برعاية سماحة السيد عمار الحكيم يعقد المؤتمر الوطني السابع عشر للمبلغين والمبلغات
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها سماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي في المؤتمر الوطني السابع عشر للمبلغين والمبلغات والذي عقد برعاية سماحته في النجف الاشرف صباح الخميس 5/8/2010 ، تحت شعار (( شهر رمضان شهر الجهاد الأكبر لبناء الذات وتنمية المجتمع )) والذي حضره ممثلون عن المراجع العظام في النجف الاشرف وعدد كبير من الشخصيات الدينية وجمع غفير من السادة والسيدات المبلغين والمبلغات .
حيث شدد المراجع العظام في الكلمات التي ألقيت بالنيابة عنهم على أن الشعب العراقي قد ملّ وسئم من الوعود المتكررة للمسؤولين مشيرين إلى أن صبر الشعب له حدود ، كما وجهوا المسؤولين العراقيين بضرورة التفكير بالشعب المحروم من ابسط حقوقه ، كما تساءلوا عن سبب عدم تفكير المسؤول بعوز المواطن العراقي ، هذا وقد أكدوا على ان المرجعية الدينية لا يهدأ لها بال ما لم تستقم الأمور كما وجهوا الكتل السياسية بضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة المخلصة ليخرج الشعب من حالة المعاناة والحرمان .
وفيما يلي نص كلمة سماحة السيد عمار الحكيم :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد ( ص ) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين الميامين .
قال الله تعالى في محكم كتابة العزيز :
بسم الله الرحمن الرحيم
(( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )) " صدق الله العلي العظيم .
سادتي الكرام ، مشايخي الكرام ، إخوتي الأعزاء ، أخواتي الفاضلات أرحب بكم وأشكركم على حضوركم هذا المؤتمر الوطني الموسمي الذي يعقد قبل مواسم التبليغ في كل عام وتجشمكم عناء السفر وحضوركم إلى جوار أمير المؤمنين علي ( ع ) .
إنها مهمة الأنبياء إنها مهمة رسالية تتحملونها في الدعوة إلى الله (سبحانة وتعالى) وتتحملون تعليم الأحكام الشرعية والتواصل مع المجتمع من الناحية الثقافية والفكرية والدينية ، إنكم تحملون في شهر رمضان المبارك الغذاء الروحي والمعنوي والفكري والثقافي لأبناء شعبنا كما أن على وزارة التجارة تحمل لهم الغذاء والطعام الذي يحتاجون اليه في حصصهم التموينية .
أيها الأعزاء :لقد تحدثنا طويلاً على مدار السنوات السبع الماضية عن المضمون التبليغي لكن سمحوا لي اليوم أتحدث عن جانب أخر، وهو عن البيئة التبليغية ، البيئة التي تستهدفونها في عملية التبليغ ، عن المجتمع في الرؤية الإسلامية ، وسوف لن ادخل في تفاصيل هذه النظرية لان الوقت لا يسمح بذلك وإنما أقف عند بعض الخطوط العريضة في النظرية الإسلامية في المجتمع وفي التعاطي مع هذه البيئة المهمة .
إن الإسلام يهتم بالفرد علماً وأدبا وخلقاً والتزاماً ، هذا هو الذي تنصب عليه الأحكام الشرعية كيف يلتزم الإنسان ويتكامل وكيف يصل إلى الله تعالى ويتخلق بأخلاقه سبحانه ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ولكن الإنسان في تكوينه وثقافته وحاجاته لا يمكن ان ينفصل عن المجتمع بل يؤثر في المجتمع ويتأثر به ، ولا يمكن الحديث عن كمال الإنسان دون الحديث عن البيئة التي يتربى فيها ويتكامل من خلالها ، لذلك نجد أن الإسلام اهتم بالإنسان الفرد ، اهتم بالحالة الجماعية ووضع لها أطرا وضوابط حتى يسير المجتمع بهذه الطريقة ويساعد الإنسان على هذه التربية ، السؤال المهم هنا هو المجتمع هل هو جمع للإفراد او أن المجتمع عبارة عن حالة العلاقة المتبادلة والتعاطي المتبادل ، لاشك ان العدد بمفردة لا يشكل مجتمع ولكن المجتمع يتشكل حينما تبنى علاقات متبادلة إنسانية بين أفراده ، وهذه العلاقات المتبادلة تعود إلى أسباب واقعية وموضوعية فهناك تفاوت بالكفاءات بين الناس وفي المواهب والقدرات فالناس كما يختلفون في أشكالهم الجسدية يختلفون في طباعهم وقدراتهم النفسية وهذا الاختلاف يجعل كل منهم بحاجة إلى الأخر ليكمل الأدوار ، كما أن الإنسان يضع لنفسه غايات ومصالح لا يستطيع ان يحققها بمفردة فهو بحاجة إلى الجمع والآخرين اللذين يساعدوه في تحقيق هذه الأهداف وان أمام الإنسان أخطار ومضار لا يستطيع ان يدفعها بمفرده فهو بحاجة إلى الآخرين حتى يعينوه على دفع هذه الأخطار .
إذن المدنية هي السعي لتشكيل المجتمع والسعي لبناء العلاقات الإنسانية والمدنية صفة أصيلة في الإنسان لأن المنشأ ولأسباب لها أصيلة وراسخة لهذا يقال إن الإنسان مدني بالطبع لان طبيعة احتياجاته وظروفه تدفعه لأن يقيم مثل هذه العلاقات مع الآخرين .
المدنية تعني الحقوق والواجبات والحقوق هي واجبات الآخرين تجاه الإنسان والواجبات هي التزام الإنسان تجاه الآخرين فالقضية اخذ وعطاء وليست من جانب واحد وما إن اختلت هذه العلاقة وأصبح الإنسان يأخذ ولا يعطي حتى تختل البنية الاجتماعية ، على هذه الخلفية نجد ان الإسلام عمد على تكريس وتجذير وترسيخ الفهم المدني والاجتماعي للناس جميعاً وحاول ان يُفلسف لهذه العملية وهي قضية مهمة جداً لنا كمبلغين ، فمن السهل أن يصدر الإنسان التعليمات والتوجيهات لكن يجب عليه ان يوضح لهم لماذا عليهم ان يفعلوا ما يفعلوه ولماذا عليهم ان يتركوا ما يجتنبوه حينذاك تصبح عملية الالتزام أسهل ، الإسلام يفلسف هذه العملية ، لماذا التوجه المدني والاجتماعي ؟ لماذا الرغبة في بناء علاقات إنسانية ؟ ومجتمع الإسلام أيضا لا يكتفي بمطالبة الإنسان بالوفاء بالالتزاماته تجاه الآخرين وبأداء الأمانة التي يؤتمن عليها وإنما يفلسف هذه العملية . ان هذا العالم مبتني على نظام علمي وهو قانون الأسباب والمسببات وانه وضع نضم دقيقة وكل شيء وضع في وضع خاص وكل جزء من أجزاء هذا المجموع يتحمل واجبات محددة وعليه ان يعمل بها بدقة وإتقان ويقول للإنسان إذا أردت ان تكون جزء من المجتمع والواقع عليك ان تلتزم بذلك الجزء الذي يرتبط بك ويهمك ، في سورة الأعلى بسم الله الرحمن الرحيم ( الذي خلق فسوى والذي قدر فها ) إذن هناك تقدير للأمور وهناك نظام يخضع له هذا العالم بشكل دقيق ومنظم وفي سورة الرحمن ( السماء رفعها ووضع الميزان ) الله خلق السماء والأرض ووضع الميزان ، ما هو الميزان ؟ هو العدالة في الخلق وهو الدقة في الصنع ( الا تطغوا في الميزان ) وطالبنا جميعاً ان نفي بالتزاماتنا وان لا نكون ممن يبخس العطاء والوفاء بالتزاماته تجاه الآخرين ، وبهذا يخلق الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع ، تجاه بني الإنسان في الوفاء بالعهود والمواثيق واداء الواجبات كما هو التمتع بالحقوق ، بعد ذلك يعطي الإسلام حالة القداسة لهذا التوجه الاجتماعي والمدني ، يجب على الإنسان وجوباً شرعياً ان يمارس بعض الأدوار التي تحفظ النظام وتقّوم المجتمع لاحظوا في سورة البقرة بسم الله الرحمن الرحيم (( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين اللذين يؤمنون بالغيب )) الصفحة الأولى للمتقين (( ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة )) الصفحة الثانية (( ومما رزقناهم ينفقون )) الصفحة الثالثة (( وبالآخرة هم يوقنون )) الصفحة الخامسة للمتقين .
دعونا نقف عند الصفة الثالثة (( ومما رزقناهم ينفقون )) ماذا يعني الإنفاق هل هو الإنفاق المالي فقط أم ان الإنفاق بمعنى العطاء ويشمل العطاء العلمي والفكري في كل مواهب الإنسان وقدراته وكفاءاته .
إذن الإنسان عليه ان ينفق ويعطي من ما يمتلك من إمكانات عملية ، الإنفاق والعطاء للمجتمع اعتبرت واحدة من مقومات التقوى في الفهم الإسلامي ، المتقي عليه ان يعطي من جاهه ومن ماله ، من قدراته وإمكاناته ، وبذلك نجد كيف تتعمق الرؤية الاسلامية في المجتمع ، الإنفاق ليس هو الصدقة يقال إنفاق الزوج على زوجته والعلاقة بين الزوج و زوجته هي علاقة النفقة ، والنفقة ليست صدقة ، النفقة ليست بذل وسخاء ، النفقة هي حق للمرأة وواجبة على الزوج ، إذن الإنفاق يأخذ صفة الإلزام والوجوب فحينما يلزم الإنسان بالإنفاق للمجتمع وبالعطاء للمجتمع هي ليست مكرمة منه وإنما هو التزام من الإنسان تجاه هذا المجتمع ،وهذا يعني ان العطاء يمثل أمانة والإنسان يحمل هذه الأمانة ولعله ورد في قولة تعالى في سورة الأحزاب ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبيّن أن يحملنها وحملها الإنسان انه كان ظلوماً غشوما ) الإنسان هو الوحيد الذي يحمل الأمانة لان الأمانة وحملها هو أمر اختياري وليس من مختار إلا الإنسان .
وفي هذا السياق لعلنا نجد في طائفة واسعة من النصوص والروايات التي تشير إلى هذا المعنى ( والخلق كلهم عيال الله وأحب الناس الي انفعهم لعيالي ) وثم ينتقل الإسلام بعد أن يرسخ هذا المفهوم وبعد أن يعطيه صفة القداسة ينتقل في مرحلة ثالثة ليضع الأسس والموازين في مجمل الرؤية الإسلامية التي تدفع باتجاه المدنية والواقع الاجتماعي .
الدين يتشكل من المفاهيم والعقيدة والأخلاق هذه هي المحاور الأربعة التي يتشكل منها الدين وحينما تراجع الإسلام في محاوره الأربعة نجد أنه يركز على الجانب المدني والاجتماعي في هذه المحاور على مستوى المفاهيم ( إنما المؤمنون إخوة ) يطرح الإسلام مبدأ الإخوة ويعتبر أفراد المجتمع الإيماني إخوة فيما بينهم ويعطهم صفة الرحمية ، الجانب العاطفي في العلاقة بين أفراد المجتمع ثم يطور هذا الموقف من أخوة إلى ما هو أكثر من ذلك ((المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) إذن أصبح المجتمع الإيماني هنا حاله أكثر من الإخوة إنما هي حالة أعضاء لجسد واحد وكما نجد في القران الكريم يعبر عن المؤمنين ((بعضهم من بعض )) وفي المنطق هناك فرق بين الفرد وبين البعض ، الفرد هو الوحدة الكاملة ولكن البعض هو جزء الشيء ، اذن فهو يعتبر الكل والمجموع وحده واحده وكل فرد في هذا المجموع يمثل جزء منه ، كذلك نجد في القران الكريم حينما يتحدث عن المال بصورة عامة ينسبه إلى الشخص مع انه ليس ملكاً له كما في قوله تعالى في سورة البقرة (( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )) فيعبر عن المال العام بأنه أموالكم حتى يشعر الأنسان بالمسؤولية تجاه هذا المال ويأمره حينذاك بالإيفاء بالعهود .
وكذلك حينما نقف عند العقيدة نجد أن العقيدة في مجملها تدفع لهذا الاتجاه المدني والاجتماعي ، الإسلام يشترط الاجتهاد في العقيدة لا تقليد في العقيدة فالإنسان عليه أن يسعى ويبذل الجهد ، عليه ان يتفحص ، عليه ان يقتنع ويؤمن بمفردات العقيدة بالمبدأ والمنتهى وبالنبوة ألموصلة بين التوحيد والمعاد وبالعدل وبالإمامة ، عليه ان يؤمن إيمانا مباشراً ويتعرف على ان الله سبحانه وتعالى ليس له والد وليس له ولد وليس لهُ كفؤ وليس له صديق ورفيق والكل سواسية أمام الله كأسنان المشط ، هذه حالة المساواة بين الناس تعمق وتجذر فرص التبادل والتعاطي ، الإنسان يصعب عليه ان يتعامل مع من هو أعلى منه لكن حينما يكون الناس كلهم سواسية هناك ينفتح المجال لتبادل وتعاطي وعطاء متبادل بينهم ، أيضا نجد ان العصمة ليس إلا لعدد محدود من الناس الأنبياء والأئمة ما سواهم ليسوا معصومين ويقعون في الخطأ إذن عليهم ان يتشاورا ، عليهم أن يستعينوا بالآخرين في فكرهم ورأيهم حتى يصلوا الى الطريق ، وهذا الجانب أيضا يدفع الإنسان للانفتاح على الأخر وما أكثر النصوص التي تلزم الرجوع إلى أهل العلم .
الله واحد والخلق كلهم ينتمون الى اب وام واحدة والى مصير واحد ((انا لله وانا اليه راجعون)) ولما كان المبدأ واحد والمنتهى واحد والمصير واحد والمنشأ واحد وهذه كلها سياقات تسهل عملية التواصل فيما بينهم والتبادل في العلاقة والعطاء لبناء المجتمع المدني .
ليس من تفوق لأحد على الأخر ، ليس من تمايز بين الناس هناك تمايز بحسب الكفاءات ولعل الآية في سورة الزخرف تشير إلى ذلك (( ورفعنا بعضهم فوق بعضهم درجات )) هي إشارة إلى هذه التعدد والتنوع في الكفاءات فالكل يراجع الطبيب والطبيب يراجع المهندس في اختصاصه والمهندس والطبيب يراجعون الفلاح في منتوجه الزراعي ، وهكذا ليس من تمّيز بين الناس إنما هو حالة من التمايز في الكفاءات مما يؤكد هذا التبادل في العطاء والعلاقات المدنية الاجتماعية .
كذلك حينما نتحدث عن أن الله سبحان وتعالى عادل جامع لكل صفات الكمال رحيم رؤوف ودود الى غير ذلك من الصفات فلا بد لهذه الصفات ان تنعكس على خلقة للترابط والانسجام بين العلة والمعلول ، إذن الإنسان بطبيعته يتسم بالطيبة وليس من لئيم إلا لحدث طارئ الإنسان يولد على الفطرة (( فطرة الله التي فطر الناس عليها )) كما في سورة الروم ، وهذا يؤكد حالة الانفتاح الطبيعي على الآخرين وعدم التحسس منهم ويعمق الشعور للعطاء المتبادل والعلاقات الإنسانية التي يبنى على أساسها المجتمع .
ان الإيمان بكل هذه العقائد الحقة يجعل الإنسان يستشعر مسؤولياته الحقيقية تجاه المجتمع ، كما يكرس البناء الاجتماعي في حقل الأحكام أيضا نجد الكثير من الأحكام الإسلامية تدفع الإنسان إلى هذا التوجه المدني ولهذه العلاقات المتبادلة ، لاحظوا التأكيد الكبير على مبدأ الزواج والحقوق الكبيرة بين الزوج والزوجة بعضهم على الآخر ، وثم ينتقل لبيان الحقوق الكبيرة بين الوالدين والأبناء وينقل للمساحة الأوسع حقوق الرحم في هذا البناء الاجتماعي وينتقل إلى الجار وأحقيته وأهمية الجار ومن ثم يتطور إلى مسؤولية حقيقية تجاه كل أبناء البلدة (( ما امن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع )) وغير ذلك من النصوص ، هذه كلها أحكام تكرس هذا التوجه المدني وتبادل العطاء والمصالح والعلاقات بين أبناء المجتمع .
الإسلام حاول في رؤيته تجاه هذا الموضوع ان يشعر الإنسان ان الحالة الاجتماعية ليست بمعزل عنه ليست شيء طارئا هي جزء منه وهو يساهم في صناعتها وإيجادها (( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم )) في سورة الروم (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ))
أيها الإنسان إذا أردت الإصلاح فهو بيدك وإذا حصل فساد فأنت مسؤول ، عنه هذه الرؤوية تعمق الشعور بالحالة المدنية والاجتماعية .
انتم أيها الأعزاء تنطلقون للانفتاح على مجتمع هكذا نظر الإسلام اليه وتسعون لتعميق هذه الرؤية ليتحول المبلغ وهو يتحرك بين الناس إلى عنصر خير يشيع هذه الثقافة ويدفع الناس إلى المزيد من التماسك والتلاحم والتناصر في ما بينهم ونحن بأمس الحاجة الى هذا الفهم الإسلامي في ما نجد ان هناك تصدعات تحصل في البنية الاجتماعية وفي شرائح وسلوكيات مختلفة ، هناك ظواهر ايجابية في مجتمعنا وهناك ظواهر تبتعد عن هذه الرؤية علينا معالجتها ونحن معنيون بأن نرى الواقع بهذه السعة والعمق وننطلق لإصلاحه .
ساستنا اليوم معنيون بأن يقفوا عند هذه الرؤية ويستذكروا هذا الفهم للعلاقات الاجتماعية وكل ما كان الإنسان في موقع الخدمة العامة وله فرصة اكبر للخدمة فأن مسؤوليته اكبر ونجد اليوم الامتيازات والايفادات والرواتب كلها تتابع بأدق التفاصيل لكن الجانب الآخر بما يقدمه المسؤول نجد فيه تقصير كبير ، إذن هناك إرباك بهذه العلاقة المتبادلة فتحصل كل هذه الإشكاليات التي نجدها اليوم .
ماذا عساني ان أقول في الشأن السياسي بعد كل ما سمعناه من مراجعنا العظام وقد غمرتني السعادة ان المرجعية تعبر عن هذا الحرص بوضوح شديد وتضع أبناء الشعب العراقي أمام استحقاقاتهم وتضع المسؤولين أمام استحقاقاتهم أيضا ، حينما نقول ان المرجعية هي الحصن الحصين نعني بهذه المواقف وتشخيص الداء وتقديم الدواء في الوقت المناسب ، نحن في هذه الأزمات بأمس الحاجة لرعاية المرجعية وهديها وتحديد اتجاهات البوصة ، هناك إشكاليات كبرى يجب ان لا يضيق صدر المسؤولين حينما يُسألون عليها ، ميزانية قدرها 280 مليار دولار على مدار خمسة سنوات من 2006-2010 (343) ترليون دينار وقالوا لم يتم صرفها ؛ فإذا كانت قد صرفت هذه المبالغ فلابد إذن من وجود فساد مالي وإذا لم تصرف والناس في عناء إذن هناك فساد إداري والبعض يعتقد أن من النزاهة أن لا تصرف الأموال والحال ان هذه الأموال ليست ملكاً للمسؤولين إنما هي ملك للشعب لان الناس في عناء ويفتقرون لأبسط الحقوق فلا مدارس مناسبة ولا مستوصف ولا جامعة ولا بُنى خدمية ، اذن لماذا تدخرون الأموال ؟
تعرفون جيدا مر في هذه السنين ان وزارات لم تنفق إلا 4 % من ميزانياتها و 96 % بقيت ، أليس هذا نمط أخر من الفساد .
علينا ان نتحمل الأخطاء ونعالجها وتبرير الخطأ يوقعنا في خطأ أخر والشيء الصحيح ان يقال الحق ويقال هنا أخفقنا وهنا أنجزنا وحيث ما كان انجاز نقول جزاء الله الجميع خير الجزاء كلهم ساهموا في هذا الانجاز وحينما كانت كبوة نسأل لماذا وقعنا في هذه الكبوة ، اليوم القضية معكوسة فحيثما كان انجاز يختزل في حلقات ضيقة وأينما كانت مشكلة ترمى في وجوه الآخرين ويقال ان الشعب لا يعرف والقوى السياسية لا تفهم والبرلمانيون مسيئون يقال كل ذلك حتى يبرر الخطأ وهذا مبدأ غير منطقي وغير مناسب لحل الإشكاليات .