السيد الحكيم في ملتقى الشرق الأوسط (ميري): العراق أمام مفترق طرق والانتخابات المقبلة مفتاح الاستقرار المستدام ومكافحة الفساد تتطلب إصلاحات بنيوية
خلال استضافته في ملتقى الشرق الأوسط 2025 (ميري)، بيّن سماحة السيد الحكيم، رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، الثلاثاء ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥، أن العراق عانى من أزمات سياسية واجتماعية وأمنية واقتصادية، ومن أزمة في تقبّل معادلة عام 2003 من محيطه الإقليمي والدولي، مؤكداً أن البلاد اليوم تعيش حالة من الاستقرار على جميع الأصعدة، مع وجود تطور إيجابي على الصعيد الاقتصادي، وانفتاح عربي وإقليمي واضح.
كما أشار سماحته إلى أهمية الانتخابات القادمة بوصفها المسار نحو الانتقال من حالة الاستقرار الحالية التي تتسم بالهشاشة إلى حالة الاستقرار المستدام.
وبيّن سماحته أن هناك علاقة عكسية بين التدخلات الخارجية وقوة الدولة، فكلما قويت الدولة ضعفت التدخلات الخارجية، والعكس صحيح. وأضاف أن الواقع الحالي يشهد تراجعاً كبيراً في التدخلات الخارجية، ويُعزى ذلك إلى قوة الدولة العراقية وتفهم تلك الدول بعدم الخوض في التفاصيل الداخلية، وإلى رغبة العراقيين في صناعة قرارهم وفق إرادتهم ومصالحهم الوطنية.
وأكد سماحته أن المرحلة المقبلة ستشهد اندماج الجميع داخل الدولة العراقية، مشيراً إلى أن وجود قوى سياسية تشارك في الانتخابات وتدافع عنها، وهي توصف بأنها قوى مسلحة، يمثل تطوراً مهماً، إذ أصبحت هذه القوى اليوم جزءاً من العملية السياسية وتتنافس مع غيرها على ثقة المواطن.
وبيّن السيد الحكيم أن الدستور الحالي يمثل عقداً اجتماعياً يجسد إرادة العراقيين وتوجهاتهم، لكنه واجه في التطبيق مشكلة تمثلت في أن أغلب الأطراف ركزت على حقوقها وأغفلت التزاماتها، وهذا منهج غير مقبول، إذ إن ما هو حق لك هو التزام على الآخر، وما هو التزام عليك هو حق للآخر. ودعا سماحته في هذا السياق إلى القبول بالدستور بكل ما فيه، مشيراً إلى أنه لا مانع من مراجعة العقد الاجتماعي و السياسي بعد مرور عشرين عاماً، عطفاً على المتغيرات، وللتأكد من سلامة المسارات. كما أوضح أن المرحلة القادمة يمكن أن تكون مناسبة لبحث القضايا الاستراتيجية، ولا سيما تلك التي تحتاج إلى أغلبية الثلثين.
وأشار سماحته إلى أن الدستور نُفذ منه الكثير، واختلف حول تفسير مواده أيضاً، موضحاً أن الاتفاق النفطي الأخير بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم مؤشر على وجود رؤية تكاملية مقبولة من الطرفين، يمكن أن تسهل تمرير قانون النفط والغاز أكثر من أي وقت سابق، وعندما يصدر هذا القانون ستنتظم الأمور في واحد من أهم الملفات الوطنية.
وعن النظام الفيدرالي في العراق، قال سماحته إن الأنظمة الفيدرالية تواجه إشكالات في كل مكان تتعلق بالصلاحيات والمساحات بين المركز و الولايات، وبين الولايات ذاتها، لكن النظام السياسي في العراق يسير في الاتجاه الصحيح، والاختلافات بطبيعتها أمر مقبول، شرط ألا تتحول إلى خلافات وخصومات تؤثر على الواقع الاجتماعي.
وبيّن سماحته أيضاً أن واردات العراق في أغلبها نفطية، وأن الموازنة تُعد وفق هذه الإيرادات وتُوزع على الشعب العراقي بحسب النسب السكانية، مؤكداً أن الحكومة الاتحادية تتعامل مع المحافظات بعنوان موظفين مقيدين في سجلاتها، فيما تتعامل مع الإقليم بعنوان النسبة من الموازنة، ولذلك لا تظهر رواتب إقليم كردستان في سجلات وزارة المالية. وأعرب عن أمله بأن يسهم الاتفاق الأخير بشأن ضخ النفط عبر شركة سومو في تحقيق فرص عادلة لتوزيع الثروة بين جميع العراقيين.
وعن مكافحة الفساد، قال سماحة السيد الحكيم إن العراق يحتاج إلى أطر تمنع الفساد، مؤكداً أهمية الشفافية والوضوح، ومغادرة البيروقراطية والدهاليز المظلمة التي تساعد على استشراء الفساد. وشدد على اعتماد النافذة الواحدة والأتمتة والتحول الرقمي باعتبارها مداخل مهمة لمكافحة الفساد، خاصة في الملفات الكبرى، داعياً إلى معالجة ظاهرة الفساد معالجة بنيوية.
وأكد سماحته أن العراق اليوم في مفترق طرق، وأن علينا ألا نضيّع المنجزات المتحققة، بل أن نراكم عليها وصولاً إلى الاستقرار المستدام. ومن هنا، تتأكد أهمية الانتخابات والقيم التي ينبغي أن تسود في التنافس الانتخابي، داعياً إلى الابتعاد عن الممارسات التي تعقد المشهد بعد 11/11، ومشدداً على أهمية السلوك القويم قبل الانتخابات لتمكين القوى السياسية من تسريع تشكيل الحكومة، لأن الإسراع في تشكيلها يمثل تطوراً كبيراً في النظام السياسي. وأعرب سماحته عن تفاؤله بأن تسهم الانتخابات المقبلة في تعزيز الاستقرار.
وفي ما يتعلق بتشكيل الأقاليم، بيّن سماحته أن الأقاليم موضوع دستوري، معرباً عن رفضه لتشكيلها على أسس مذهبية أو إثنية، مؤكداً أن التشكيل ينبغي أن يكون بعنوان إداري. وقال إن خطوة الأقاليم في الوقت الحالي تُعد متسرعة، بالنظر إلى الإشكاليات التي مرت بها المرحلة والتطورات الإقليمية، مجدداً الدعوة إلى منح الحكومات المحلية صلاحياتها الدستورية وفق مبدأ اللامركزية الإدارية.