• نص الحديث الثقافي في الملتقى الأسبوعي

    2011/ 06 /16 

    نص الحديث الثقافي في الملتقى الأسبوعي

    ذكر سماحته عن ما جاء في اللقاءات السابقة عن النظرية الإسلامية في القيادة والإدارة وذكر ان عهد امير المؤمين (ع) لمالك الاشتر يمثل اختزال لهذه النظرية وانتهى عند المقطع الثالث الذي يتحدث عن العلاقة بين المسؤول وبين من هو مسؤول عنهم، بين الحاكم والرعية. واشار سماحته الى ان المنظومة القيادية في الفهم الاسلامي لا تخص الرئيس والزعيم والقادة وانما تمتد الى كل من يتحمل المسؤولية ويتصدى في مساحة من المساحات بدءا من الأسرة ووصولا الى المساحات الأوسع من التصدي، مبينا ان هذه الشروط والضوابط والأطر التي تنظم العلاقة بين من يتصدى ويتحمل مسؤولية معينة وبين من هم تحت مسؤولية هذا الأنسان ، وتساءل ماهي طبيعة العلاقة؟ ما هي الألتزامات؟ واكد  ان امير المؤمنين يتحدث في هذا العهد عن هذه المسائل المختلفة.

    الملتقى 2

    الندم والعفو لا يتفقان
    سماحته بدأ في المقطع الثالث للعهد وواصل النظر في عبارات امير المؤمنين وشرحها ومنذ عدة اسابيع وانتهى في اللقاء السابق  الى العبارة (( ولا تندمن على عفو )) وبين ان امير المؤمنين  "ع"  يخاطب مالك الأشتر "يا مالك لاتندم اذا عفوت عن شخص"عادا ان من هو في موقع المسؤولية عليه ان يصفح ويعفو ويتساهل عليه ان ينتفح ويستوعب الأخرين (( ولا تبجحن بعقوبة )) وزاد في الجانب الأخر ايضاً لاتشعر بالفرح والسعادة والتشفي حينما تعاقب انسان حتى لو كان هذا الأنسان يستحق هذه العقوبة حتى لو كان مجرماً ارتكب خطيئة واعتدى على الأخرين، وبين السيد الحكيم  ان لهذه العقوبة اسباب ومناشىء ويراد لها ان تعالج اشكاليات معينة في الواقع الأجتماعي وليس محطة للشماتة حتى تفرح وتسعد بمثل هذه العقوبة (( ولا تسرعن الى بادرة وجدت منها مندوحة )) وفسر سماحته ان البادرة هو مايبدر من الأنسان عند الغضب من الشدة والحدة فلا تسرع في بادرة ولا تأخذ قرار وانت غاضب لأن حالة الغضب ممكن ان تدفعك الى اتخاذ قرارات تندم عليها لاحقاً (( وجدت منها مندوحة )) أي رأيت ان هناك فرصة للتخلص منها ، واردف قد يكون الغضب غضب مستقر لأن المفروض ان ألإنسان يغضب لله تعالى ، يغضب لوجود خلل ما ، وتارةً اخرى يكون هذا الغضب ناتج من حالة مشاعرية فحينذاك يقول امير المؤمنين يا مالك اذا واجهتك حالة من الغضب واستشهد السيد الحكيم  كما حدث مع امير المؤمين (ع) حينما بصق في وجهه ذلك المجرم الظالم لم يقتله في ذلك الوقت وانتظر امير المؤمنين هنيئة ثم عاد لينزل الحكم العادل في حقه، ودعا المسؤول في حالة الغضب والشد والتوتر. اذا وضعوا المايك امامك لاتصدر التصريح لأن تصريحك في حالة التوتر لن يراعي كل الجهات والخصوصيات والحيثيات المطلوبة في اتخاذ القرار الصائب والناجح، وحينما توضع الأوامر الأدارية بين يديك يامسؤول اذا كنت غاضباً لاتكتب ولا توقع لأن هذا التوقيع قد لا يكون فيه كل معايير المصلحة التي قد تتوصل اليها وانت في ظرف اخر.
    واكمل سماحته حديثه مشخصا الاضاءات والدروس من هذه العبارة الكريمة لعلي (ع): لأساس في الأدارة والتعامل مع الأخرين هو الصفح هو العفو والتساهل ولا سيما حينما يكون الإنسان من موقع القوة وهو قادر على ان ذ موقف ما بحق الأخر ويصفح ويتسامح ويحكم فرص التسامح مع المواطنين وليس التشدد عليهم.

     الملتقى  3

    المرونة والتساهل مع المواطنين
    وطالب سماحته المسؤول عدم البحث عن التشدد لكي يتشفى بالمواطن بل المفروض ان يبحث عن المواطن والثغرات والفرص والأستثناءات والصلاحيات التي تمنحه الفرصة ان يتساهل مع المواطنين، ومع من انت مسؤول عنهم مشددا على ان الأساس حسب القاعدة التي يذكرها امير المؤمنين (ع) هي العفو والتساهل ما لم يؤد ذلك الى حالة التجرء على القانون وكسر شوكة الدولة وهيبتها في ذلك الحين لابد من الشدة ، لكي نضمن ان تكون العلاقة علاقة شفقة ومودة كما شرحنا ذلك بالتفصيل في لقاءات سابقة ، ونوه سماحته الى قوله سبحانه في كتابه المجيد في سورة النساء الأية 149 ((ان تؤتوا خيراً او تخفوه او تعفوا عن سوء فأن الله كان عفواً قديرا )) فحينما يصدر السوء يكون الموقف هو العفو والصفح من تلك السيئة والخطيئة فأن الله عفواً قديرا مبينا ان العفو يجتمع مع القدرة ، فحينما تكون قادراً تعفو  وان لم تكن لديك القدرة فأن العفو ليس فيه معنى ،  واشار سماحته الى اهمية العفو أي حينما تكون في موقع المسؤولية وتعفو بحق المسىء فأن ذلك هو المهم ، وبين السيد الحكيم في تفسير هذه الاية لاحظوا ماذا يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان الجزء الخامس صفحة 124 في ذيل هذه الأية الشريفة ( والعفو عن السوء هو الستر عليه قولاً وفعلاً ) ثم شرح الستر بالقول يقول (ان لا يذكر ظالمه بظلمه).
    واستشهد فقد يكون الإنسان في موقع المسؤولية واتخذ إجراء عنيفاً بحقك شخص ما وقد تقلبت الأمور واصبح ذلك الشخص هو المسؤول ،مؤكدا بان التستر هو في ان لا تذكر ظالمك بظلمه وهي صفحة انطوت فلماذا التذكير بأخطاء الاخرين، واذا شخص ما قد اخطأ فلماذا اخطأ انا ايضاً والا فما هو فرقي عن الأخرين واذا أردت ان أتعامل مع الآخرين بنفس تعاملهم معي في سنوات خلت وفي ظروف سابقة فما هو فرقنا عنهم في حين اننا نقول إننا في عراق جديد فيه الديمقراطية والتسامح والتعددية ، وعاد ليقول اذن هذه قضية مهمة ان يتجاوز الإنسان ويطوي صفحة معينة متمثلة بحالة الغل (( ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين امنوا )) ودعا السيد الحكيم "هذه الأمور يجب التخلص منها" .

     الملتقى 5

    لا يجوز التشهير بالاساءة
    وشرح قوله "ع" ( ولا يذهب بماء وجهه عند الناس )) أي لايتحدث عنه امام الناس ويشهر به بل من المفروض ان لا يقف عند هذه المسائل ويتخطاها ،(( ولا يجهر عليه بالسوء من القول )) .
    وزاد التستر بالفعل يقول (( وفعلاً بأن لا يواجهه بما يقابل بما أساء به)) ان لا يتعامل معه بما يتناسب وإساءته ، فأنت يا مسؤول من موقع القدرة والمسؤولية حينما تريد التستر على هذا الإنسان ان لا تتعامل معه بما ينسجم وإساءته اليك لأنك أيضا سوف تعامل بنفس الطريقة ، ( ولا ينتقم منه فيما يجوز له ذلك ) وفي قوله تعالى (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) اي يجوز الاعتداء عليه في حينه لكن يقول المتصدي انا من موقع المسؤولية لا اريد استخدام صلاحياتي ولا اريد الأعتداء عليه وقوله تعالى (( ان الله كان عفواً قديرا)).

    العفو صفة من صفات الله الكمالية
    وتساءل سماحته هنا نتحدث عن مسؤول متصدي يعفوا ويصفح فلماذا انتقلت الأيه للحديث عن الصفح الإلهي ؟ هذا يعني ان العفو عن السوء هو اتصاف بصفة من صفات الله تعالى الكمالية ، فالمسؤول اذا اصفح فهو يجسد صفة من الصفات الكمالية لله تعالى ، في سورة الشورى الأية 40 (( وجزاء سيئة سيئة مثلها ، فمن عفى وأصلح فأجره على الله )) هذه الصياغة الإلهية ( أجره على الله ) تسخدم لعدم وجود فرصة لتحديد حجم الأجر والثواب ، فالأجر حينما يكون متضمناً في عظمته ولا يمكن حصره برقم معين يقال قرآنياً ( اجره على الله ) ، اذن حالة الصفح عن المسىء والمخطئ من الموارد التي اجرها على الله (( ان الله لا يحب الظالمين )) وفي اية اخرى  في سورة آل عمران الأية 134  (( الذين ينفقون في السراء والضراء )) أي ان الأنفاق في السراء فيه فوائد وحينما تكون الناس في شدة ايضاً فيه الفوائد (( والكاظمين الغيض والعافين عن الناس ان الله يحب المحسنين ))  وعلق هنا سماحته، يعتبر كظم الغيظ والعفو عن المسىء من الإحسان وفيه الأجر العظيم ، في غرر الحكم الجزء الأول صفحة 140  عن علي (ع) (( العفو تاج المكارم )) وتطرق السيد الحكيم على العفو بقوله: كم لدينا من المكارم الأخلاقية وصفات حميدة لكن العفوا هو تاجها وارفعها شأناً واعلاها منزلة ، اذا اكرمت فأشبع والأشباع ان تكون في موقع العفو عن المسىء ، وفي موقع اخر يقول علي (ع) في نقس المصدر
    (( العفو زكاة القدرة )) كل شيء له زكاة وزكاة القدرة العفو حتى لايتحول الأنسان الى وحش كاسر يبطش بالناس يستغل هذه القدرة والصلاحيات والفرص والإمكانات لإيذاء الآخرين والإساءة اليهم ، في رواية اخرى عن علي (ع) (( أحسن أفعال المقتدر العفو )) انظروا الى ثقافة الأسلام والأدارة التي يراد لها ان تكون على اساس الأنفتاح والتسامح وطي صفحة الماضي والنظر لحاضر الناس وليس في تاريخهم ، هذا المنهج الأسلامي في الإدارة والقيادة ومن لوازم ذلك (( ولا تندمن على عفو )) ان لا تشعر بالندم اذا عفوت وصفحت عن الآخرين.

      الملتقى  4

    علينا ان لا نكون سعداء بتطبيق العقوبة
    اما عن الاستياء من العقوبة ، دعا السيد الحكيم  المسؤول الى الابتعاد عن حالة التشفي عند تطبيق العقوبة  فقد يكون عقابك هو حد من حدود الله او قد يكون تطبيق لقانون هذه العقوبة يجب ان لا يكون بها حالة التشفي ويجب ان لا يدس فيها حالة الانتقام ويجب ان لا تكون سعيداً حينما تعاقب الآخرين وانظر الى العقوبة على انها علاج ودواء ، وتذكرسماحته موقفا تمثل  بالأعلان عن مقتل عدي وقصي ابناء صدام حسين يقول : كنت حينها في النجف الى جوار شهيد المحراب في حياته وبدأت الأفراح وألاطلاقات النارية فدخلت على شهيد المحراب   رأيته متأمل وليس من أثار فرح على وجهه فجلست عنده قلت له سيدنا ان الله انتقم لدماء الشهداء وقد قتل عدي وقصي فلا اجد علامات الفرح على وجهك حينها قال لي اننا لسنا اهل شماتة نحن أهل اعتبار، وان الظالم له نهاية ، ((لا تبجحن بعقوبة )) لا تفرح بعقوبة تعاقب بها ألآخرين في دولة المواطن الدولة التي يحترم فيها الإنسان كما نريد لها الأساس فيها هو الإنسان وان له كرامة حتى لو كان مجرماً وقاتلاً ومخطئا فإنسانية الإنسان لا تسمح ان نفرح بعقوبته لأن العقوبة يراد منها تطهير المجتمع اذا انتشرت فيه هذه الفيروسات ، مبينا ان المجرمين والذباحين الذين يقطعون أشلاء الناس هؤلاء فيروسات تتحرك في المجتمع يلوثون الفضاء والبيئة الاجتماعية، عقوبتهم تطهير للمجتمع وايضاً من أمن العقوبة أساء الأدب فمن اجل وضع حد للإساءة والتعدي على الناس للآخرين لابد من العقوبة ، فنعاقب لنضع حدا لتفشي الجريمة في المجتمع ولكننا لسنا سعداء لهذه العقوبة.

    الملتقى 6

    الجريمة مرض بحاجة الى علاج
    لماذا لا نفرح لأن العقوبة تكشف عن جريمة والجريمة مرض من الأمراض الاجتماعية وكلما زادت العقوبة كلما عبرت عن ازدياد المرض وتفشيه ، والفرح والسرور لعقوبة هذا او ذاك يؤدي الى ان ننشغل بالتشفي بهؤلاء ونترك البحث في أسباب ومناشىء مثل هذه العوارض  ، مهما وجهنا العقوبة فلا بد من البحث عن المشكلة واليوم في واقعنا مهما عاقبنا من مجرمين وذباحين لايمكن حل المشكلة الا اذا عالجنا الفكر الذي يربي الذباحين وامثالهم، مستشهدا بانه في مقتل ابن لادن هناك من قال انه تم القضاء على القاعدة والواقع ان القاعدة ليسوا رجالا فقط ولكن القاعدة فكر هدام والقاعدة رؤية ظلامية لا تريد الحياة للناس. القاعدة تعني عدم القبول بالأخر لأنه يختلف بالفكر ، فالفرح والسرور بعقوبة الناس يشغلنا عن النظر في الأسباب والمناشىء التي دعت الى صدور هذه الاعتداءات ، والمسؤول حينما يعاقب يجب ان يستشعر الألم كما ينقل عن رسول الله (ص) انه يتحدث بألم عن المشركين والكفار والعصاة والمذنبين واهل النار والله العدل قد أدخلهم في النار فما هو حالهم، بينما رسول الله يتألم ويتقطع حرقة على هؤلاء. انظروا الأية السادسة من سورة الكهف (( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا )) البخع حالة الهلاك وهي مرتبة أعلى مرتبة من مراتب الألم ، السماء تتدخل لتطيب خاطر رسول الله (ص) لجرحه العميق واسفه الشديد الذي يصل الى حد البخع ( الهلاك ) على  حال المجرمين والظلمة والعصاة في النار ، هذه هي اخلاقية ألأنسان الكامل المتمثل برسول الله (ص) واهل البيت (ع) ، علي (ع) في تعامله مع الناكثين في الجمل ايضاً النصوص تشير الى هذا المعنى بعد ان انتهت المعركة وانتصر علي (ع) لم يطرق الطبول ولم يعبر عن سعادة وفرح بهذا الانتصار ماذا قال راجعوا نهج البلاغة الكلام 219 لما مر بطلحة بن عبد الله وعبد الرحمن بن عتاب وهما مقتولين على الأرض وقف على جثة طلحة  (( لقد أصبح ابو محمد بهذا المكان غريباً ، اما والله كنت اكره ان تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب )) هنا يعبر امير المؤمنين عن اسفه في ان تكون جثامين قريش تحت ضوء الكواكب ولكن ما باليد حيلة لعدم وجود الخيار الا بمعالجة المرض الا بإنزال العقوبة بحق من تجاوز وتعدى واصبح السكوت عليه مخاطرة بالنظام ، الطبري في تاريخه في الجزء الرابع صفحة 537 ينقل كلمة عن علي (ع) في نفس المشهد يقول (( والله لوددت اني مت من قبل اليوم بعشرين سنة  )) ومن هم هؤلاء الذين يتحدث علي عنهم هم الناكثين الذين نكثوا بيعة علي (ع) ، هذه ثقافة الإسلام وعلينا ان نعتمد هذه الثقافة.

    الملتقى 7

    اخبار ذات صلة