نص خطبة السيد الحكيم السياسية في عيد الفطر المبارك ١٤٤٥ هـ - ٢٠٢٤ م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين
يمر علينا هذا العيد السعيد مقترناً بالذكرى السنوية لسقوط الدكتاتورية وانبثاق النظام الديمقراطي في العراق.
والتي تزامنت مع ذكرى استشهاد الإمام الشهيد الصدر (قدس سره) في رسالة اعتبار عظيمة بأن الدم يثأر لنفسه وأن المظلوم سينتصر ولو بعد حين.
لقد اسـتطاع الـعراقـیون بـفضل ﷲ وتـوفـیقه أن يعبروا محطات صـعبة وعسیرة فـي خضم تجربتھم السیاسـیة خلال العقدیـن الأخيرين .. حـیث مـرت التجـربـة السـیاسـیة بـمنعطفات خـطیرة كـادت تـعصف بـكل التضحيات والمنجزات لولا حكمة المرجعية الدينية العليا واخلاص القوى السیاسیة الوطنیة في تقدیم المصلحة العلیا للبلد على أي اعتبار آخر..
نشكر الله تعالى على استتباب الأمن في البلاد ، بفضل الجهود الحكومية والأمنية والعسكرية التي تبذل من جميع المؤسسات والقوات المسلحة الباسلة في :(الدفاع والداخلية والحشد الشعبي والبيشمركة والأمن الوطني وجهاز المخابرات ومستشارية الأمن القومي) بقيادة الأخ السوداني ، وعلى الجميع أن يتكاتف ويتعاون في الحفاظ على المنجز مجتمعاً وحكومةً ونخباً وقوى سياسيةً ومؤسسات وبرلمان.
ومثلما كـانـت ھـناك بعض الأخطاء فـي أداء الـمھام والـواجـبات.. فكذلك كـانـت ھـناك تـضحیات وصـبر وإیـثار لـن یـتنكر الـتاریـخ لأصـحابـھا ومـواقـفھم المشرفة فيها .. وھـي مـواقـف يجدر استحضارها والـمراكـمة عـلیھا والـمضي بـاسـتمرار نـحو المسار الإصلاحي للبلد. عبر المراجعة والتقییم المستمر لتحقيق الإصلاح المنشود..
ولطالـما كـانـت الـمراجـعة والـتقییم حاضرين فـي أذھـانـنا عـند كـل محـطة يشهدها الـبلد.. فـالـغایـة ھـي الـتصحیح والالـتزام بالـمسار الـذي یـحفظ وحـدة الـعراقـیین ویـحقق حـیاة حـرة كـریـمة لهم .. دون أن تـتحول الـمراجـعة والتقویم إلى تصفية حسابات سیاسیة ھدفھا الإرباك وتعطیل الحیاة الیومیة للناس وتأخيرعجلة بناء الدولة.
لـذا فـإنـي أدعـو الـقیادات الـوطـنیة إلى اجتماعٍ مركزي رفيع يقوم على اسـتثمار الـبیئة الإیـجابـیة الـتي یـعیشھا الـبلد حـالـیا والاسـتفادة مـنھا فـي مـراجـعة التجـربـة السـیاسـیة فـي الـعراق وتقويمها والخـروج بـنقاط جـوھـریـة ومـفصلیة تـعالـج الأخـطاء الـبنیویـة الـتي تتسـبب فـي حـالات الانسـداد السـیاسـي لـلبلد.. ولـطالـما كـانـت حـالات الانسـداد السـیاسـي معطلة ومربكة لمسار بناء الدولة وتطويرها.
إننا بـحاجـة إلـى إصـلاحـات عـمیقة لـبنیة النظام السیاسـي في بعديه الاقتصادي والتشریـعي .. على أن تكون ھذه الإصلاحـات من رحم التجـربـة السـیاسـیة الـتي خـاضـتھا الـقوى السـیاسـیة الـوطـنیة في العراق .. فـلا نـریـد أن نـبدأ مـن الـصفر ونـعرض الـبلد إلـى الفراغ والإربـاك السـیاسـي.. بـل نـریـد اصـلاحـاً بـنیویـا ینسجـم مـع طـبیعة نـظام الـدولـة الاتـحادي مـن جھة.. و یكون منطلقا من مؤسساته الدستوریة دون تسويف وتعطيل من جھة أخرى.
إن وحـدة الـكلمة.. والـمشاركـة فـي الـقرار.. والـتوافـق الـوطـني.. تمثل ثـلاثـیة الـقدر الـعراقـي الـذي یـجب أن لا نـتغافـل عـنه فـي محـطات الـعمل السـیاسـي.. كما يجب أن لا نسـتغرق بـمفاھـیم غـیر واقـعیة بـعیدة عـن الـبیئة الـعراقـیة وخصوصیته المجتمعیة المركبة.
-إن ترسيخ معادلة (العراق أولاً .. والعراق للعراقيين ) سيساعد الجميع على الشعور بالمسؤولية المضاعفة والاتكاء الحصري على القوة الداخلية وضرورة التقارب والتفاهم البيني إزاء الملفات كافة ، مما يجلب الثقة بالنفس واحترام الآخر والانتقال من مرحلة التشكي و التشظي السياسي إلى مرحلة النضوج واتخاذ القرار الصحيح .
ويجب أن نعي بأننا لا نملك إلا هذا الوطن ولا نقوى إلا بتمسكنا ببعضنا ولايمكن أن نرتقي إلا بارتقاء أدائنا السياسي ونجاحنا في ايجاد الآليات العراقية المناسبة لصناعة القرار الوطني.
إن الـعراق كـبیر بـشعبه وعـریـق بـتاریـخه وحـضارتـه .. ولا یـمكن اخـتزالـه بـجھة أو مـكون دون آخـر.. فالـعراق بـلد الجمیع..
لـقد بـات مـن الـضروري أن تـتجه الـقوى السـیاسـیة الـوطـنیة ومـؤسـسات الـدولـة نـحو النهج الإسـتراتـیجي فـي تحـدیـد الـمصالـح الـعلیا لـلبلد وآليات تـحقیقھا وسـبل حـمایـتھا بحـرص وطـني متجـرد عـن الـتنافـس السـیاسـي المحـموم فـي الـمواسـم الانـتخابـیة.. وبـخلاف ذلـك فـإنـنا سـنعرض البلد إلـى مـزیـد مـن ھـدر الـفرص والـتفریـط بـمصالـح الشعب.
إنـني أدعـو الـحكومـة ومجلس النواب إلى اعـتماد وثـیقة وطـنیة إسـتراتـیجیة تـنص بـوضـوح عـلى تحـدیـد الآلـیات الـتي تحـمي الـمصالـح الـعلیا لـلبلد.. وأبـرزھـا حـاكـمیة الـدسـتور والـقضاء.. وأن لا نـتعامـل مـع تـلك الآلـیات بسياقات سیاسیةٍ ھمھا الربح والخسارة .. بل يكون التعامل بعقلیة الدولة والحرص على مصالح البلد وحقوق الشعب.
وأن تكون ھناك مشاركة واسعة في كتابة ھذه الوثیقة الوطنیة ضمن أسس التخصص والمنھجیة الرصینة.
إننا نريد علاقات دولية واثقة ومتكاملة ومتوازنة، تحقق مصالح بلدنا وشعبنا و وفق قواعد حسن الجوار والعلاقات الحسنة والشراكات الكبرى مع الجميع ، بعيداً عن التقاطعات والتصفيات والأجندات الضارة بنا وبغيرنا من الدول و الشعوب ، وفق معادلة آمنة تساعد على أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها.
إن الدولـة لا یمكن تقویـتھا مـن دون الاعتماد على مؤسساتھا التنفیذیة والتشـریـعیة بشكل متوازن ومسؤول .. فھـي الـممثلة والـمختصة بـالـتعامـل الـخارجـي ، وعـلیھا یـتوقـف رسـم السـیاسـة الـخارجـیة لـلبلد.. ولن یـتم ذلـك بـمعزل عـن إطـار جامع يضم الـقوى السـیاسـیة الـوطـنیة الـممثلة للشعب التي ترجمت ثـقة الـشعب لـتلك الـحكومـة.. فھـي جـزء أسـاسـي وسـانـد لعمل الحكومة وتوجهاتها.
وهنا لابد أن أشير إلى أهمية تفعيل دور مجلس النواب التشريعي و الرقابي من خلال الاسراع باختيار وانتخاب رئيس جديد ينهض بأعباء إدارة المجلس ومسؤولياته وجلساته وجدول أعماله و تنظيم علاقته بالسلطات الأخرى .
وهذا الأمر يستدعي من إخوتنا في المكون السني الكريم الإسراع في التفاهم داخل المكون لحسم ملف رئاسة المجلس ، ونحن على ثقة بإمكانيتهم في حل هذا الموضوع بوقت قريب وبصورة عاجلة ، ومستعدون لتقديم أي مساعدة مطلوبة بهذا الشأن.
كما أدعو هيئة رئاسة مجلس النواب إلى تحديد موعد قريب بعد عطلة العيد لانتخاب الرئيس في كل الأحوال والظروف لإنهاء شغور رئاسة المجلس.
والدعوة متواصلة لجميع السادة والسيدات أعضاء مجلس النواب إلى بذل مزيد من الجهد لإتمام التشريعات العالقة وتمرير حزمة كبيرة منها خدمة للصالح العام .
كما لابـد مـن تـقویـة جـمیع مـفاصـل الـدولـة ومـؤسـساتـھا الـدسـتوریـة.. فـفیھا مـصالـح الـشعب وعـلیھا تـتوقـف عجـلة الـبناء والإعمار في البلد .. وفي مقدمة ھـذه المفاصل وعـماد الخدمة فیھا ھي الحكومـات المحلیة التي لھا تماس مباشـر بمصالح الناس وخدمتھم.
لقد تـشكلت مجالـس الـمحافـظات مـن خـلال الـتحالـفات السـیاسـیة للقوى الـفائـزة فـي الانـتخابـات المحـلیة الأخـیرة.. وقد أخـذت عھـداً عـلى نـفسھا بتـطوير عجـلة الخـدمـات والإعـمار فـي هذه الـمحافـظات.. ویـجب عـلى تـلك الـتحالـفات أن تـفي بـإلـتزامـھا وعھـدھـا الـذي قـطعته .. فمن دون ادامـة اسـتقرارھـا السـیاسـي لـن تـتمكن الحكومات المحلیة من المضي في مشروعھا الخدمي.
إن الـحفاظ عـلى الاسـتقرار السـیاسـي فـي الـمجالـس المحـلیة يعد مـقدمـة أسـاسـیة لحـفظ الأمـن والـدفـع بعجـلة الخدمات نحو التطور والازدھار في محافظاتنا الحبیبة.
إن توثيق العلاقة بين المركز والإقليم و بين المركز والحكومات المحلية أمر هام وضروري لضمان عدالة توزيع الموارد والامكانيات بين الجميع و أن يكون العراق كله ورشة خدمية كبيرة لخدمة الناس واسعادهم وتطمينهم وتلبية احتياجاتهم دون تمييز أو تلكؤ .
لانـریـد ھـدراً لـلوقـت والـفرص.. ولا نـریـد مـناخـاً سـیاسـیاً مـتشنجاً فـي إدارة الـحكومـات.. ویـجب أن نـعمل معاً عـلى إشاعة لغة التعاون والتناصح بیننا {وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
فشـبابـنا یـنتظر الـتغییر ویـرنـو لحـیاة حـرة كـریـمة تـلیق بـه ویـجب عـلینا أن نـقدم لـھم أنـموذجـاً عـملیاً فـي كـیفیة اسـتثمار السـیاسـة لتحقيق الخـدمـة والـبناء.. وأن نـغیر ثـقافـة الـتشكیك الـتي اشُـیعت لـلأسـف فـي أوسـاط شـبابـنا فـي كـل مـا یتعلق بالجانب السیاسي..
ولعل السبب الأساسي في ذلك يعود إلى غـیاب التنشـئة السـیاسـیة الـمرافـقة لـلنظام السـیاسـي.. وغـیاب مـفھوم الـدولـة وشـیوع مـفھوم السـلطة بـدلاً عـنھا.. مـا یـعني أنـنا بـحاجـة إلـى إصـلاحـات بنيوية وعـمیقة فـي قـطاع الـتربـیة والـتعلیم والـثقافـة.. فـضلاً عـن الحاجة المتزايدة إلى برامج إستراتیجیة بعیدة المدى تدخل في فھم المواطن العراقي وسلوكه.
وفي ملف ذي صلة .. هناك زيارة مرتقبة للأخ رئيس الوزراء إلى واشنطن واللقاء برئيس الولايات المتحدة الأمريكية وكبار المسؤولين هناك ، و نعتقد أن هذه الزيارة مهمة و يجب أن تحظى بدعم وإجماع عراقي لتمكين الحكومة من انسيابية الحوار والتفاوض على مستقبل العلاقات العراقية -الأمريكية ، التي تأخذ أبعاداً جديدة بحسب المناقشات والحوارات والمفاوضات الجارية.
-إن العراق يريد أن يؤسس لشراكة متينة مع جميع دول المنطقة والعالم في إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع احترام سيادته وصيانة استقلاله من قبل الجميع وفي أجواء سليمة تمكن الجميع من اتخاذ القرارات الصائبة والمثمرة .
-إن التفاوض على انهاء مهام التحالف الدولي واستبدال العلاقة مع الولايات المتحدة من علاقة أمنية وعسكرية بحتة ، إلى علاقة شاملة في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والمصارف والمعرفة والجامعات والتكنولوجيا والاتصالات وتبادل الخبرات و التجارب و الوفود ، كلها أمور راجحة و مطلوبة لتطوير هذه العلاقة ، واليوم شعبنا يتطلع إلى نمط جديد من العلاقات تؤتي ثمارها وتنعكس على استقرار العراق وازدهاره.
إقليمياً.. لابدیل لمنطقتنا غیر السلام.. ولا سلام شامل من دون الاعتراف الكامل بالحقوق..
وإن الـتعنت الإسـرائـیلي والـحقد الصھـیونـي یـمثلان حجـر الـعثرة أمـام أي مـحاولـة لإرسـاء الطمأنينة والسـلام فـي مـنطقتنا الـعربـیة والإسـلامـیة.. فقد بلغ الأمر بـھم إلـى إشـعال فـتیل الحـرب وتأجيج الـصراع عـند كـل مـحاولـة للتھـدئـة والسلام بین دول المنطقة.
إن ھـذا الـكیان الـغاصـب لا یـفقه سـوى لـغة الـدم وسـھام الـفتنة.. ولا یـلتزم بـأبسـط الـمواثـیق الـدولـیة.. ولـیس لـدیـه أدنى حرمة للقیم الإنسانیة.
مـا زالـت أسماع ھـذا الـكیان الـغاصـب صـماء أمـام دعـوات الھـدنـة وإیـقاف الحرب بالرغم من قرار مجلس الأمن الملزم بهذا الخصوص .. وفي ظل صمت دولي مريب .. وذلـك لأنـھم یـمثلون بـحق لـغة الـتطرف والتعجـرف والـكراھـیة.. وعـلى دول الـعالـم أن تـدرك حقيقة هذا النظام جيداً ، وأن لاتنخـدع بمظاھر الكذب وتزییف الحقیقة التي يصنعها اللوبي الصھیوني المتنفذ في دوائر القرار العالمي للأسف الشديد.
یـجب أن لاتـسمح الدول العربـیة والإسـلامـیة بخـطف السـلام مـن مـنطقتنا مـن قـبل ھـذا الـكیان الـغاصـب.. بل يجب أن تـقف وقفة موحدة أمام محاولات التفرقة والفتنة التي تستھدف وحدة الأمة الإسلامیة ومصالحھا..
إن تـعمیق الـعلاقـات بـین دولـنا الـعربـیة والإسـلامـیة.. وتـأمـین مـصالـح شـعوبـنا المشـتركـة.. وتـوثـیق عـرى الـتفاھـم والحوار الإیجابي بیننا.. لھو أكبر سلاح نواجه به ھذا الكیان الغاصب وننتصر به لشعبنا الفلسطیني المظلوم.
ونـقولـھا للكيان الصهيوني .. قاتل الأطـفال والـنساء وعـمال الاغـاثـة والدبلوماسيين .. إنـكم مـھما عـلوتـم واسـتكبرتـم فـي الأرض.. سـیأتـي الـیوم الـذي نشھـد فـیه سـقوطـكم ونـھایـة عـروشـكم الـظالـمة.. إنـھا سـنة ﷲ وقـدره.. {وسـیعلم الـذیـن ظـلموا أي مـنقلب ینقلبون}
أعز ﷲ الإسلام وأھله..
وحفظ شعوبنا العربیة والإسلامیة من كل سوء..
وحمى ﷲ العراقیین وشبابھم من مكر الأعداء..
وحفظ الله مراجعنا العظام ولاسيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف)
ورحم الله شهداءنا الأبرار ولاسيما قادة الانتصار والشهيدين الصدرين وسفير المرجعية وشهيد المحراب وعزيز العراق.
إنه سمیع مجیب الدعاء..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..