• نص الخطبة السياسية لصلاة عيد الفطر المبارك بإمامة السيد الحكيم 1444هـ - 2023 م

    2023/ 04 /22 

    نص الخطبة السياسية لصلاة عيد الفطر المبارك بإمامة السيد الحكيم 1444هـ - 2023 م

    بسم الله الرحمن الرحيم 

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين

    إخوتي وآخواتي المؤمنون ...

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

    -مرّ علينا شهر رمضان المبارك في هذا العام مع قدر كبير من الاستقرار الأمني والسياسي والانسجام والتكاتف الاجتماعي في بلادنا ، وهو الأمر الذي شاهدنا انعكاسه المباشر على أبناء شعبنا الكريم من حيث أجواء الارتياح العام والتفاؤل بالمستقبل والأمل باستمرار وتراكم هذه الأجواء الإيجابية الطيبة، مما يستدعي منا العمل المضاعف والتعاون الوثيق للحفاظ على هذا المناخ السياسي والاجتماعي المتنامي والمطلوب.

    -يجب التأكيد على أن هذا التفاؤل الجمعي لم يأت من فراغ وإنما جاء حصيلة مسارات وانفراجات وانتصارات سطرها الشعب العراقي في ميادين مختلفة خلال العقدين الماضيين ولعلنا نتطرق إلى أهمها كما يأتي:

    -المنجز الديمقراطي من خلال ترسيخ دعائم الحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة ، وهو الأمر الذي تغلب على عقود من الاستبداد والديكتاتورية وهيمنة الحزب الواحد و الحاكم الأوحد.

    -إن معادلة شعبنا الثابتة ، هي امتلاكه سلطة البقاء أو الرحيل لكل من يخدم مصالحه أو يخرج عن المسارات القانونية التي يفرضها ، كلاً بحسب موقفه وهذا المنجز الديمقراطي التداولي هو أكبر انتصار لأي شعب تواق للحرية والعدالة وحكم الشعب لنفسه.

    -الإنجاز الآخر هو الهوية الوطنية الجامعة للعراقيين ، التي تمثلت في دحر أجندات الفتنة والانقسام والتقسيم وتجذرت هذه الهوية لصالح العراق الواحد بشعبه ودولته وترابه في مفهوم كبير عنوانه (إدارة المجتمع العراقي لتنوعه الغني والتاريخي).

    -وما يدعو إلى الاعتزاز هو حديث المكونات الاجتماعية العراقية اليوم ، فهو لا يدور مدار المجاملات والشعارات بل مدار الاحترام المتبادل المستند الى التاريخ الواحد والجغرافيا المشتركة وضرورة التكاتف والتعاون والظهور بمظهر الوحدة والعمل المشترك.

    -وهذا الإنجاز يمثل ركيزة استقرار العراق وقوته واقتداره في الداخل وفي المحافل الدولية.

    -الإنجاز الكبير الآخر يتمثل في مقارعة وتفكيك ودحر الشبكات والتنظيمات الإرهابية الظلامية التي أبعدت عن أبراجها العاجية ومنابرها الزائفة ومساحات سيطرتها الموهومة إلى الكهوف والأنفاق المظلمة في الصحاري والبراري والجبال التي جاءت منها ، ومنها إلى المحاكم والسجون ، فضلا عن هروب عناصرها وأذنابها الى خارج العراق.

    -إن هذا الانتصار النوعي للعراق على الإرهاب وفلوله لم يكن بالعمل الهين ، بل جاء نتيجة فتوى مقدسة وشعب متكاتف ودماء طاهرة وعقيدة نقية وهوية وطنية جامعة.

    -رسالة العراقيين اليوم واضحة وصريحة لمن يريد بالعراق سوءاً أو ضرراً ، (إننا هنا على أرضنا صامدون ، ندافع عنها بالغالي والنفيس ، ولن نسمح لغربان الإرهاب والتطرف أن توقع بنا وبوطننا ومصالحنا ، وسنقطع دابر المعتدين والمتجاوزين والمتربصين بوحدتنا وتكاتفنا ومرجعيتنا وعقيدتنا وهويتنا العراقية الأصيلة).

    -الإنجاز الآخر هو انتصار العراقيين على محاولات التشويه والتزييف الاعلامي لتجربتهم و وجودهم الأصيل ، وقد تغلب العراقيون على هذه الهجمة بصبرهم وكرمهم ونجاحاتهم في الميادين الرياضية والثقافية والعلمية والفنية والأدبية التي جعلت راية العراق ترفرف على أكثر من صعيد لتصحح الأفكار وتسوق لقوة العراقيين وحضورهم الواضح في المحافل كلها.

    -إن الدبلوماسية الشعبية التي مارسها أبناء شعبنا من خلال المشاركات الدولية وتفعيل السياحة ، واحتضان الزيارات المليونية والأنشطة الرياضية والمسابقات العلمية والفعاليات الإعلامية واستثمار منصات التواصل الاجتماعي بما يعزز الهوية الوطنية قد أعادت العراق والعراقي إلى صدارة المشهد العربي والإسلامي ، واليوم بات الجميع يطلب ود العراقيين بفعل تأثيرهم وصفاتهم و نخوتهم و شهامتهم.

    -ومن الإنجازات المشرّفة الأخرى هو تحول العراق على مستوى علاقاته الخارجية من دولة مارقة ومشاكسة ومنعزلة ومحاصرة إلى دولة مقبولة ومحترمة تنشد السلام في أعين العالم.

    -وإنما حصل ذلك من خلال اعتماد العراق سياسة الانفتاح والتعاون والحياد الإيجابي والاحترام المتبادل مع الجميع ، وصولاً إلى لعب أدوار دولية وإقليمية في تقريب وجهات النظر المتقاطعة ومعالجة الأزمات المستعصية في المنطقة ، ليكون محطة تواصل آمنة بين الدول لتحقيق الأمن والأستقرار الإقليمي والدولي.

    -العراق اليوم يعود للواجهة بقوة المنطق لا بمنطق القوة ، وبسلاح الحوار لا بأسلحة الدمار ،وبسياسة الانفتاح لا بسياسة العزلة والانغلاق.

    فنشاهد عقد المؤتمرات الاقليمية في بغداد واستقبال الوفود الإقليمية والدولية التي تشكر دولة العراق وشعبه على أدوارهم البناءة الإيجابية.

    -هذه الإنجازات وغيرها ما كانت تتحقق لولا نضوج التجارب وعبور المنزلقات الخطيرة وتكاتف الجهود من قبل الجميع.

    -وأمامنا اليوم تحديات وفرص أساسية تتمثل في الجوانب التالية:

    أولاً: التمسك بالمكتسبات الحاصلة وتنضيجها وتقويتها لتكون مكتسبات دائمة وثابتة ومتنامية.

    ثانياً: الحفاظ على الأمن و الاستقرار السياسي والاجتماعي بما ينعكس على حفظ المكتسبات واستثمار الفرص وتنميتها وقطف ثمارها.

    -وهنا نحذر من وجود أجندات لا تزال تعمل بعقلية الماضي في استهداف المكونات العراقية لإرباك وخلخلة استقرار أهلنا في الوسط والجنوب من العشائر الكريمة والمضحية.

    أقولها بوضوح وصراحة...

    لن نسمح لأي طرف أن يعيد العراق الى مربع الطائفية والانقسام والتطرف والفرقة ، وسيكون لنا موقف حازم في التصدي لهذه الأجندات المكشوفة والمفضوحة.

    ثالثاً: مواجهة التحديات الاقتصادية والخدمية وتشغيل المشاريع المتلكئة بجهود مضاعفة وخطط محكمة و إدارة مثلى ، لتحقيق نصر آخر لصالح أبناء شعبنا الصابر المثابر.

    فالأولوية القصوى تتمثل اليوم في كيفية جعل العراق ساحة استثمارية جاذبة و ورشة عمل خدمية وعمرانية كبرى ، والانتهاء من فُصُولِ الفَساد والفشل والفوضى والجمود في هذا الميدان.

    -إن البحبوحة المالية المتحققة مع وجود كابينة حكومية تضم شخصيات مخلصة وميدانية وفاعلة ، تعطي جرعات الأمل المضاعفة لأبناء شعبنا في إمكانية تجاوز عقبات الفساد و سوء الخدمات.

    -وإن مائدة الأسرة العراقية يجب أن تتوسع بتقليص مساحات الفقر والفساد والمواطن العراقي يجب أن يكون أمام خيارات وفرص تنموية متعددة ومتنوعة ، تغنيه عن دهاليز التعطيل و التجميد لطاقاته وقدراته.

    رابعاً: أحيي خطط رئيس الوزراء العراقي في إشراك الشباب ودعم مشاريعهم الناشئة الخاصة من خلال مبادرات الريادة والتمويل والإحالة المباشرة.

    فكلما أشركنا المجتمع في النهضة العمرانية ، كلما خففنا عن كاهل الدولة و وقفنا لصالح المواطن وقللنا ومن احتكار الدولة لكل شيء واتجهنا إلى تعاون المجتمع مع الدولة في جميع المجالات.

    -إن نجاح الآف الشركات الخاصة والشركات والرؤى الشبابية الناشئة التي ستتسع خلال سنوات قليلة بفضل جهودهم وتجاربهم ومواردهم الخاصة ، ستكون بمثابة ألية ناجعة لمكافحة الفقر والبطالة وهدر الطاقات البشرية.

    -إن العديد من المحافظات العراقية تشهد اليوم نهضة عمرانية تسر القلوب ، وبإقرار الموازنة العامة للدولة ، يجب رؤية المحافظات الأخرى ملتحقة بركب التنمية والتطور والنهوض.

    -أدعو الحكومة الموقرة للاستمرار في متابعة شؤون المحافظات ونسب الإنجاز فيها واتخاذ القرارات الجريئة بمعالجة مشاكلها.

    -ونحن إن شاء الله مقبلون على أعوام النجاح والإنجاز ، وما بات من المقبول أن نجرب وننتظر ونصبر على أي فشل آخر في محافظاتنا و وزاراتنا ومؤسساتنا.

    -كما إن تفاؤل الناس يجب أن ينتقل من أمنيات إلى أفعال ، ومن خطط إلى وقائع ، ومن أحلام إلى حقائق عينية ، والظروف مؤاتية لذلك.

    خامساً: التحدي الكبير الذي يواجهه العراق هو تحدي المخدرات وارتفاع نسب التعاطي والاتجار بهذا السم القاتل ، وطالما توقفنا وتحدثنا وأشرنا فداحة هذا الموضوع.

    وهنا أدعو مجدداً إلى حملة حكومية وشعبية كبرى لمواجهة هذا الغزو المدمر لشبابنا وأسرنا من خلال تثقيف المجتمع و وقايته من هذا الخطر الداهم ، من خلال اجراءات حكومية صارمة في تجفيف منابع هذه التجارة الهدامة ومعاقبة مرتكبيها ، والذهاب إلى انشاء مشاف تخصصية للمدمنين في المحافظات المعرضة لهذا الخطر.

    -وحين نطلع على تقارير تؤكد على أن العديد من محافظاتنا لاتملك مشافي ولا أدوية وعلاجات كافية لمساعدة المدمنين ، فإننا نتشاطر قلق العوائل التي تريد تحصين أبنائها أو معالجتهم من هذه الآفة.

    -كما أن انتشار المخدرات في المدارس والجامعات وحتى في بعض دوائر الدولة بات أمراً مؤسفاً ومقلقا وبحاجة إلى اجراءات صارمة وخطوات واثقة من الدولة وأجهزتها الأمنية والتربوية والتعليمية والإعلامية ومن الفعاليات الإجتماعية ومنظمات المجتمع المدني.

    -إقليميا ودولياً نرحب بالتقارب الإيراني -السعودي الحاصل ، الذي باتت ملامحه واضحة في استقرار المنطقة وتفكيك الملفات العالقة وحل الأزمات المستعصية.

    -إن تعزيز الوحدة الإسلامية ومبادئ حسن الجوار ومصالح المنطقة وشعوبها ، تحتم علينا جميعا التقارب والتكاتف مع بعضنا من أجل الخير والسلام.

    وإن الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية يمتلكان المقومات الكاملة والدوافع الكافية للحوار والتفاهم والمشاركة في تنمية المنطقة واستقرارها، والعراق يرى نفسه الداعم والرابح والمستفيد الأكبر في هذه المعادلة الهادفة.

    -نترحم على ضحايا الزلزال الأخير الذي حصد أرواح عشرات الآلآف من المواطنين في جمهوريتي (تركيا وسوريا) ونحيي جهود شعوب المنطقة والعالم كافة المساندة للشعبين الشقيقين المسلمين وفي مقدمتهم جهود شعبنا العراقي الكريم الذي اندفع لمساعدة الأشقاء والأصدقاء والجيران بنخوته وشهامته المعهودة.

    -كما نجدد استنكارنا الشديد لكل التجاوزات الإسرائيلية المستمرة بالعنف والتعدي على حقوق شعبنا الفلسطيني المظلوم.

    وستبقى فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى ، التي لانحيد عنها حتى الانتصار الكامل للمظلوم على الظالم ، ولأصحاب الحق والأرض على المعتدين والغاصبين.

    تحية إجلال لشهدائنا وعوائلهم ، ولجرحانا المضحين من أبناء قواتنا المسلحة الأبطال بكل أصنافهم وتحية لمراجعنا العظام ولاسيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف) ولأبناء شعبنا الغيارى.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    اخبار ذات صلة