نص كلمة السيد الحكيم في مؤتمر يوم العراق 32 في مكة المكرمة -1445هـ
بسم ﷲ الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين
قال تعالى في محكم كتابه الكريم:
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
أصحاب السماحة والفضيلة والسيادة
الإخوة والأخوات .. حجاج بيت الله الحرام
الحضور الكريم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن مـن لـطائـف الـحج وكـمالـه ھـو اجـتماع المسـلمین عـلى اخـتلاف أعـراقـھم ومـذاھـبھم فـي مـكان واحـد.. وزمان واحد.. ومشاعر واحدة.. تجمعھم كلمة التوحید والعبودیة والإخلاص لوجه ﷲ تعالى..
فـتذوب عـندھـم الـفوارق لـتكون أمـة مسـلمة واحـدة.. لا فـرق فـیھا بـین عـربـي و أعجـمي إلا بالـتقوى.. الـتقوى الـتي وصـفھا أمـیر الـمؤمـنین (ع) بـقولـه: "عـتق مـن كـل مَـلكة ونـجاة مـن كـل ھـَلكة". فيالها من دروس حكيمة وعظيمة يستشعرها من يتدبر مشاهد الحج ومحطاته الروحية المفعمة بالكمال والوحدة والتعايش فـھنیئا لـكم أیـھا الأحبة ھـذه الـنعمة الـعظیمة .. و لاتـنسوا أھـلیكم وشـعبكم وبـلدكـم بالـدعـاء لهم بـالأمـن والأمان والازدهار ودوام الخیرات.. إنه سمیع مجیب الدعاء.
إن شعيرة الحج واحدة من أهم تجليات العبودية الخالصة لله من خلال الالتجاء الى بيته الحرام بتوقيتات معلومة و مناسك واضحة و انقطاع تام عن كل ما سوى الله ، بأداء ملؤه الاخلاص والصفاء.
إن رحلة الحج ليست كسائر الأسفار ، إنها رحلة من الله و إلى الله و في سبيل الله و على ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعلى الحجاج الكرام اغتنامها بضبط النفس و تهذيبها وتنقيتها وفتح صفحة بيضاء ناصعة تعيد الإنسان إلى مكانته الحقيقية في ارتباطه بالله و رسوله وأهل البيت (عليهم السلام).
إن موسم الحج هو موسم العقيدة توحيدا وعدلا و نبوة و إمامة و معادا ، وهو موسم الأمة والوحدة والأخوة.
إن حـرصـنا عـلى اقـامـة ھـذا التجـمع الـمبارك فـي كـل عـام یـأتـي مـن حـرصـنا على وحدة الـصف الـعراقـي واذابـة الحساسيات بـین مـكونـات شـعبنا الـعزیـز لمـواجـھة التحـدیـات بـروح الأخـوة الإسـلامـیة والـمواطـنة الأصـیلة.. فـلا قـوة بـلا وحـدة.. ولا مـواجـھة بـلا تـماسـك.. ولا مـسؤولـیة بـلا وعـي.. فـالأوطـان تـُبنى بـالـتكاتـف والـوحـدة وتحـمل الـمسؤولـیة.. وعـلینا اسـتثمار ھـذه الأیـام الـمباركـة وھـذا التجـمع الـكریـم فـي الـحث عـلى وحـدة الكلمة وأھمیة المسؤولیة التضامنية تجاه بلدنا وشعبنا العراقي الحبیب.
لـقد مَـنّ ﷲ عـلى الـعراقـیین بـعد طـول عـناء وصـبر بـالاسـتقرار السـیاسـي الـذي نشھـده فـي الآونـة الأخـیرة.. وهي نعمة عظيمة، ينبغي أن نستحضرها ولا نغفل عنها، ويتوجب علينا أن نحمد الله تعالى ونشكره عليها،"لَـئِن شَـكَرْتُـمْ لأَزِیدَنكُمْ". وفي هذا المحفل الكريم نجد من الضروري الإشارة إلى عدة أمور، أبرزها:
أولا/ أھمیة الوحدة العراقیة الجامعة لمختلف الطوائف والمكونات ..
إن مـن أبـرز مـفاھـیم دیـننا الـحنیف ھـي الـوحـدة والـتكاتـف والـتعایـش السـلمي بـین الـناس.. وذلـك مـن خـلال اعـتماد مـنھج الـوسـطیة والاعـتدال الـذي أكـد عـلیه الـقران الـكریـم فـي مـواطـن كـثیرة " وَكَـذَٰلـِكَ جَـعَلْنَاكُـمْ أمُـةً وَسَـطًا ِّ لتكونوا شهداء عَلَى الناسِ وَیَكُونَ الرسُول ُعَلَیْكُمْ شَھِیدًا" .. فالإسلام دین سماحة ورحابة.. دین وسطیة واعتدال.
لایـمكن أن نـكون قـدوة لـلأمـم والـشعوب مـن دون أن نـكون أمـة وسـطا تـؤمـن بـالاعـتدال مـنھجا وسـلوكـا ومـمارسـة.. وأن نـنبذ كـل مـظاھـر الـتطرف والـكراھـیة وأن لانـسمح لـمحاولات الـتفرقـة والـنیل مـن مـواطـن قـوتـنا ووحدتنا وأبرزھا الاعتراف بخصوصیاتنا وھویاتنا الفرعیة التي ھي امتداد لھویتنا الوطنیة الجامعة.
كـما أن ھـذه الـوحـدة الـعراقـیة ھـي عـنوان أصـیل ومـمتد إلـى وحـدة أمـتنا الإسـلامـیة الـتي نـرتـبط بـھا مـن حـیث الـقیم والـمفاھـیم الـنبیلة ارتـباطـا وثـیقا یـمثل ھـویـتنا الإسـلامـیة الـجامـعة لـكل المسـلمین.. ھـذه الـھویـة ھـي الـدیـن الـذي مـا جـعل ﷲ عـلینا فـیه مـن حـرج وأمرنا بالاعتصام بالله تعالى وحده.. وأن نـجاھـد أنـفسنا بـالـخیر والأعـمال الـصالـحة قال تعالى:
"وَجَـاھِـدُوا فـِي َّ ﷲِ حَـق جِـھَادِهِ ۚ ھُـوَ اجْـتَبَاكُـمْ وَمَـا جَـعَلَ عَـلَیْكُمْ فـِي الـدیـنِ مِـنْ حَـرَجٍ مـلةَ أبِـیكُمْ إبِرَاھِـیمَ ۚھُـوَ سَـماكُـمُ الْمُسْـلمِینَ مِـن قَـبْل ُ وَفـِي ھَٰذَا لـِیَكُونَ الـرسُـول ُ شَھِـیدًا عَـلَیْكُمْ وَتَـكُونُـوا شُھَـدَاءَ عَـلَى الـناسِ فَـأقَـِیمُوا الـصلاةَ وَآتُـوا الـزكَـاةَ وَاعْـتَصِمُوا بِـالله ھُو وَمَوْلاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النصِیرُ ".
إن هذه الإشـارة فـي آخـر سـورة الـحج فـیھا مـن الـدلائـل الـمعنویـة الـكبیرة بـعد انتهاء ھـذه الـفریـضة العظیمة.
فـفي الـحج یـلتقي المسـلمون فـي رداء وتـلبیة واحـدة.. ویـرجـع كـل واحـد مـنھم إلـى بـلده وأھـله محـملا بـتلك الـطاقـة النورانیة الوحدویة لیجسدھا في العمل الصالح وأبرزھا وحدة الكلمة والاعتصام بحبل الله سبحانه.
ثانیا/ أھمیة المضي والاستمرار في دعم الاستقرار السیاسي في العراق ..
لـقد اسـتطاع الـعراقـیون بـفضل ﷲ ومـنه .. أن یـثبتوا ركـائـز الاسـتقرار السـیاسـي فـي الـعراق.. ومـا یحـدث الـیوم فـي الـعراق مـن تـطور كـبیر فـي مـجالات عـدیـدة .. ھـو دلـیل عـلى تـجاوز تـلك المحـطات الـصعبة والتحـدیـات الخطیرة التي كانت تعرقل عجلة البناء والتقدم.
وحـريّ بـنا أن نـكون أحـرص مـن أي وقت مضى على الـحفاظ عـلى ھـذا المنجـز الـكبیر والاسـتمرار فـي تـرسـیخ وتـدعـیم قـواعـد الاسـتقرار السـیاسـي فـي الـبلاد.. وھـذه مـسؤولـیة الجـمیع بـلا اسـتثناء .. فـالـمسؤولـیة تـضامـنیة وتشاركیة في الوقت ذاته.
لـقد عـملنا مـع بـاقـي الـقوى السـیاسـیة الـوطـنیة فـي جـمیع المحـطات والـعقبات الـتي واجھـت الـعملیة السـیاسـیة عبر الـتأكـید عـلى أھـمیة الـركـون إلـى لـغة الـحوار الـبنّاء والـتركـیز عـلى الـمصالـح الـعلیا لـلبلد.. واسـتثمار الـفرص الـدولـیة والإقلیمیة التي تساعد العراق في العودة إلى دوره الریادي بین الأمم.
أیـھا الإخـوة.. إن إشـاعـة روح الإیـجابـیة ومـواجـھة الإحـباط والـتشاؤم والسـلبیة مـن أبـرز الـدعـائـم الـمجتمعیة فـي ادامـة الاسـتقرار والـتطور فـي الـبلاد.. وھـذا لا یـعني اغـفال نـقاط التعثر فـي الـعمل الـحكومـي أو السـیاسـي..
ولكن یجب أن یكون ذلك عبر آليات آمنة حریصة على وحدة البلد وعجلة التطور فیه.
إن مـنطقتنا الـعربـیة والإسـلامـیة تـمر بمـرحـلة بـالـغة الأھـمیة فـي تـاریـخھا الحـدیـث.. وكـل الـمؤشـرات تشـیر إلـى أن مـسارات الـتعاون الاقـتصادي والسـیاسـي والأمـني فـي طـریـقھا لـلتطور الإیـجابـي الـملموس وفـق مـصالـح شـعوبـنا وبـلدانـنا.. وعـلینا نـحن الـعراقـیين أن نـكون الـمبادریـن والـمساھـمین فـي ذلـك.. وھـو مـا یـتطلب وحـدتـنا واستعدادنا لاستثمار تلك الفرص الإقلیمیة والدولیة لصالح شعبنا وبلدنا.
وھذا الاستعداد لایمكن أن یتحقق من دون دعم وتطویر الاستقرار السیاسي في العراق.
ثالثا/ الاستمرار في دعم القضیة الفلسطینیة من خلال وحدتنا العربیة والإسلامیة
إن الـقضیة الفلسـطینیة عـلى الـرغـم مـن بـعدھـا الإنـسانـي إلا أنـھا تـمثل صـلب الـكرامـة الـعربـیة والإسـلامـیة.. فھـي الجرح العربي والإسلامي النازف الذي لن یلتئم الا بعودة كامل الحقوق لإخوتنا في فلسطین المحتلة.
وإن السـبیل الأمـثل لـمواجـھة الـرعـونـة الصھـیونـیة واسـتمرارھـا فـي قـتل الأطـفال والـنساء ورفـضھا لـكل دعـوات إیـقاف حـرب الإبـادة الـتي تـقوم بـھا.. ھـي الـوحـدة الـعربـیة والإسـلامـیة وتـماسـكنا نـحن كمسـلمین شـعوبـا وحـكومـات.. إن تـعزیـز ھـذا الـوعـي الـوحـدوي الإسـلامـي .. یـعد مـن أفـضل السـبل وأنـجعھا فـي نـصرة الـقضیة الفلسـطینیة وصولا إلى الیوم الذي تتحرر فیه كامل الأراضي الفلسطینیة.
إن أشـد مـا یـربـك الـعدو الصھـیونـي ھـو تـكاتـف المسـلمین فـیما بـینھم.. فـھو یـدرك جـیدا أن قـوة المسـلمین وعـنفوانـھم تـكمن فـي وحـدتـھم وتـماسـكھم.. لـذا نجـده یـتحین الـفرص لإشـاعـة الـفتن وبـث روح الـتخاصـم بـین بـلدانـنا الـعربـیة والإسـلامـیة.. ویـجند لـذلـك كـل الـوسـائـل الـتي يمتلكها فـي الإعـلام والسـیاسـة والاقـتصاد مـن أجـل تـكریـس روح العداوة والبغضاء في منطقتنا.
إن دعـم الـقضیة الفلسـطینیة یـجب أن لایـكون شـعارا يقتصر على بـیانـات الـشجب والاسـتنكار فحسب .. بـل یـجب أن یـتحول إلـى سـلوك ومـمارسـة وحـدویـة تـلمسھا شـعوبـنا الـعربـیة والإسـلامـیة مـن خـلال الـمواقـف الـشجاعـة والـصلبة والثابتة في دعم ھذه القضیة العادلة والمشروعة.
لايفوتنا تقديم شكرنا الأخوي للملكة العربية السعودية الشقيقة التي تبذل جهوداً كبيرة ومشهودة ومقدرة لخدمة حجاج بيت الله الحرام و خاصة في توجهاتها الاستثنائية لخدمة الحجاج العراقيين استقبالا واستضافة وتسهيلا لأمورهم ، وهو أمر بات يشار له بالبنان ، مما يوثق علاقة البلدين الشقيقين.
حمى ﷲ شعوبنا العربیة والإسلامیة من كل سوء..
ونصر ﷲ إخوتنا في فلسطین الحبیبة..
وأعز ﷲ الإسلام والمسلمین في كل مكان..
وحفظ شعبنا العراقي وشبابه ومرجعياته الدينية وقواته المسلحة من مكائد الشیطان وأذنابه..
إنه نعم المولى ونعم النصیر..
والسلام علیكم ورحمة ﷲ وبركاته.