• نص كلمة السيد الحكيم في مؤتمر يوم العراق بمكة المكرمة الذي قُرأ بالنيابة 6/7/2022

    2022/ 07 /06 

    نص كلمة السيد الحكيم في مؤتمر يوم العراق بمكة المكرمة الذي قُرأ بالنيابة 6/7/2022

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال الله تعالى في كتابه الكريم ..

    { وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } صدق الله العلي العظيم.
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، السلام عليكم أيها الإخوة الأكارم والأخوات الكريمات من حجاج بيت الله الحرام ورحمة الله وبركاته.
    في البداية أتقدم إليكم بالتهنئة والمباركة، لنيلكم هذا الشرف العظيم وهو الحج إلى بيت الله الحرام بتوفيق منهُ سبحانه وتعالى, تلبيةً لما دعا إليه في كتابه المجيد ، فهنيئا لكم هذا التوفيق، وهنيئا لكم هذه الاستجابة.

    أيها الإخوة الكرام...والأخوات الكريمات، ينطوي الحجُ على معان عظيمة سامية علينا أن نتدبر فيها، فهو بالإضافة إلى كونه يمثل إستجابة وطاعة لله سبحانه وتعالى ، فإن الآثار النفسية والمعنوية للحج هي آثارٌ عظيمةٌ على الإنسان في سلوكه وهديه..ومن أول هذه الآثار هي التوبة إلى الله سبحانه وتعالى عن إرتكاب الذنوب والمعاصي، والعهد معه جل شأنه، في الإلتزام بما أمر به وما نهى عنه.. وفي ذلك أثر عظيم في بناء الجماعات الصالحة التي نحتاج اليها في مجتمعاتنا اليوم بكل ما تشهده هذه المجتمعات من إنتشار لوسائل الإبتعاد عن الله وعن الإسلام العظيم.
    ومن الآثارالساميةِ أيضا الشعور الواضح بوحدة المسلمين ووحدة مصيرهم، فهذه الملايين التي تجتمع في هذا المكان المقدس، تنادي كلها بالتحميد والتوحيد والشكر لله سبحانه وتعالى، وتؤدي شعائرها في وقت واحد، في  مظهرٍ عظيمٍ من مظاهر وحدة المسلمين على إختلاف مذاهبهم ومشاربهم وألوانهم .
    إن شعور المسلمين بوحدتهم..من شأنه تقليلُ الفوارق بينهم وتعزيز تماسكهم ومحبتهم  بعضهم إلى بعض، كما يمنحهم الشعور بالقوّة في مواجهة التحدّيات التي تواجه مصيرهم في هذا العالم المليء بالتحديات والمشاكل....كما أن شعورهم بوحدتهم سيدعوهم إلى الإطّلاع على أوضاع بعضهم البعض، ليكون ذلك مدخلا إلى تدارس أوضاع المسلمين في كل العالم، ويمهدُ  الطريق أمامهم في السبُل و الآليات التي توفقهم لمساعدة بعضهم في النهوض والتطور. 
    ومنها كذلك أن الشعائر العظيمة التي نؤديها في الحج تدعونا إلى التأمل في خلق السماوات والأرض، وفي أنفسنا، وهو تأمل سيقودنا حتماً، إلى الإيمان العميق الراسخ بقدرة الله وعظمته، ويعززُ التوجّه الصادق للإقتراب منه عز شأنه بالعمل الصالح وطلب مرضاته في الآخرة، وتقديم ذلك على مُتع الحياة الزائلة، للفوز بنعيم الآخرة وثوابها المقيم.
    ومنها أن إجتماع الناس على إختلاف مراتبهم ودرجاتهم في صعيدٍ واحدٍ وفي وقتٍ واحدٍ وكلهم يسعى بين يدي الله سبحانه وتعالى، ملبياً ( لبّيك اللهمّ لبّيك )، سيدعوهم جميعا إلى التواضع وخفض الجناح، فالكل يسعى لنيل رضاه ملبيا, ساعيا , مهرولاً بين يدي ربّ العالمين، وكل تشغله ذنوبَهُ وطلبُ الغفران عما حوله من الناس، وكأنهم في يوم المحشر: { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} . 
    هذه المضامين السامية وغيرها الكثير لا بد لنا من الإفادة منها ما دمنا هنا عند بيت الله الحرام، لأننا لن نجد في أي مكان آخر هذه الروحية التي نلمسها ونحس بها ونحن هنا في هذه الديار فاستفيدوا من هذه الفرصة الغالية التي منحكم الله إياها.

    أيها الإخوة والأخوات الأفاضل..

    لقد دأبنا على أن يكونَ هذا التجمعُ المباركُ تجمعاً وحدوياً يمثلُ جميعَ أطياف شعبنا العراقي.. لنتشارك من خلاله في التأكيد على ما يعزز وحدتنا العراقية.. ونمعن البحث في ما يعتري هذه الوحدة ويهدد تماسكها.

    وعلينا إستثمار هذه الأيام المباركة في الحث على وحدة الخطاب العراقي الوطني الجامع .. ووحدة الهم العراقي.. ووحدة المسؤولية العراقية.
    فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.. نحن مسؤولون عن تعزيز كل ما يمكن ان يُسهم في تماسك مجتمعنا العراقي وفي مواجهة ما يهدد وحدتنا الوطنية.. فالأوطان لا تُبنى الا بتكاتف أبنائها في السر والعلن.. والعض على الجراح والتركيز على الإيجابيات.. من دون أن نكون أسرى لهواجس الماضي وجريرة الأخطاء والاخفاقات .
    فلكل تجربة سياسية محاسنها ومساوئها.. والعراق منذ العام  ٢٠٠٣ تعرض للكثير من التحديات والمخاطر التي كادت أن تودي به الى مصير مجهول لولا لطف الله وعنايته وإصرار العراقيين جميعا على المضي ببلدهم نحو شاطئ الأمان.
    إننا اليوم أمام استحقاقات مصيرية تبدأ من ضرورة تشكيل حكومة قوية مقتدرة قادرة على تطمين الشارع العراقي.. مع إحترام خيارات وخصوصيات شركاء البلد الواحد.
    وعلى الرغم من وجود إشكاليات حقيقية إعترتها العملية الإنتخابية الأخيرة.. الا أن التسليم بمصادقة القضاء العراقي والنظر الى المصالح العليا للبلد.. هو الضمان الحقيقي للحفاظ على مسيرة النظام الديمقراطي الإتحادي في العراق.. وإجراء الإصلاح اللازم ضمن سياقات الدولة نفسها.. فلا أحد خارج على الدولة وسيادتها.
    لذا نجد من الضروري أن تكون العناوين الخمسة الآتية مساراً آمنا لخريطة الطريق نحو الإستقرار وتحقيق الإصلاح الشامل في العراق:

    أولا/ تشكيل حكومة متوازنة وقوية:
    فالتوازن الوطني هو أحد الضمانات الرئيسة لسلامة النظام الديمقراطي الإتحادي في العراق.. فمصالح شعبنا مرتبطة ببعضها  من شماله الى جنوبه.. ومن غربه الى شرقه.. ولا يمكن التفريط او التمييز بين أحد على حساب اخر.. فكلنا إخوة وإن إختلفنا في الإنتماءات الفرعية والعناوين الثانوية.. تجمعنا المواطنة في حقوقها و واجباتها.
    وأي إختلال في هذا التوازن الوطني سيرجعنا الى المربع الأول الذي غادرناه .. ولن يوفر الإستقرار المنشود لعمل الحكومة واستقرار الدولة .. فلا يمكن لأية حكومة مهما كانت مميزاتها أن تعمل في ظروف الفوضى وعدم الإستقرار.
    كما أن التحديات التي نواجهها اليومَ تحتاج الى حكومةٍ قادرةٍ متمكنة وقوية بفريقها ورؤيتها نحو الإصلاح المنشود وبما يحقق طموح شعبنا وحقهم في العيشً الكريمً.
    ثانيا/ مراجعةُ الدستور وإجراء التعديلات المناسبة:
    لقد تشكل الدستور في ظروف إستثنائية يعرفها الجميع.. وقد كان هذا الدستور وما زال الضمانة الحقيقية لسير العملية السياسية في العراق ومواجهة المطبات الكثيرة التي واجهتها هذه العملية.. الا أننا اليوم في مرحلة جديدة وإستحقاقات مختلفة عن الأمس.. تحتاج الى مراجعة شاملة تخدم عملية الإصلاح والبناء السليم وترفع تلك المعرقلات التي تمنع من إتمام العملية الإصلاحية نحو الأمام وإكمال الإستحقاقات الوطنية المطلوبة.

    ثالثا/ سياسة الحياد الإقليمي والدولي الإيجابي:
    من الضروري إعتماد سياسة الحياد الإيجابي للعراق في التعاطي مع الأحداث الدولية والإقليمية.. وتعزيز علاقاته البناءة في محيطه العربي والإسلامي والإنفتاح على جميع أشقائه العرب وعلى الدول المجاورة للعراق بما يحفظ سيادة ومصالح شعبنا.. وبما لا يتقاطع مع مصالح تلك الشعوب الكريمة.
    ونشددُ هنا على أن لا يكون العراق منطلقاً لأي إعتداء على دول المنطقة.. كما نطالب في الوقت ذاته أن تصان السيادة العراقية من قبل تلك الدول ذاتها وأن يُنظر للمصلحة العراقية بعين الاولوية و الإعتبار وبذات التعامل الإيجابي المتبادل.. فإستقرار العراق وحفظ مصالحه يمثل بوابة الأمان لإستقرار المنطقة وحفظ مصالحها.

    رابعا/ تأهيل البنية الإقتصادية العراقية:
    جميعُ الإحصائيات والتقارير الرسمية تؤكد أن العراقَ مقبلٌ على مخاطر بيئيةٍ وإقتصاديةٍ.. وهذا ما يتطلب أن يكون الإقتصاد أولى أولويات الحكومة المقبلة.. وأن تكون هناك خططٌ واضحة و واقعية تراعي التراكمية في الخبرات وفي التنفيذ.. فلا يمكن لحكومة واحدة أن تنجز مشاريع إستراتيجية كبيرة من دون أن تعمل على مراكمة الإنجاز لمن سبقها وتؤهل مسارات النجاح لمن بعدها.
    خامسا/ مواجهة الظواهر الثقافية السلبية في المجتمع:
    في الآونة الأخيرة وللأسف الشديد أصبحنا نسمع عن أحداث غريبة وطارئة على ثقافة وعادات مجتمعنا الأصيلة وقيمنا الإسلامية السامية.. وهذا ما يهدد أمن أسرنا وعوائلنا ومجتمعنا  التي تمثل نقطة القوة في طريق الاصلاح والبناء .. فاذا فسدت الأسرة فسد المجتمع.. وهو ما يتطلب منا وقفة جادة لمواجهة هذه الظواهر المنحرفة وإبعاد خطرها عن شبابنا وابنائنا من الرجال والنساء.. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.."
    لذا نؤكد دعوتنا  الى التكاتف جميعا  للحفاظ على قيمنا الأصيلة والدعوة بإحسان الى نشر الوعي والثقافة السليمة  "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.."..  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    اخبار ذات صلة