• السيد عمار الحكيم: الدين لا يختزل بالطقوس فحسب وانما هو التزام وطاعة

    2011/ 11 /16 

    السيد عمار الحكيم: الدين لا يختزل بالطقوس فحسب وانما هو التزام وطاعة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    يسعدني ويشرفني ايها الأحبة ان اقف خادما لكم ولجميع العراقيين في هذه المناسبة هذا العيد السعيد عيد الله الاكبر عيد الغدير الاغر هذا الحدث العظيم الذي عبر عن محطة مفصلية في التصميم الالهي لأدارة مجتمعاتنا الانسانية ، الغدير هو التصميم الالهي في بناء الحكم العادل وهو الاطار الذي تبنى فيه المجتمعات على اساس الحق والعدل ، في هذا العيد السعيد وفي هذا الحدث الكبير الذي نحتفل فيه بذكرى طرح نظرية الاسلام للأدارة والحكم ، تأتي الايام وتذهب ويأتي الطغاة ويذهبون وتتبدل الوجوه وتتغير الازمنة والظروف ويبقى الغدير ويبقى علي (ع) رائدا ورمزا وشاخصا ومعيارا ومقاسا للعدالة الانسانية ،الاحتفاء بالغدير هو احتفاء ليس بشخص علي فحسب وعلي يستحق ان يحتفى به في كل يوم وفي كل مناسبة ولكنه احتفاء بالولاية ، بالاطار الذي يحقق الحكم العادل فالحديث عن الغدير في احد جوانبه الاساسية هو حديث عن الولاية وفي جانب اخر هو الحديث عن الولي وفي جانب ثالث هو الحديث عن الموالين التابعين لعلي والمنسجمين مع تعليمات السماء في بناء الحكم العادل ، الحديث عن قضية الغدير هو الحديث عن قضية متواترة مجمع عليها بين المسلمين جميعا ، لا احد يشكك في اصل الواقعة انها حدثت بكل تفاصيلها ولكن تعدد القراءات والاجتهادات انما طالت تأويل هذه الواقعة المتفق عليها ، اجتمع الناس وقال رسول الله (ص) ما قال ولكن ماهي المداليل هذه المقولة هنا اصبح اكثر من رأي واكثر من اجتهاد ، فواقعة الغدير ليست مثارا للتشكيك وانما كانت محطة للتأويل ولتعدد القراءات والاجتهادات ، الحديث عن الغدير هو الحديث عن مفتاح التسامح والوئام والانسجام ليس بين المسلمين وحدهم وانما بين الانسانية جمعاء لأن الحكم العادل واشاعة الانصاف والعدل بين الناس هو القادر ان يجمع الناس بعضهم الى جانب بعض ، حينما نتحدث عن وحدة مذهبية ووحدة دينية ووحدة قومية ووحدة وطنية ووحدة انسانية كيف لها ان تتحقق بالاماني لايمكن ان تتحقق بمجرد التمنيات وانما تحتاج الى اطار ومحددات وقواعد وضوابط والى شروط حتى تتحقق هذه الوحدة والحكم العادل هو المحور والمفتاح لأشاعة الانصاف واشعار الناس بتلبية استحقاقاتهم وتحقيق طموحاتهم وتوفر حقوقهم مما يجعلهم ينشدّون بعضهم الى بعض .

    الامامة الالهية امتداد للرسالة الالهية
    فالاحتفال بالغدير ليس احتفالا للفرقة بين الناس وانما هو محطة من محطات الالتقاء والتسامح فيما بين الناس وان الحديث عن الغدير بهذا الوضوح وهذه الصراحة التي تستدعي ان تنزل آيات من السماء لتتحدث في واقعة الغدير لتعبر عن اهمية هذا الحدث وتجسد تلك الحلقة الاساسية المطلوبة حتى تكتمل صورة الرسالة الخاتمة حينما تتضح ان الامامة الالهية هي الامتداد للرسالة الالهية ولايمكن للرسالة بعد جهد جهيد ، 124 الف نبي حملوا رسالة السماء وبينوا للناس كيف ينظموا امورهم وشؤونهم برحيل رسول الله (ص) كيف تسير البشرية ماهي الرؤية ؟ ماهو الفهم وماهي اطروحة السماء ؟ ولا يوجد حالة من الارتجال في منطق السماء وانما هناك رؤية ومشروع واضح للمعالم وهناك حلقات وعيد الغدير يمثل تلك الحلقة الاساسية حتى تكتمل الصورة وهنا نفهم مداليل الآية الشريفة بسم الله الرحمن الرحيم (( اليوم يأس الذين كفروا من دينكم )) الكفار كانوا ينوون الانقضاض على الاسلام راغبون بأرجاعنا الىالمربع الاول الى براثن الجاهلية الظلام وقالوا هذا الرجل له عمر كسائر البشر ينتهي وتنتهي القصة ونعود ، ولكن لم يكن يعرف الكفار  ان مشروع ومنطق السماء السماء لاعودة فيه فالحياة  تمضي والانسانية تتقدم والبشرية نحو التكامل وليس نحو التسافل فحينما طرحت هذه الحلقة الاخيرة واكتملت الصورة جاء الخطاب الالهي ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) وقطع الطريق فلا عودة الى الوراء (( فلا تخشوهم واخشوني )) الخشية من الله والخضوع بين يدي الله سبحانه وتعالى والانقياد لله وليس للكفار وليس لذوي الاجندة ، (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا )) كمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب بالإسلام دينا انما كان في هذه المناسبة بولاية علي (ع) ، وبتحديد الرؤية في بناء الحكم العادل وادارة المجتمعات تكون قد اكتملت النظرية وتحددت معالمها واتضحت وسائلها وادواتها فاصبحت امام حصانة ومناعة من ان تقع فريسة لأولئك الخصوم الأعداء ، يتحدث لنا التاريخ ان رسول الله (ص) في حجته في السنة العاشرة للهجرة النبوية والتي سميت فيما بعد بحجة الوداع كان واضحا عليه سمات المودع منذ وصوله الى الميقات والاحرام الى المسجد الحرام الى عرفات الى المشعر والى منى في كل المحطات كان يتحدث بلغة المودع حتى يوصل هذه الرسالة الى المسلمين وقد جاءوا من كل انحاء العالم الاسلامي واجتمعوا في شعيرة الحج وتلقوا الرسالة ان هذه هي النهاية رسول الله يودع المسلمين ويدع الحياة في هذه النشأة لينتقل الى نشأة اخرى فكان يحرصون في ان يتواجدوا حولة يحومون حوله يسألوه ويأخذوا منه اكثر واكثر والانسان حينما يكون في موقع الوداع حديثة وطريقته تكون مختلفة واصغاء الناس واقبالهم عليه ايضا يكون مختلف ولذلك في هذه السنة حينما خرج رسول الله من مكة خرج معه جميع المسلمين من الحجيج ان كان متقدما بشىء او متأخر بفاصلة بسيطة ولكن الخروج كان خروج جماعي حتى يأنسوا به ويحضوا بصحبته الى اخر لحظة ممكنة لأنهم سيصلون الى الجحفة ومن الجحفة ستختلف الطرق فمنهم من يذهب الى اليمن ومنهم الى العراق ومنمهم الى الشام ومنهم الى اماكن اخرى الجحفة كانت هي موقع الالتقاء الاخير حتى يتفرق الناس شايعوه وصحبوه ورافقوه في هذه المسيرة وكانوا مايزيد على مئة الف حاج وتشير النصوص الى مئة وعشرين الف من الحجيج في حجة الوداع حتى وصلوا الى الجحفة وكان هناك منطقة يجتمع فيها الماء حين هطول الامطار والمنطقة المنخفظة تسمى غدير واسم المنطقة خم فسميت غدير خم أي ماء يجتمع او بركة في خم في منطقة الجحفة ، هنا رأووا اثار التردد على وجه رسول الله (ص) يريد ان يتحدث بشىء لكنه متردد في الحديث وكأن هذا الحديث يخشى ان لايكون مقبولا لدى الناس حتى جاء الامر الالهي (( يا ايها ارسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) يا رسول الله اخبر هذه الامة بما امرتك ان تخبرهم به اخبرهم بولاية علي (ع) من بعدك ، وكأن رسول الله (ص) في لسان الحال يقول كيف اخبرهم بأن علي وهو ابن عم النبي وصهره يكون اماما من بعدي ،ولو كان غريبا عنه كانت القضية اسهل لذا كان رسول الله قلقا وقد جاء التطمين الالهي (( والله يعصمك من الناس )) الله هو الكفيل بأن يظهر عليا (ع) بتلك المظاهر والقدرات والكفاءات والاداء ما يجعل الجميع يذعن لشخصية علي وتميزه دون ان يأخذ بنظر الاعتبار أي حساب نسبي بينك وبينه فكان ان جمع الناس في ذلك الحر اللاهب  حتى ان بعضهم لم يكن يمتلك مالا  حتى ينتعل فما كان بامكانه ان يقف على التربة من شدة الحر فكان يأخذ شيئا من ثوبه ويضعه تحت قدمه ، حر شديد واحراج للناس تعب واجهاد الناس الذين تقدموا رجعوا والذين تأخروا يجب انتظارهم حتى تكتمل الجمعة ونقول كلمة السماء والناس تنتظر ماذا يقول رسول الله ولماذا يقولها رسول الله هنا ، ألم نكن سوية في المسجد الحرام والمشعر الحرام وفي منى كنا في مكان وزمان واحد مجتمعين لماذا لم يقل رسول الله كلمته هذه وقد تحدث اليهم بالكثير هل تذكر الان ؟ كلا بل ان هذا امر من السماء ، وتحدث بهذا الامر في هذا المكان لمراعاة حساسية الظرف ، لأظهار الخصوصية في الموضوع والأهمية لكي لا يختلط بامور اخرى  ، ورسول الله في تلك  المواقف كان له احاديث عن واجبات ونصائح  واحاديث عامة واجوبة واسئلة واذا جاءت قصة الغدير واحدة من هذه المسائل فإنها قد تضيع ويشكك بها ولم تصل الرسالة بوضوح فكان لابد ان يصنع حدثا حتى تقام بشكل مستقل عن كل الالتزامات والواجبات والكلمات الاخرى ، اجتمعنا في هذا الحر اللاهب وانتظرنا الرسول لساعات حتى يقول كلمة واحدة وموضوعا واحد ويركز على قضية واحدة ، هذه تصبح غير قابلة للتشكيك والنقاش كما هي اليوم وكما اسلفت ، وقد يكون النقاش بالمداليل هذا بحث اخر لكن لا احد يشكك في واقعة الغدير فلو كانت مهناك فعالية اخرى يمكن كانت تضيع ويشكك بها ، فلذلك اطلق رسول الله (ص) هذه الرسالة واذا اردنا ان نعرف ماهو عمق مداليل رسالة الغدير في رؤية الدين لبناء الحكم العادل اذن علينا ان نقف عن رسالة الدين حتى نتعرف على عمق رسالة الغدير ماذا يعني الدين هل هو مدرسة ام جامعة يعلم فيها احكام شرعية والرسول شخصية تأتي لتعلم الناس احكام وتنتهي الجواب كلا الدين ليس لصرف التعليم وفيه تعليم للأحكام الشرعية وهي واحدة من اهم المهام الرسالية  ولكن الدين يمثل تربية وتنشئة واعداد وتنظيم للمجتمع وتأديب لمجتمع ، الدين ثقافة الدين رؤية الدين مشروع للحياة لذلك يترك آثاره على المفاهيم والمعتقدات وسلوكيات كلها تتأثر فالانسان حينما يدين بدين ما يتعرض لأعادة صياغة في مجمل افكاره ورؤاه والتزاماته وسلوكه اذن الدين هو اعادة الشخصية الانسانية اعادة صياغة الانسان وهذا هو الدين في معناه الواسع فهو ليس مجرد تعاليم تقدم هنا وهناك والدين لا يستطيع ان يحقق غاياته ولا يستطيع ان يقدم مشروعا متكاملا قابلا للتنفيذ والتطبيق في الحياة ما لم يكن مجتمع عادل والمجتمع العادل لا يكون ما لم يكن فيه مواطنون صالحون اذن يجب ان يبدأ الصلاح في الفرد ليصل الى المجتمع وفي مجتمع عادل هذا المشروع له فرصة ان ينفذ على الأرض وان يعمل به ، 

    الدين لا يختزل بالطقوس ..وانما التزام وطاعة
    لذلك الدين ليس مجرد طقوس وممارسات عبادية معينة ليس مجرد عادات يألفها الإنسان احيانا الانسان يلتزم بأشياء من باب العادة ويمارسها بشكل طبيعي والدين لايمكن ان يختزل فقط بهذه الممارسات والدين فيه طقوس وفيه عبادات وفيه التزامات لكن الدين مشروع يجب ان ننظر اليه بكل مقاساته وبأطاره العام حتى نصل اذن الدين هو مشروع قادر على انقاذ الانسان وقادر على ضمان الحقوق وقادر على بناء الحياة على اساس العدل وقادر على تنظيم العلاقات بين افراد المجتمع الدين يجب ان ننظر اليه بكل هذه السمات المشروع المتكامل للحياة واذا اردنا نكون متدينين علينا ان نكون مصداقا تجسيدا مصغرا لتلك الرموز ، كل منا يجب ان يكون حالة مصغرة للنبي محمد (ص) نحن ننتمي لأهل البيت ننتمي لعلي وآل علي يجب ان يكون كل من يدعي الانتماء ان يكون مصداقا مصغر لعلي (ع) في فكره وسلوكه ونهجه وأداءه وتعاملاته اقول مصغر لأننا لانستطيع ان نكون علي ولا نستطيع ان نرقى لمقام رسول الله (ص) لكن نستيع ان نكون نموذج مصغر لهذا الواقع وقد اخبرنا رسول الله (ص) ان الحياة ستأخذ بنا الى ما هو ابعد من هذه المفاهيم سننحرف وسيتحول الدين من شعور ووجدان وممارسة وعقيدة وسلوك الى شعار نرفعه هنا او هناك وعنوان نكتبه في بطاقاتنا الشخصية ، وكظاهرة عامة حالة الدين بهذا المعنى الواسع نرى انفسنا كمجتمع بعيدين عنه لاحضوا ماذا يقول رسول الله (ص)
    " سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من الاسلام الا اسمه ومن القرآن الا رسمه " ، نأخذ الشكليات ونترك المضمون والجوهر ، كيف نستطيع ان نكون متدينين حتى نطبق هذا المشروع ، حتى ننقذ أنفسنا والبشرية جمعاء ، حتى نوجد الحكم العادل ، لابد ان نجسد العبودية لله تعالى ، وكيف يكون الانسان عبدا لله تعالى ، ان يكون مطيعا ملتزما ، يرضى الله بهذا العمل ، ولا يرضى بذلك العمل ، هذا حرام وهذا حلال ، يجب تحديد المحرمات وتركها ، الامام الصادق (ع) وصل يوما الى زقاق ورأى بيتا ترتفع منه اصوات الطرب والغناء والدفوف وهو يعلم ان هذا هو بيت رجل اسمه بشر وهو من الاغنياء وميسوري الحال الذي يوظف امواله وثرواته لغير طاعة الله ، سأل الامام الخادم هل ان مالك هذا البيت حر أم عبد ، فأجابه الخادم حر وهو يملك عبيد وجواري ،  فقال الامام صحيح انه حر ، لو كان عبدا لاطاع مولاه، لو كان عبدا لما عصى مولاه ، مادام الرجل يفعل ما يشاء من الموبقات فهذا يعني انه حر عن طاعة الله وحر عن الالتزام وفك الارتباط بالله تعالى ، ثم تلى الآية الشريفة " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " فأخبر الخادم سيده بما حصل وماتلاه الامام من الآية الشريفة وكانت النتيجة ان تكون هذه الآية هي الصاعقة التي صعقت بشر وخرج مهرولا  حاسر الراس ومحتفي القدمين نحو الامام الصادق (ع) وجاء تائبا وانقلبت احواله بكرامة من الامام (ع) وبفضل منه حينما نبّه هذا الانسان على مساره الخاطيء ، اذن العبودية لله تعالى هي التي تمكّن الانسان ان يكون متدينا ومتفاعلا مع المشروع الذي يبني العدالة ويشيع السلام بين الناس ، والدين ليس الا هذا الالتزام والطاعة وليس الا هذه التربية والتنشئة والاعداد الصحيح ، ولذلك القرآن الكريم يشير الى هذه المهمة من مهام الانبياء حينما يقول في سورة الاحزاب " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "  هذه الآية تشير الى ان النبي اولى بالمؤمنين ، ومعنى أولى حينما يكون لدى الانسان رغبة معينة لكن النبي يقول شيئا آخر فيجب أن أقدم كلامه على كلامي ، أفكر وأتحرك وأعتقد وأمارس الدور الذي هو يراه صالحا وليس بقناعاتي وأمزجتي الخاصة ، اذن هذه الآية جاءت لتدلل وتشير الى هذا الدور والى هذه السلطة من سلطات الانبياء ، هناك سلطة الرسالة وبيان الاحكام الشرعية للرسول ، وهناك سلطة التربية والاعداد وتنظيم المجتمع ومعاقبة المسيئين والمخلّين بهذا الاداء العام وبناء المجتمع الصالح ضمن الرؤية التي ارادتها السماء ، وهذه تسمى سلطة الولاية وهي سلطة أخرى من سلطات الانبياء وموقف وصلاحية اخرى من صلاحيات الانبياء ، اذا عرفنا ذلك سنعرف لماذا وقف رسول الله (ص) في غدير خم في حجة الوداع وقبل ان يتحدث عن علي وجّه سؤالا للمسلمين ، الى الحجاج آنذاك ، "الست اولى بكم من انفسكم " في اشارة للآية الكريمة " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " قالوا بلى يا رسول الله ، انت لديك هذه السلطة ، النبي اراد ان يرى هل احد لديه شك في هذا الامر ، وهل هناك من لايعرف ذلك أو يكون ناسيا ذلك ، أراد ان يفهمهم ان لديه سلطة وصلاحيات اخرى ، اراد ان يقول لهم انا انظم المجتمع واحاسب الناس واربيهم وانشاهم التنشئة الصحيحة  ، قالوا بلى يا رسول الله انت اولى بنا من انفسنا ، عندها قال النبي الاكرم (ص) " من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " فكأن النبي يقول هذه هي السلطة والصلاحية وهذا الموقع والمقام ، هذه المنزلة التي منحني اياها الله تعالى جاء الامر الالهي ان امنحها الى علي (ع) ، أراد النبي ان يقول كما ان الطاعة لي (لرسول الله هي طاعة لله تعالى ) من الآن الطاعة لعلي هي طاعة للرسول وهي طاعة لله تعالى ، وهذ حالة طولية وليس بعضها في عرض الآخر " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم " لاحظوا الله امر مستقل ثم اطيعوا الرسول واولي الامر منكم ، يريد ان يقول هذه طاعة تفويض للصلاحية " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " في اشارة للآية الشريفة من سورة المائدة " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ، هذه الولاية التبعية الالتزام الطاعة لعلي كما هي الطاعة لرسول الله (ص) .
    القراءة الاخرى تقول نعم قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، فاين المشكلة اذن ، يقولون انه يقصد من مولاه هو المحبة والحبيب ، فهل  لا يكفي ذلك ان يقول له في المشاعر المقدسة في الحج ، رسول الله جمع الامة في ذلك الحر الشديد ليقول لهم ايها الناس احبوا عليا ! مالجديد في القضية ، ومن لا يعرف منزلة ومكانة علي عند الرسول وعند السماء ، ومن الذي يشك في حب علي وقد نزلت آيات من القرآن الكريم  توجب هذا الحُب .
    " قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى  " هذا اجر الرسالة المودة والمحبة ، ومن الذي لا يعرفها من المسلمين ، لا أحد يشك وهي باجماع المسلمين ،  اذا كان يريد ان يقول لهم محبة لماذا نزول آيات جديدة ، واذاكان يريد ان يقول لهم محبة الست اولى بكم من انفسكم لماذا ، كل هذه القرائن تدلل على ان الموضوع شيء آخر ، اللهم انصر من نصره واخذل من خذله ماذا تعني ، المحبة لا تحتاج كل هذه الاستحقاقات والالتزامات ، اذن القضية ليست صرف المحبة .

    الامامة هي تنصيب وتعيين وجعل من الله تعالى
    قضية اساسية في رؤية السماء لادارة المجتمع وبناء الحكم العادل في نظرية الحكم في الاسلام أن عملية التنصيب تكون من قبل الله تعالى ، التنصيب من الله للامام ، والنظرية الاسلامية هي نظرية القيادة المعصومة في بناء المجتمع العادل ، قيادة معصومة منسّبة من قبل الله " ياءيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك " اذن الرب بلّغ وعيّن ونصّب وما عليك ايها النبي الا التبليغ ، وكل الآيات القرآنية الشريفة حينما تتحدث عن الامامة تتحدث عن الجعل والتنصيب الالهي وليس عن شيء آخر ..
    "واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال  لا ينال عهدي الظالمين " الظالم الذي يرتكب خطأ ويرتكب ذنب ، يتخذ مواقف غير سديدة هذا لا ينالها ، اذن يجب ان يكون معصوما لا يخطيء ولا يذنب حتى يكون في هذا الموقع ، في سورة الانبياء " وجعلناهم أئمة يهدون بامرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلوة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عبدين "، في سورة السجدة " وجعلنا منهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " ، في سورة القصص " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " .
    اذن القضية قضية تنصيب وتعيين وجعل من الله تعالى ، وواقعة الغدير جاءت لتوضح معالم هذه النظرية في تطبيقاتها المباشرة بعد رسول الله (ص) ، في مقابل هذه القراءة قراءة الجعل والتنصيب الالهي ، هي نظرية الاختيار بالشورى ، الشورى هل هي ممكنة للتطبيق ، من الذين نتشاور معهم ، وحتى اذا تمت الموافقة على اللجنة فاعضاء اللجنة انفسهم سيختلفون فيما بينهم ، ولذلك هذه النظرية لم تطبق سوى في علي (ع) حينما انتخب خليفة رابعا للمسلمين ولم تحصل الشورى بالمعنى الذي يجري الحديث عنه قبله ولا بعده  ، الانتخابات البرلمانية الجارية اليوم بحث آخر .
    وعلي (ع) حينما قبل التصدي والخلافة وتحمل المسؤولية لم يقل ان الشورى انتخبته ، قال " لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم او سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها " السبب ليس الشورى انتخبتني وانما قيام الحجة علي ولابد من التصدي لهذه المسؤولية ، اذن اين تطبيقات هذه النظرية ، بحسب هذه النظرية العلاقة بين الحاكم وبين الشعب والمواطنين هي علاقة على اساس الولي والمولّى عليه والموالي ، اذن الولاء في هذه العلاقة والمحبة والصلة والالتزام والطاعة في هذه العلاقة مبتنية على أساس المبدئية والقيم والمصلحة العامة وليس على اساس الفئويات والحزبيات والمصالح الضيقة

    خلافة علي (ع) لقيام الحجة
    هذه هي نظرية الاسلام في الحكم ، الجانب الاخلاقي في واقعة الغدير الوفاء والالتزام والطاعة والقبول والانصياع لامر السماء بولاية علي (ع) وبالقيادة المعصومة المنصّبة من قبل الله حتى وان كان مصاديقها على الارض لم تحكم سوى بضع سنوات قصيرة ، 1200 عام تطبيقاتها بضع سنوات ، 6 أشهر الامام الحسن و4 سنوات لعلي ، ليس هناك تطبيقات ولكن عدم السماح لهذه النظرية ان تتحرك على الارض لم يمنع في يوم من الايام جميع الموالين والتابعين لاهل البيت والمؤمنين بهذه الحقيقة القرآنية لم يمنعهم من الثبات والاصرار عليها حتى وان لم تجد طريقها للتطبيق  ، وسوا وجدت الطريق ام لم تجد فان ذلك لا يغير من الحقيقة شيئا ، فالحق يبقى حق سواء عرف به الآخرون أم لم يعرفوا تمسكوا به ام لم يتمسكوا .

    الموازنة بين الحقوق والواجبات
    حينما نقف عند عيد الغدير نستذكر اهمية ان نمضي قدما لتحقيق الحكم العادل ان لم يكن بشيء مطلق كما يحصل على ايدي المعصوم فلابد ضمن قدراتنا وامكاناتنا ان تحرك في هذه الاتجاه ، كيف نشيع العدل والانصاف ، وكيف نغلّب المصالح العامة ، كيف ننتصر للمظلوم ، كيف نوفر فرص الخدمة لابناء شعبنا ولجميع الشعوب ، كيف تقول الشعوب كلمتها ، كيف نبتعد عن الفرض والاستبداد الذي عانت منه منطقتنا والعالم لعقود بل قرون طويلة من الزمن  ، هذه المسالة تتطلب موازنة دقيقة بين الحقوق من ناحية والواجبات من ناحية أخرى ، من غير الصحيح ان ينظر الى حقوقه وامتيازاته وصلاحياته دون النظر الى حقوق الشعب ، وعلى ابناء الشعب ان لا ينظر الى حقوقه وطموحاته المشروعة دون تحديد الواجبات الملقاة على عاتقه تجاه النظام والحكم واتجاه المشروع والواقع العام والبلد ، المسؤول عليه ان يوازن بين ما هو واجب من واجباته ومسؤولياته وبين حقوقه والتزاماته ، كذلك الشعب عليه ان يوازن بين الحقوق والواجبات ، واذا حصلت هذه الموازنة سنحقق النتائج الطيبة ، وخلاف ذلك ستكون هناك ثغرة وشرخ واختلال في التوازن ، كيف لنا ان نمضي باتجاه المزيد من العدالة  الاجتماعية دون ان نحقق هذا التوازن ، نسال الله تعالى ان يجعل الغدير محطة مهمة للوئام والسلام والمحبة والتعايش وتجنب اثارة النعرات الطائفية والقومية والسياسية وتجنب التصعيد الاعلامي والاساءة لبعضنا تجاه البعض الآخر ، نحن في العراق عراقيون وكل عراقي وطني ما لم يثبت خلاف ذلك فلابد ان نفتح القلوب ونمد الايادي بعضنا للبعض ونشكل فريق عمل واحد يعمل جاهدا لبناء العراق والمضي به نحو العدالة الاجتماعية .

    اخبار ذات صلة