نص كلمة السيد الحكيم في التجمع الحسيني السنوي في ساحة الخلاني ١٤٤٦ هـ - ٢٠٢٤ م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين
السلام علیكم أیھا الحسینیون إخوةً وأخواتٍ .. ھنا وفي كل مكان..
السلام علیكم وأنتم تلبون نداء الكرامة.. نداء الحریة..
نداء الإصلاح والأمر بالمعروف والنھي عن المنكر..
لقد حرصتم في كـل عـام ، وعـلى مـدى سـنوات طوال وتحت مختلف الـظروف.. على أن تـقیموا ھـذا التجـمع الحسـیني الكبیر.. شیباً وشباباً .. رجالاً ونساء .. ومن أقصى مدن ومحافظات عراقنا الحبیب..
ملبین نـداء الـنصرة لأبـي عـبد ﷲ الحسـین (ع) ومشروعه الإصلاحي الكبیر.. مشروعـه الـذي سطره التاریخ بدمه الـطاھـر.. وحـفظته الأجـیال فـي عـقولـھا وقـلوبـھا.. فـكان ومـازال مـنارا یـنیر درب الـمصلحین والأحـرار فـي كل مكان.
إن الـقضیة الحسـینیة.. والمشـروع الحسـیني.. والـمدرسـة الحسـینیة .. تعلمنا كل يوم أنها مبادئ لاتـجامـل عـلى حـساب الـحق.. ولا تھادن عـلى حـساب الـكرامـة.. ولا تـتھاون في نـصرة الـمظلوم وإحـیاء معالم الـدیـن والـقیم الإسلامية والإنسانیة النبیلة.
فـالإمـام الحسـین (عـلیه السـلام).. لـم یخـرج أشـراً ولا بـطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنـما خـرج وضـحى بـنفسه وعـیالـه وأصحابه مـن أجـل غـایـة سامية هي الإصلاح وإحقاق الحق وحماية ثوابت الدین التي انتُھكت من قبل الزمرة الأمویة الحاكمة آنذاك.
فكان أبو عبد الله الحسين ومازال إماماً للثائریـن بوجه الظلم والطغیان .. ونبراسا للحق والكرامة بوجه الذل والمھانة.. ودلیلا للسائرین على درب الإصلاح والھدایة..
أيها الكرام الأوفياء..
إن ساحتنا المحـلیة.. وما یحیط بـھا مـن أحـداث إقـلیمیة و دولـیة.. ومـا نشھـده مـن عـدوانٍ إسـرائـیليٍ عـلى إخـوتـنا فـي فلسـطین ولـبنان ومـا یسـتتبع ذلـك مـن اسـتھداف أمـن بـلادنـا ، یسـتوجـب مـنا أن نؤشر نـقاطاً ھـامـةً ومصیریة:
أولا/ لقد تخـطینا مراحل خـطیرة وكـبیرة خـلال أكثر من عقدیـن مـن الزمـن فـي تـرمـیم وصـقل العملیة السـیاسـیة في العراق.. اسـتطاع مـن خلالھا العراقیون أن یرسـخوا نظامـاً دیمقراطیاً إتحادیـا یتناسـب مع التنوع المكوناتي الذي یمیز بلدھم عن غیره من دول المنطقة.
ولقد تعرض العراقیون لشتى أنواع التحدیات الأمنیة والاقتصادیة والسیاسیة والمجتمعية .. لكنھم استطاعـوا بفضل ﷲ وحكمة مرجعیتھم الرشـیدة وصبرھـم أن یتجاوزوا تـلك التحدیـات ویحققوا انتصارات كبيرة وانـجازات عظیمة.
فلم يعد ممكناً لأية قـوة أو جـھة أن تھـدد أمـن بلادنا ووحدة شعبنا .. ولن نسمح بعودة العراق إلى مربع الخلاف والتناحـر السیاسي من جدید.. لقد أخذنـا عھـداً عـلى أنـفسنا مـع القوى الوطنیة المخلصة بالمضي قدماً نحو الاسـتقرار السیاسي المسـتدام فـي الـعراق.. وعدم السماح لأي ثـغرة تھـدد ھـذا الاستقرار الذي بات دعامة أساسیة لأي تطور و إعمار في البلد.
لن نتھاون في تحقیق حلم شبابنا لتكون لھم حیاة حرة كریمة..
لن نتھاون في أمن بلادنا وطمأنینة شعبنا ، في بناء مستقبل آمن ومزدهر یلیق بھم وبمكانتھم بین الشعوب..
لن نتھاون في الحفاظ على كل شبر من سیادة أراضینا ومیاھنا تحت كل الظروف..
وكـل مـن یـسعى أو یـفكر فـي استھداف الـعراق مجدداً .. سـیجد رجالاً لایھابون الموت ولايضعفون أمام التهدید..
وستكون نھایته على أيدي رجال حسینیین یرون في الشھادة شرفاً وكرامة ونصراً .. فنحن أبناء مدرسة عنوانها "القتل لنا عادة .. وكرامتنا من الله الشهادة"
نقولھا بوجه كل من یرید أن یعبث بأمن بلادنا ومستقبل شبابنا..
(ھیھات منا الذلة.. ھیھات منا الذلة..)
لقد اختار العراق طـریق السلم والاسـتقرار ولـن یسمح بـأن یـكون مـصدراً لتھـدیـد الآخرين .. كما أنه لن یسمح بأن تمس سیادته ومصالح شعبه ، ولن یجامل على حساب ذلك مھما كلفه من ثمن.
لقد أعـلنا منذ البدایـة مـسانـدتـنا لـحكومـة دولـة رئـیس مجـلس الـوزراء الأخ الـسودانـي فـي الـمضي نـحو اسـتقرار الـبلد وإحداث ثورة حقیقیةٍ نحو الإعمار والتطور.. وما زلنا نساند كل الجھود الخیرة نحو تحقیق ھذا الھدف..
إن شـعبنا مـا زال یـعانـي مـن أزمـة الكھـربـاء.. وشـحة مـیاه الشـرب.. وتـفاقـم آفـة المخـدرات بـین شـبابـنا.. وزیـادة خطر العاطلین عن العمل بین صفوف الخریجین..
وعلينا أن نتعاون لمعالجة ھذه الأزمات بشكلٍ جذريٍ.. ونضع سقفا زمنیا للتخلص منھا.. وأولها أزمة الكھرباء..
نـعم..ھـناك زيادة كبيرة في الانتاج وتـحسن فـي بـعض الـمناطـق.. وھـناك آلیات مسـتقبلیة لـلمعالـجة الـمطلوبـة.. لـكن الأزمـة مازالت قائمة وخطر تفاقمھا مازال یھدد الحلول بشكل جذري.
يجب إيقاف هدر الغاز المصاحب في حقولنا النفطیة.. ومتفائلون بالتقدم الحاصل في هذا الجانب..
وعلى الجهات المختصة الإسراع في استكشاف الحقول الغازیـة واستثمارھا نحو تولید الطاقـة الكھربائیة فإن ما يحتاجه العراق أكثر بكثير مما ينتجه اليوم.
فمنذ عقدين ونحن نتكلم عن سـوء الشـبكات الناقـلة وسوء التوزيع للطاقة الكهربائية.. و زيادة الأحمال .. وأن الخلل في جبایـة الكھرباء.. وغیرھا من العوائق والإشكالیات.. التي يجب مواجهتها بحلول عـملیة وواقـعیة ذات جـدوى إسـتراتـیجیة.. فالحـلول الـوقـتیة تجعلھا عصیة على الحل الجذري.
أدعـو جمیع القوى السیاسیة والقطاعـات المجتمعیة إلى مساندة الحكومة في إعلان حالـة الاستنفار الإستراتیجي لمعالجة أزمة الكھـرباء بـشكل جذري ونھائي .. وأن لا یتوقـف الأمر عند الحكومـة الحالیة فقط.. وإنما یستمر لغاية التخـلص مـن ھـذه الأزمـة الـخانـقة المستمرة .. كـما أدعو الـقطاعـات الـمجتمعیة إلى مساندة ذلك .. فمشكلة الكھرباء معقدة ومتشعبة ولا تقف عند جھة واحدة.
سـنعمل جاھـدین مع الحكومـة عـلى تحـدیـد سـقف زمـنی واضـح وواقـعی یـعلن فـیه انتهاء أزمة الكھرباء الخانقة.. التي أثرت سلباً على كافة القطاعات الاقتصادیة والزراعیة والصناعیة والخدمیة.. فضلاً عن حركة التطور والاعمار في البلد.
ويجب العمل على وصول الـعراق إلـى مـرحـلة الاكتفاء الذاتي بإذنـه تعالـى.. فذلك لیس مستحيلاً على ھمة العراقیین واخلاصهم وابداعھم في العمل والمواجھة.
ثـانـیا/ إن مـنطقتنا الـعربـیة والإسـلامـیة تشھـد تغیرات كبیرة في جمیع المجالات.. فـما شھـدتـه طـیلة الـعقود الـماضـیة مـن أحـداث وتـطورات ، قد حققت نـقلة نـوعـیة فـي الـفكر والـوعـي واسـتخلاص الـتجارب الـناجـعة.. إنـنا الـیوم أمام فرص إسـتراتـیجیة كـبیرة وعـظیمة فـي أن یلتئم شـمل الأمـة العربـیة والإسـلامـیة مجـددا.. وأن تكون ھذه الـوحدة بـعنوان الـتعاون الـدائـم لتحقيق المصالح المشـتركـة فـي الاقـتصاد والـطاقـة والـتطور الـتكنلوجـي والمعرفي..
وھـذا یـتطلب إعـادة تـفعیل دور جامعة الدول العربية ومـنظمة الـتعاون الإسـلامـي وغيرهما مـن الـمؤسـسات والـمنظمات الـمختصة.. مـن خـلال تـفعیل إسـتراتـیجیات الـبناء والـتعاون المشـترك فـي حـفظ مـصالـح الـشعوب وإبـعاد شـبح التوتر والخلاف من المنطقة.. والانتقال بها إلى مصالح دائمة ومنافع مشتركة.
يجب أن لاتهدر الفرص ولاتضيع لأن ذلك يمثل خطرا لأمن بلادنا وتهديداً لمـصالـح شـعوبـنا..
ومن هذا المنطلق أدعـو أشـقاءنا العرب والمسلمين .. لیـأخـذوا المبادرة معنا في العراق نـحو إطـار الـوحـدة والـتلاحـم وبـناء المسـتقبل بـعیداً عـن عـقد وارھـاصـات الـماضـي.. فـالـخیر آت مـا دام يجمعنا دین واحد ومصیر مشترك.
ثـالـثا/ إن الخطر الإسرائيلي عـلى أمتنا العربـیة والإسـلامـیة ما زال قائما وما زال الـكیان الصھـیوني یفكر بعقلیة الإبادة والـعداء للعرب والمسلمین.. ولم یكتفِ باعـتدائـه الـغاشـم عـلى غـزة.. بل أصبح یـتوعـد بحـرب شـامـلة عـلى لـبنان الـشقیق.. ولا یـراعـي فـي ذلـك شيئاً من القـانـون الدولـي أو الإنـسانـي.. بل يستهتر بجـمیع الأعراف والقیم والشعوب.
إن مواجهة هذا الخطر يتطلب وحدتنا وتماسكنا عرباً ومسلمين .. وقد كان العراق وسـیبقى فـي مـقدمـة ھـذه الـمواجـھة ولـن یتخـلى عـن دفاعه المقدس عـن فلسـطین العروبة والإسـلام ما دام فـینا عـرق یـنبض بـحب الحسـین (عـلیه السـلام)..
نعم نعم لفلسطین.. كلا كلا إسرائیل..
نعم نعم للبنان.. كلا كلا إسرائیل..
نصر ﷲ إخوتنا في فلسطین ولبنان..
وحمى ﷲ شعوبنا العربیة والإسلامیة..
وحفظ بلدنا العراق وشبابه من كل سوء.. ومراجعنا العظام ولاسيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف) ورحم الله شهداءنا الأبرار وقادة الانتصار والشهيدين الصدرين وشهيد المحراب وعزيز العراق.
والسلام علیكم ورحمة ﷲ وبركاته.