنه كان يتصرف بعقلية القائد لا بشخصية السياسي وكان يرى المسؤولية تحتم عليه أن ينتصر لشعبه وأن يحدد البوصلة وأن يضع الأمور في نصابها الصحيح, وأن يشخص الأخطار المحدقة بهذا الشعب قبل وقوعها, وهذا ما كان يفعله على الدوام ويوضح المسارات وإن اختلف واعترض عليها الآخرون, فطرح مشروع اللجان الشعبية وهي النسخة الأولى التي أفضت بعد سنين لانبثاق الحشد الشعبي, وطرح مشروع الإدارة اللامركزية في البلاد وهي اليوم مثار جدلٍ بين المحافظات بصلاحيات واسعة ورغبة من البعض بتشكيل أقاليم وما إلى ذلك, ودعا إلى الانفتاح الإقليمي والدولي على العراق على أساس المصالح المشتركة بين العراق وهذه الدول, وها نحن اليوم نجد أن الوفود تترى نحو العراق وتستقبل القيادات العراقية في العواصم الإقليمية والدولية, وطرح مفهوم كسر المعادلة الظالمة, وبناء المعادلة العادلة والمطمئنة لجميع أبناء الشعب العراقي بكل أطيافهم على أساس تكافؤ الفرص بين الجميع, وها نحن اليوم نجد المشاريع الوطنية متمثلةً بتحالفات وطنية عابرة للمذاهب والقوميات في بلادنا, وغيرها وغيرها من المشاريع التي طرحها وجوبهت بالرفض والاعتراض والتشكيك والتزم بها الآخرون بعد حين, ولذلك وسمت مرحلة عزيز العراق بمرحلة التغيير في العراق, الذي يتمثل بتغيير الدستور المؤقت الذي صاغه مجلس قيادة الثورة المنحل بالدستور الدائم الديمقراطي الذي صاغه العراقيون وكُتب بيدٍ عراقية واستفتى عليه الشعب العراقي, تغيير نظام الحكم الدكتاتوري إلى نظامٍ ديمقراطي اتحادي برلماني, وتغيير معادلة الحكم من تفرد الشخص الواحد الذي يدعي الانتماء إلى طائفة ما إلى حكم شراكة المكونات العراقية, وتغيير الإدارة المركزية لمؤسسات الدولة إلى اللامركزية الإدارية والسياسية, كان عزيز العراق يهتم بالمرأة اهتماماً خاصاً, ودعا لاعتبار الأول من صفر يوماً إسلامياً لمناهضة العنف ضد المرأة, كما كان يهتم بالعشائر العراقية والشباب, ومنظمات المجتمع المدني, ولكن مشكلته الأساسية كانت تتمثل في حجم تأثيره, وأنه الرقم الصعب في المعادلة العراقية مما عرضه إلى الكثير من حملات التسقيط والتشهير والتشويش الممنهج من قبل المنافسين قبل الخصوم, كان عزيز العراق يستقي تجارب الماضي ويستوعب الحاضر ويعمل من أجل المستقبل, كان يتواضع وهو في قمة قوته ويمد يده للآخرين وإن أنكروا عليه دوره وحقه, لأنه صاحب مشروع وقضية, كان جامعاً لا مفرقاً, وكان متفائلاً ويرى أن العراق سيعبر التحديات الكبيرة بأقوى مما كان عليه وسيكون سيداً في المنطقة بتلاحم ووحدة شعبه ومكوناته المتعددة, كان واضحاً وحازماً في العمل السياسي, ولا يؤمن بمنطق التلون والبراغماتية السياسية المصلحية والانتهازية, ونجد هذا الوضوح في أهدافه وسلوكه التي اعتمدها تجاه البلد والشعب, ونجد هذا الوضوح في تعامله مع القوى السياسية الوطنية حتى تلك القوى التي لم تكن حينها مؤمنة بما يكفي بمسار العملية التغيرية في العراق وأولوياتها, ونجد الوضوح في التعامل مع الشعب والأمة حين كان يقف ويصارحهم ويتحدث إليهم عن خفايا أروقة السياسة ودهاليزها, وكان واضحاً مع المرجعية الدينية حين يقف ويقول: (إن المرجعية دينٌ ندين لله به) هكذا كان عزيز العراق واضحاً ولم يكن مهتماً بمقتضيات الاستهلاك الإعلامي, ولم يكن مؤمناً بالتضليل المجتمعي لتحقيق غاياته, فكان يعتقد أن الغاية لا تبرر الوسيلة, وإنما الوسائل يجب أن تكون من جنس الغايات فإذا كانت الغاية نبيلة وشريفة فالوسائل يجب أن تكون وسائل شريفة لتحقيق تلك الغاية, ولم يكن من دعاة منطق التخوين والتسقيط للآخرين سياسياً وانتخابياً, فكان عزيز العراق واضحاً وصادقاً وحازماً في عمله وفي قناعاته وفي أهدافه ومشروعه الوطني, كان يتمتع بالقوة والصلابة في المحن والابتلاءات, كان قوي البصيرة, شديد الصبر والعزيمة, عظيم الهمة والإرادة في أحلك الظروف وأشدها عتمة, كان يرى الأزمة بعين الفرصة, وكان يرى المحنة بعين المنحة, وكان يرى الوحدة والتماسك صمام الأمان للمواجهة والاختبار, كان يعتقد أن على الإنسان أن يعمل بصدقٍ وتفاني من أجل الله ومصالح شعبه, أما النتائج فهي تأتي بتوفيق من الله سبحانه وتعالى, ولذلك حين كان يستوضح المصلحة العامة في خطوةٍ أو أمرٍ ما كان يُقدم على هذه الخطوة ولا يتردد ولا ينشغل لحساب المصالح والخسائر السياسية في هذه الخطوة أو تلك, ويعتقد ما دامة النية صالحة وخالصة فالله سبحانه وتعالى سيوفق في هذه الخطوة.

    أيها الأحبة, يا أبناء وبنات شهيد المحراب وعزيز العراق أخطابكم وأخاطب من خلالكم أبناء شعبنا العراقي الأبي :

    هناك ظواهر سلبية في مجتمعنا العراقي تحتاج إلى وقفة ومراجعة ولاسيما أننا في شهر رمضان شهر المراجعة للذات, منها استمرار الفجوة بين الشعب والطبقة السياسية, واستمرار الانقسام السياسي بالرغم من أن الفشل في حال حدوثه لا سامح الله سيطال الجميع بدون استثناء لاسيما من كان لهم الدور المباشر في تشكيل الحكومة الحالية, مع اعتزازنا ودعمنا لحكومة السيد عادل عبد المهدي ولكن أصبح من الصعوبة بمكان تبرير عدم استكمال الكابينة الوزارية واستمرار الشغور في أربع وزارات مهمة وحساسة ترتبط بأمن الناس وتربيتهم وتنشئتهم وبالعدالة الاجتماعية والإصلاح المجتمعي, وهناك ملاحظات جدية تُسجل على عدد آخر من الوزراء المنتخبين, هذا يعني أن الأولويات غير واضحة وحجم التحدي وما يعانيه الشعب لا يمثل الأولوية القصوى في المسار السياسي والحكومي, إننا نحذر من استمرار هذا الفراغ وندعو إلى الإسراع في إكمال التشكيلة الوزارية والهيئات المستقلة وإنهاء العمل بالوكالة, وتطبيق البرنامج الخدمي الذي تعهدت به الحكومة منذ تشكيلها وإلى الآن, وعلى الرغم من دعمنا لحكومة السيد عادل عبد المهدي وإن كنا خارج هذه الحكومة إلا أننا سنراقب ونتابع عن كثب ونعاتب إذا ما وجدنا التلكؤ والتباطؤ في تنفيذ البرنامج الحكومي, هذا ما نقوله بوضوح بلا تورية ولا وتلميح, من الظواهر الاجتماعية السلبية الأخرى ما نلمسه من التراجع القيمي في المجتمع وتصاعد الظواهر الدخيلة, فالعراق بلد زاخر ليس بموارده وثرواته وطاقاته البشرية فحسب وإنما أيضاً هو بلد القيم والمُثل والعادات والأعراف السليمة والنبيلة والكريمة, والمخاطر الاجتماعية والثقافية أشد خطراً وضراوةً من المخاطر الأمنية لأنها تدمر البنى التحتية للمجتمع وهو في غفلة من أمره, حالات الانتحار المتزايدة, ارتفاع معدلات الطلاق, الانحرافات الفكرية والثقافية, تعاطي المخدرات, شيوع التسقيط والابتزاز الالكتروني وغيرها وغيرها من الظواهر الدخيلة على مجتمعنا, ذلك المجتمع الملتزم بقيمه وأصالته إننا ندعو جميع المعنيين في المؤسسات الحكومية والمؤسسة الدينية والكيانات السياسية والمجتمعية وأدعوكم أنتم يا أبناء الحكمة بمؤسساتكم وتنظيماتكم للتصدي الثقافي والإصلاحي لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة والتواصي بالفكر والتوعية مع جميع أبناء شعبنا على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم, فالمسؤولية الثقافية مسؤولية تضامنية وهي مهمة كل غيور على بلده ووطنه تجاه حالات الاستهداف المنظم والدخيل, ومن الظواهر السلبية الأخرى الحكم على الأمور بعين واحدة, وإغفال الجوانب الإيجابية والمشجعة, إن ثقافة الإحباط والانكسار تعد من أشد الأخطار على الشعوب والأمم خصوصاً إذا كانت صادرة من علية القوم, ومن النخب المسؤولة أساساً عن عملية التثقيف الإيجابي والتوعية في المجتمع, نشعر بالأسف الكبير حين نتابع تقارير خبرية إعلامية, ومقالات نخبوية في وسائل التواصل الاجتماعي, وفي المجاميع الالكترونية, وهي تشخص الأمور بعينٍ سلبية وتجلد الذات وتتجاهل الجوانب الإيجابية المضيئة في بلادنا ومشروعنا ومجتمعنا, نعم, طموحنا واحد واسع, وإمكانياتنا كبيرة, والتقصير السياسي والحكومي واضح لكن علينا أن نتكاتف ونتفق على أن لا نزيد على الطين بلة, ولا نفقد ثقة الناس بأنفسهم وإنجازاتهم وفرصهم, والجميع يتحمل المسؤولية, فالحكومة والمشهد السياسي هي مرآة عاكسة للمجتمع, وإذا أردنا الإصلاح فلنبدأ من أنفسنا, فالكل يجب أن يبدأ من نفسه قبل أن يوجه العتاب للآخرين, ولنستثمر نعمة الانتخابات الحرة ونتحمل مسؤولية الاختيار, انتقدوا بشجاعة ولكن من أجل البناء لا الهدم, وانتقدوا بنفس الإصلاح والتطوير لأوضاع البلد لا التشهير, وبينوا الحقائق للناس ولكن بدافع التوعية لا التغطية, أشيعوا ثقافة الأمل والإبداع والمبادرة بدلاً من ثقافة التشكي والتنكيل وتحميل الأمور أكثر من واقعها الحقيقي, العراق في ذمتنا جميعاً فـلنصنه من أجل جيلنا القادم الذي نعول عليه كثيراً في نهضة العراق واستعادة دوره التاريخي في المنطقة والعالم.

     نعي جيداً المخاطر التي تحيط بالعراق نتيجة الصراع الأمريكي الإيراني, وتأثر العراق لا يأتي نتيجة اختياره لموقفٍ معين بل العراق يقع في قلب المنطقة وضمن جغرافية الصراع وعليه يجب أن نكون جادين في تجنيب العراق أي آثارٍ محتملة, فطبول الحرب حين تُقرع يغيب العقل والمنطق, والعراق لن يكون ضمن لعبة المحاور ولكنه في الوقت ذاته لن يقف مكتوف الأيدي حينما يتعلق الأمر بمصالحه وأمنه.

     إن سياسة تصفير الصادرات النفطية الإيرانية التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية تعني الانتقال من سياسة الضغط إلى سياسة الخنق لإيران ودولتها وشعبها, وسيكون لهذا المنحى آثارٌ كارثية وخطيرة على المنطقة عموماً وعلى العراق بشكل خاص, وهنا على العراق أن يعي هذه التطورات الخطيرة, ويتخذ المواقف المسؤولة لتجنب الكارثة, وعليه أيضاً أن ينتقل من سياسة الوسط إلى سياسة الوسيط الذي يسعى لتخفيف حدة الصراع ولذلك أدعو الحكومة العراقية لتقديم مبادرة وساطة بين الطرفين لمعالجة الأزمة المتصاعدة في هذه الأيام.

     العراق اليوم يعيش لحظة انفتاح وتقارب إقليمي ودولي لم يشهده طيلة العهود الماضية وهي من الفرص الذهبية التي يجب استثمارها جيداً, وعلينا أن نكون بحجم تلك الفرصة التاريخية والاستفادة منها في تثبيت استقرار العراق واستقلاله وإعادة إعمار مناطقه المحررة, وإعادة العراق إلى مصاف التطور والازدهار الاقتصادي والتنموي.

     يجب الحذر من عودة الإرهاب إلى مناطقنا من جديد, والعمليات الإرهابية الأخيرة تدق ناقوس الخطر بشكل واضح, يجب أن لا نسمح بأن تتحول موضوعة داعش وأخواتها إلى ورقة ضغط أو تفاوض إقليمي أو دولي, فأمن العراق خط أحمر, ولن نسمح بعودة الظلام مجدداً إلى بغداد وباقي مدننا الآمنة, وعلينا أن نعزز نصرنا العسكري بنصرٍ خدمي, ونصرٍ ثقافي واجتماعي حتى يتحقق الإصلاح المنشود في بلدنا الحبيب.

    سلام على شهداء العراق, وسلامٌ على كل من ضحى ويضحي من أجل هذا الوطن وشعبه الجريح المظلوم, سلامٌ على قواتنا المسلحة وحشدنا الشعبي والبيشمركة وكل العناوين الكريمة والطيبة في بلادنا, سلامٌ على المرجعية الدينية, وسلامٌ على الشهيدين الصدرين, وشهيد المحراب وعزيز العراق.

     

    والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

    اخبار ذات صلة