كلمةُ السيد عمار الحكيم خلال المؤتمر الثاني بمناسبةِ مرور 4 سنوات على الإبادة الايزيدية المنعقد في فندق بابل الخميس 2/8/2018
أشكرُ لمنظمةِ يزدا الدولية هذه الخطوة الكريمة في إقامة هذا الاحتفال وتذكرينا بمحنةٍ عظيمةٍ على مكونٍ كريم هو المكونُ الايزيدي وقد احتفلنا في العامِ الماضي بهذه المناسبة وتمنينا أنْ نشهدَ في العام المقبل عراقاً خالياً من الدواعش وها نحن اليومَ نجتمعُ ونلتقي ونحن نحتفي بانتصارِنا على الإرهاب الداعشي.
المكونُ الايزيدي هو المكونُ الموحد ، وايزد باللغة الكردية هو الله سبحانه وتعالى فنسبةُ هذا المكون إلى الله أي أنَّهم موحدون ، فهم مكونٌ مسالم ومتعايش وأصيل وذو جذور عميقة في هذه البلاد وكلنا فخر واعتزاز بهذا المكون وكلنا أسف لحجم الغدر الذي تعرض له تاريخيا بهذا الموضع . وبهذه الحقبة الزمنية كلنا أمل في أننا نتجاوز هذه المحنة ونعض على الجراح وننظر إلى المستقبل على الرغم من فداحةِ الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق هذا المكون الكريم من القتل والسبي والاعتداء والغصب واغتصاب النساء وهدم البيوت وغيرها .. واستهداف الهوية الدينية والمزارات كلها جرائم بشعة بحق هذا المكون شاركهم فيها المكون التركماني الكريم الذي كان يعيش في جوارهم والتركمانيات من اتباع اهل البيت اللاتي أُسرن واغتصبن وأُحرقن ولم ينجو منهن أحد وسمعنا عن ظروفهن من أخواتنا الايزيديات الناجيات اللاتي تحدثن عن أولئك وجريمتهم الأعظم إذ حرقوهن بعد أن اعتدوا عليهن. إنَّ المكون الايزيدي تعرض إلى محنة كبيرةٍ في 1969 إلى 1979 على مدى عشرة أعوام من التهجير والمطاردة والإرباك لهذا المكون ولكنه استطاع أنْ يعود ويلملم جراحه وفي هذه الحقبة أُعيدتْ هذه المحنة على أيدي العصابة الداعشية والإرهاب الذي أراد أن ينحرَ التعددية في بلادنا فاستهدف النوع الديني والمذهبي والقومي وأربك صفو العلاقة بين المكونات من أجل النيل من شعبنا ومن إرادته وانسجامه؛ لكننا اليوم نقول بأنَّ المسؤوليةَ لا يتحملها الدواعش وحدهم وهم عصابةٌ إجرامية لكن كلُّ من نظر وكلُّ من خطط وكلُّ من برر وكلُ من دافع وكلُّ من ساهم في نشر الفكر التكفيري وفكر التطرف فهو شريكٌ بهذه الجريمة و أولئك الذين سهلوا مرور عشرات الآلاف من الإرهابيين إلى أرض العراق هم شركاءٌ في هذه الجريمة، كلُ هؤلاء الذين مولوا وسلحوا وغطوا سياسيا وإعلاميا هذه الجرائم هم شركاءٌ في هذه الجريمة. أيُّها السادة والسيدات ليس تنظيم داعش وحده بل منظومة ومجموعة من المصالح التقت واجتمعت وكونت هذه الظاهرة الشاذة وعلينا اليوم أنْ نقفَ وندينَ تلك المنظومة بكلِّ امتداداتها.
أولئك الذين رأوا في داعش بندقيةً للإيجار فاستخدموها للنيل من وحدةِ شعبنا وضرب العراقيين بعضهم ببعض هم شركاءٌ في الجريمة أيضاً كذلك الذين قصروا في حمايةِ المكون
الايزدي فتعرض بسببهم إلى هذه الإبادة من قياداتٍ أمنيةٍ وعسكرية وغيرهم ، فضلا عن كل من رضى وامتدح وصفق وهلل لأولئك المجرمين وهم يمارسون تلك الجريمة .
علينا أن نكونَ صريحين مع بعضنا بعد أربع سنواتٍ من هذه الجريمة النكراء أنَّ داعشَ وليدُ صراعاتٍ إقليمية ودولية، فصراع الإرادات هو الذي أنتجَ داعش ، وهذا الصراع هو الذي غلَّبَ لغة الدم على لغةِ السلام وعلينا اليوم أنْ نعالجَ ظاهرةَ داعش معالجةً جذريةً بالدعوةِ إلى الحوارِ الصادقِ والبنَّاء بين دولِ المنطقة والدول المؤثرة في القرارِ الإقليمي لكي نمنع عودة وحوش بشرية بنسخةٍ جديدة أو إعادة إنتاج لهذه النسخة التي باتتْ تحتضرُ بهذه الأوقات.
إنَّنا نجددُ الدعوةَ للحوارِ الإقليمي وحوارِ الدول المؤثرة في القرارِ الإقليمي لنتمكن من وضعِ الحلول لأزماتِ المنطقة ونمنع من إعادةِ داعش وأمثالها.
أيها الايزيديون الشرفاء أيها الأحبة لستم وحدكم الضحايا إسلامنا هو الآخر وقع ضحية هؤلاء حين مارسوا أبشع الجرائم بحقكم وبحق مكوناتٍ أخرى من أبناءِ شعبنا باسمه وهو منهم براء
فالإسلامُ دينُ السلام ودينُ المحبة والتعايش وحاشا للإسلام وأي دين سماوي أنْ يقبلَ بمثل هذه الجرائم النكراء أنَّهم استغلوا الإسلام ضحيةً للوصول إلى مآربهم الدنيئة أيها الأحبة التضحيات الجسيمة هي التي تنتجُ نتائجَ عظيمة . والمكون الايزيدي لم يكن معروفاً في أماكن كثيرة من العالم قبل هذه المحنة لكنه اليوم أصبح شائعاً ومعروفاً يتحدث به الجميع، والعالم أصبح يقفُ عند هذا المكون وقفة احترام وينحني تقديرا لتضحياته والانتصارُ العراقي ما كان يمكن أنْ يتحقق لولا كل هذه التضحيات ونحن اليوم شركاء في الانتصار كما كنا شركاء في التضحية في
الامس القريب وأنتم الايزيديون الكرام الشركاء الأساس في تحقيق هذا الانتصار وهنيئا لنا شراكتكم في هذا الوطن وشراكتكم في تحقيق الانتصار على الإرهاب . إنَّما تعمقُ مكانة
الايزيديين في العراق وطنيتهم وتشبثهم بالأرض وتمسكهم به وهذا ما وجدناه واضحا في كلامِ السيدة الكريمة المضحية(فتاة ناجية ايزيدية ألقت كلمةً في الحفل) وفي الفيلم الذي شاهدناه معنا وأدعوهم وأنا الأخ الصغير لهم جميعا أنْ يتشبثوا بوطنهم ويتمسكوا به ويدافعوا عنه ونحن معهم في ذلك نحن مع تحقق العدالة بمعاقبةِ من استباح دماء الايزيديين وغيرهم من العراقيين ولكننا نشدد على أنَّنا مع العدالةِ ولسنا مع الثأرِ من أولئك المجرمين فالعدالةُ هي التي تنصفُ الضحايا وتعززُ الاستقرار ونحتاجُ إلى سلةٍ متكاملةٍ في التعاملِ العادل مع هذه الظواهر والنتوءات إنَّنا بحاجةٍ إلى تفعيلِ التسوية الوطنية في المرحلةِ المقبلة ووضعِ معالجات جذرية وأساسية للنتوءاتِ والتصدعاتِ في البنيةِ المجتمعيةِ العراقيةِ وإعطاء كل ذي حقٍ حقه.
أنا أعرفُ أنَّ الكثيرَ من الايزيديين الذين تحدثتُ إليهم يعتقدون بأنَّ هناك أبناء عشائر محيطة بهم كانتْ تسكنُ في تلك الأماكن ساهمتْ بالاعتداءِ والجرائم ، فكيف نميزُ بين أولئك وبين العشائر التي تسكنُ تلك المناطق ونخلقُ تسويةً عادلةً لا تغطي أولئك المجرمين ولكن تنصف العشائر التي تعيش في تلك المناطق وتجاور الايزيديين منذ أمدٍ طويل.
علينا أنْ نشيد بالحشد الايزيدي الذي وقف وضحى من أجل تحرير الأرض ويقف اليوم ويضحي من أجل مسك هذه الأرض ونشيد بدورِ المرجعية العليا ورعايتها للمكون الايزيدي وكل ما بذلته من جهود لتخفيف معاناة الايزيديين وعلينا أنْ نشيد بدعمِ الحكومة العراقية والدعمِ الدولي لهذا المكون في مظلوميتهِ ومتابعةِ حقوقه وكان لنا الشرف في مؤسسةِ الحكيم الدولية أنْ نعقدَ العديد من الندواتِ لمنظمةِ الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ونستضيف ناجيات ليتحدثن للعالم عن حجم الانتهاكات التي أصيب بها هذا المكون.
إنَّ التعويض للمكون الايزيدي يجب أن يتناسب مع حجم التضحيات ولذلك ندعو إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التي منها:
1- اعتبار ما تعرض له الايزيديون من انتهاكاتٍ على يدِ عصابات داعش جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية .
2- تدويل هذه الجريمة النكراء بحق الايزيديين وملاحقة ومحاكمة كل المجرمين الذين تورطوا بها بالمحاكم الدولية .
3- تشكيل فريق دولي للبحث عن المفقودين من النساء والأطفال من المكون الايزيدي وسائر المكونات العراقية الأخرى.
4- اعتبار منطقة سنجار منطقة منكوبة وإعطائها الأولوية في الإعمار والبناء ومعالجة الإشكاليات.
5 - تأهيل الأطفال والنساء الذين تعرضوا لجرائم داعش والمساهمة في دمجهم بالمجتمع.
6- الإسراع في تأمينِ العودة الطوعية للنازحين الايزيديين كافة إلى مناطقهم .
7- الإسراع في إعادة إعمار المناطق المتضررة كافة في جبل سنجار وغيره من مناطق الايزيديين وسائر المناطق المتضررة من الإرهاب.
8- ضمان تمثيل المكون الايزيدي في المناصب الحكومية بشكل ملائم ومناسب.
9 - تعويض المختطفات الايزيديات بما يتناسب مع حجم الأذى والجور الذي لحق بهن .
10- إقامة صرح تذكاري لهذه التضحيات العظيمة ليبقى شاهدا على حجم الجريمة النكراء التي تعرض لها المكون الايزيدي .
التظاهرات والاحتجاجات
شهدنا تظاهر أبناء شعبنا للمطالبةِ بأبسط الحقوق ولابد أنْ نعترفَ بسخطِ شعبنا تجاه التدهور الخدمي وعلى الجهاتِ الحكوميةِ المختصة أنْ تضعَ حداً لهذه المعاناة المستمرة من غياب أبسط الخدمات. لقد حاول بعض المندسين استغلال مشاعر الناس وتوجيهها باتجاهٍ خاطئ لكن ذلك لا يسوغ لنا النظر لهؤلاءِ المتظاهرين بعين التشكيك والتخوين وتناسي أنَّ الاحتجاج السلميّ من أبرز مواصفات الشعوب الحية وأنَّ هذه الأصوات المطالبة بأبسطِ الحقوق هي الضمانُ الحقيقي لمنعِ أي تقصير أو تسلط من المسؤولين المعنيين تجاه شعبهم ، نقولها بصراحةٍ تامة نحن مع شعبنا في مطالبهِ الحقة ولن نسمحَ بتخوين شبابنا بسبب استغلال بعض ذوي الأجندة الخاصة . ونرى أنَّ الحفاظ على المتظاهرين لا يتحقق بحمايةِ شخوصهم فقط، وإنَّما بحمايتهم المعنوية
والاستجابة لمطالبهم الحقة والمشروعة وعلى جميع السياسيين أنْ يعوا هذه الحقيقة ، حقيقة
أنَّنا أمام جيل شبابي مختلف لم يعش تعقيداتِ الماضي وعقده ولن يكترث لتوافقاتِ الحاضر بين الطبقةِ السياسية وإنَّما يتطلع بقوة نحو المستقبل وعلينا احتواؤه واحتضانه .
تشكيل الحكومة ومعايير المرجعية
في خطوةِ تشكيل الحكومة ليس لدينا ما نضيفهُ على ما تحدثتْ به المرجعيةُ العليا نحن بحاجةٍ إلى رئيسِ مجلس وزراء قوي وحازم وشجاع ولو كان تيارُ الحكمةِ قد حازَ على عددٍ متقدمٍ من المقاعدَ لقدَّمَ مرشحاً شاباً تتوافرُ فيه هذه المواصفات ، واليومَ أدعو الكتلَّ الكبيرة الفائزة لتسميةِ مرشحها بوضوحٍ تام ممن تنطبقُ عليه هذه المواصفات كما نجددُ الدعوةَ لجلوسِ القوى الفائزة على طاولةِ الشروط الوطنية التي عرضتها المرجعيةُ الدينية العليا بحكمِ موقعها المعنوي ..
ونؤكدُ على أنَّ بحاجةٍ إلى معادلةٍ قوية والمعادلة السياسية القوية تتطلبُ :-
أولا : - تحالفاً قوياً بين القوى الفائزة.
ثانيا: - رئيس مجلس وزراء قوي جدا .
ثالثا : - حكومة وكابينة وزارية قوية .
ومن دون اجتماع هذه الأمور الثلاثة أي رئيس وزراء قوي وكابينة وزارية قوية تحظى بدعمِ وإسنادِ أغلبية نيابية قوية ، بدون ذلك كله لا يمكن إنجاز المهمة المطلوبة ، أنَّنا نجددُ التزامنا بما ذكرناه قبل الانتخابات بمبادئ أساسية في تشكيل الحكومة المقبلة :
أولا :- يجبُ أنْ تكون هناك حكومة وطنية تحققُ الخدمات للمواطنين ولا يمكن تحقيق الخدمات من دون الاستقرار السياسيّ ولا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي وحفظ النظام من دون رضى الشعب لذلك فإنَّ إعادة ثقة شعبنا بالطبقةِ السياسية هو التحدي الأكبر ويجب تشكيل حكومة تعتمدُ بالدرجةِ الأساس على تقديمِ الخدمة وإصلاحِ الفشل بإجراءاتٍ جوهريةٍ حازمة.
ثانيا :- نحتاجُ إلى مشروعٍ إصلاحي واضح الملامح ومحددٍ بسقفٍ زمني واضح ليتم مراجعة أدائه عبر المؤسسة التشريعية بشكلٍّ دوري .
ثالثا :- الخدمات الضرورية وفرص العمل وإصلاح الواقع الصناعي والزراعي من أولى أولوياتِ المشروع الإصلاحي والخدمي والحديث عن إصلاحِ كل شيء دفعة واحدة هو كذبة كبرى فلنركز على حلِّ أهم المشاكل ونراكم عليها ونعالج المشاكل الأخرى تباعا .
المتغيرات الإقليمية
لا يمكن أن نغض الطرف عن ما يجري من صراعٍ دوليّ وإقليميّ محموم يستهدفُ أمنَ بلدنا والمنطقة فالعراق كان وما يزال وسيبقى له الدور الفاعل والرئيس في محيطه (جيوستراتيجي) والجميع يترقب موقفه لثقله التاريخي ..
سبق و أكدنا واليوم نجددُ ذلك التأكيد بأنَّ مصلحةَ العراق وأمنه القومي يتطلب منه الابتعاد عن سياسةِ المحاور والتخندق ، وعلينا أنْ نعطي للعراق دور الالتقاء والحوار بين الأطراف وأنْ نكون فاعلين في ذلك ..
سلاماً على شهداءِ العراق وسلاماً على شهداءِ الايزيديين وتحية إجلال وإكبار لكلِّ أولئك الأسرى وحرائرنا وأخواتنا وبناتنا ممن أُعدوا اليومَ من الناجيات، ومن اللاتي مازلن في قبضةِ أولئك المجرمين ونتمنى أن نلتقي في العامِ المقبل ونكون قد احتفلنا بإطلاقِ سراحهن جميعا.