نص كلمة السيد الحكيم في المؤتمر الثاني للآفاق المستقبلية لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) 2024م -1445هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
السادة والسيدات الحضور .. أُحييكم أطيب تحية وأشكر لكم تلبيتكم الدعوة للمشاركة في فعاليات مؤتمر (الآفاق المستقبلية لأتباع أهل البيت عليهم السلام) في دورته الثانية.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز "ولْتَكُن منكم أمةٌ يَدعونَ إلى الخير ويأمرون بالمعروف ويَنهَون عن المنكر و أولئك هم المفلحون" آل عمران/104
-نشكر الله على توفيقه بإقامة هذا المؤتمر للعام الثاني على التوالي ، هنا على أرض البدايات والمقدسات والحضارات ، أرض الأنبياء والأوصياء والأئمة والأولياء والعلماء و الشهداء ، تزامناً مع المولد الشريف ليعسوب الدين و أمير المؤمنين ، قائد مسيرتنا الإمام علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) وعلى أبنائه المعصومين البررة (عليهم السلام).
-أَيها الحضور الكريم من العلماء والفضلاء والأساتذة من الإخوة والأخوات ، إن تواجدكم في العراق وتجشمكم عناء السفر من أقصى الشرق والغرب ومن بلدانكم الكريمة في مختلف أصقاع الأرض للمشاركة في هذا المؤتمر الموسع ، له رمزية كبيرة تعبر عن حرصكم و وعيكم بأهمية التواصل والحوار المسؤول ، وتبادل الآراء في الجوانب العلمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المطروحة ، وهي مساحة للنظر مجدداً على أساس التقييم والتقويم والتطوير لهذه الملفات بما يصب في مصلحة أوطاننا ومجتمعاتنا ، إذ يمثل هذا المؤتمر فضاءاً فكرياً حراً لاستشراف آفاق المستقبل لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) وهو ترجمة لفكرة تحمل في طياتها استحضار التحديات والفرص من أجل استثمارها مع ثقة عالية بأننا أمة عصية على التحديات الوجودية مصممة على النهوض.
موقنين بأن جمود الماضي وظروفه المعروفة ، والحياد تجاه الحاضر ، وانعدام التخطيط للمستقبل ، باتت عوامل معرقلة لا تتناسب مع الخزين الفكري الشيعي المتجدد المتسم بالأصالة وثبات العقيدة والخطوط العامة لجماعة أهل البيت (عليهم السلام).
-إننا نؤكد عبر هذا المنبر مرة أخرى على النقاط التالية ، للتعريف بأهداف المؤتمر وغاياته :
أولا: نحن نعد هذا المؤتمر ، فرصةً نوعية وثمينةً لإلتقاء النخب الشيعية من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ببعضها في موسم دوري ، لتبادل التجارب و الآراء والأفكار ، والتعمق فيها والإصغاء إليها ، إيماناً منا بما توفره هذه المنصة من مساحة خصبة للتوجهات والاتجاهات والتجارب الفكرية و العلمية و الثقافية للتعبير عن نفسها بحرية واستقلالية بعيداً عن أية تصورات ذهنية مسبقة أو متبنيات أو توجهات محددة أو معدة سلفاً.
-إنها منصة علمية حرة ، يمكن للجميع ، أن يدلوا بدلوهم فيما يعتقدون بأنه نافع ومثمر ، بما يعبر عن آرائهم و تجاربهم بتجرد وحرية واستقلالية.
ثانياً: مؤتمرنا ليس تكتلاً أو تجمعاً أو إطاراً علمياً بديلاً عن الأُطر الرسمية للمثابات العلمية والفقهية ، سواء الحوزوية المبجلة أم الجامعية الرصينة ، إنما هو فضاء علمي لنخب أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ممن يحرصون على مساندة الطروحات القيمة ومؤازرة المواضيع ذات الاهتمام العالمي المشترك وإغنائها إنسانياً وإسلامياً بالأفكار والآراء والخبرات.
كما أن المؤتمر ليس حراكاً سياسياً أو مساحة ذات أهداف سياسية أو توجهات مؤدلجة.
-ولعل أبرز ما يميز هذه الفعالية أنها تحقق جسوراً للتكامل في الرؤى وآفاقاً خلاقة من دون قيود واشتراطات أو انحيازات ، فهي في جوهرها فعالية فكرية لتحليل الواقع والتفكير بالمستقبل وآفاقه ، واستشراف الغد وممكناته الأفضل ، كلاً من موقعه ومنطلقه.
ثالثا : إن شعار المؤتمر ( أمةً وسطا) يشير إلى الغاية النبيلة والهدف الأسمى ، في التعريف بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ويطلق العنان لبوصلة أتباع هذه المدرسة النبوية العلوية وتمسكهم بالقرآن الكريم والسنة والعترة معززاً بالاعتدال والعقلانية والوسطية.
-إن الوسطية و العقلانية و المرونة و القدرة على التكيف و الاندماج هي سمات حاضرة على الدوام لدى أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وهم الأقدر على تشخيص مصالحهم الوطنية و منافعهم الداخلية ، وهو ما نلمسه في أحاديثكم ومشاركاتكم وتجاربكم ومقترحاتكم القيمة. ، راجين لهذه الجهود المخلصة التوفيق و السداد والتقدم.
أيها الكرام الأعزة ..
-إن التاريخ الإسلامي يدلنا بوضوح على تضحيات وثبات وأصالة خط أهل البيت (عليهم السلام) منذ الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء (عليهما السلام) إلى الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) و ذريتهما الطاهرة المبجلة لدى المسلمين جميعاً.
-فهم الأهل والآل والقربى وهم الأُمناء والورثة الطبيعيون لخط النبوة نسباً وحسباً وعلما ومعرفةً وصوناً و وفاء وقولاً وفعلاً ، وهو الأمر الذي انعكس على عقيدة وهوية وسلوك أصحابهم وشيعتهم وأتباعهم ونخبهم وكل من تأثر بهم أياً كان توجهه و اتجاهه.
-إن أهل البيت (عليهم السلام) مثلوا و يمثلون نقطة التقاء الأمة الإسلامية بمذاهبها وفرقها وطرقها وأصولها وتفرعاتها ، عقيدية كانت أم فقهيةً أم سلوكيةً أم معرفيةً ، وما من جهة شذت عن ذلك حتى نبذت وهمشت وأشير لها بالانحراف والتطرف والجهل والخروج على الأصول والقيم الأصيلة.
-إن المسؤولية المذهبية والأخلاقية تفرض على النخب الصالحة والمؤثرة أن يكونوا قنوات شرح و تعريف و توضيح لسمات و مبادئ و ثوابت ومناهج وتاريخ هذه المدرسة الأصيلة المعطاء.
-كما أن مسؤولية النخب من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) تفرض عليهم جمع شتات الأمة وتقارب أبنائها وتوحيد صفوفهم والحفاظ على هويتهم.
- والبداية يجب أن تكون داخلية : {إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم } ، فما لم نسعَ إلى الاصلاح والتغيير الداخلي على مستوى الفرد والجماعة ، فلا يمكن أن نقدم نموذجاً مقنعاً و صالحاً للآخرين.
-ومن هنا يجب بذل الجهود و المساعي لتقليص دوائر الغلو والتجهيل والتطرف والانحراف ، بالاستعانة بجنود العقلانية والتدبر عبر أدوات المعارف والعلوم والتراث الناصع والسيرة الصحيحة ، واستلهام نتاج علمائنا ومراجعنا الأبرار في الميادين جميعها والتمسك بالتقليد للمجتهد الجامع للشرائط.
-إن جماعة أهل البيت (عليهم السلام) يجب أن يكونوا القدوة والنموذج والجماعة الصالحة المحبوبة بوصفها الأقدر تاريخياً على إنتاج المشتركات والخطاب المناسب والموقف الحصيف لكل زمان ومكان ، مرتكزين على تراثهم واجتهادهم و وعيهم وحضورهم المعتدل ، المنسجم مع المتغيرات والتطورات العالمية والإنسانية.
-لقد سعى أتباع أهل البيت (عليهم السلام) على مدار التاريخ لأن يكونوا ممن يقوى بهم الإسلام و مبادئه و الأمة الإسلامية ومصالحها ، باقتفائهم سيرة أئمتهم و وصايا علمائهم و مراجعهم العظام ، متحدين بذلك السلطات الظالمة والمنحرفة التي أرادت بهم وبالإسلام سوءاً ، وأفشلوا خطط الانحراف العقيدي و الفكري التي كانت تكفرهم وتسعى لتهميشهم والتحريض عليهم وتشيع الأكاذيب لتشويه مدرستهم لدى الأمة.
-لا يخفى على الباحث اللبيب في التاريخ الإسلامي أن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، مثلت الخط المعارض للسلطات المستبدة التي اغتصبت حقوق الأمة العقيدية والسياسية و الاجتماعية ، وهي بتلك المعارضة قد سلبت الشرعية عن الممارسات الظالمة المتسترة بستار الدين وكشف زيف تحالفاتها مع الجماعات التكفيرية المتطرفة التي أرادت سوءاً بوحدة الأمة وعملت على تحريف عقيدتها وتفريق صفوفها .
-هذا التاريخ الطويل من النضال و الصمود يجب التعريف به وتكريسه ، فالشيعة حماة الأمة وسندها و دثارها وهم حملة شعارات الوحدة والأخوة والموقف واعداؤهم هم أعداء الأمة الإسلامية أبداً ، من المستبدين والتكفيريين والمتطرفين.
-لقد تحمل شيعة أهل البيت (عليهم السلام) جور الزمان و ظلم الأعداء و استهداف الخصوم حتى يومنا هذا ، لا لذنبٍ اقترفوه بل لكونهم منحازين إلى الحق ومنتمين إليه ومدافعين عنه وذائبين فيه ، وهذه هي الهوية التي ينبغي أن تبقى وتنمو وتستمر.
-إن التحديات العالمية على مستوى القيم البشرية و المبادئ الفطرية و الأخلاقيات الإنسانية ، تواجه أزمات مستفحلة ومتسارعة ومؤسفة ، بفعل أجندات صفراء تستهدف الدين ومعالمه وتعاليمه ، ومن ثم الأسرة بكل أركانها وأفرادها من (المرأة والرجل والطفل وكبار السن بنحو سواء) ، وتستهدف المجتمعات بكل فئاتها وتنوعاتها لإضعاف تماسكها و قيمها المشتركة وأعرافها.
-إن جميع الأجندات المنحرفة التي تروج للتفرد والأنانية والإباحية والشذوذ والانحطاط والإلحاد، هي في الواقع تحارب الإنسان في فطرته وتكوينه ، وتتلاعب بتاريخه و حاضره لتشويه مستقبله و تبتغي تمزيق المجتمع الإنساني ، بادعاءات كاذبة مفضوحة عن الحرية والتحرر من الأطر السليمة ، ونتائج ذلك هو الخراب والفوضى والإحباط والانتحار والعبودية للهوى والملذات والشهوات وإتباع الشيطان .
-ونحن نعلم بأن هذه المعركة المحتدمة بين الخط الإلهي المتمثل بالأنبياء والأئمة والصالحين من جهة ، والخط الشيطاني المتمثل في أجندات الانحراف والفساد والاستبداد من جهة أخرى ، كانت ومازالت وستبقى مستمرة ومستعرة ، ومن واجبنا تقديم البديل الروحي والمعنوي والنموذج الفكري والثقافي لشركائنا و نظرائنا في الإنسانية، منطلقين من تعاليم ديننا و سنة نبينا و ميراث أئمتنا و تراث علمائنا الزاخر.
-إن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وتراثهم الكبير أخلاقياً و روحياً ومعرفياً ، هما من يقدم البديل الناجع ، و النموذج الناجح ، و المشروع الأمثل للعالم وترجمة ذلك مسؤوليتنا جميعا .
-وهنا بودي أن أشير إلى أهمية الجوانب الآتية :
أولا / الإسلام : هو ديننا ومعتقدنا ومبدأنا الذي آمنا به بوساطة الوحي المنزل على صدر خاتم الأنبياء (صلى الله عليه و آله وسلم).
فالبداية والنهاية والمسير والمصير كلها مرتبطة بالرسالة المحمدية والهداية الإلهية التي جاءت لإنقاذ البشرية من الحروب و التجاوزات والآفات والفوضى والجهالة والظلمات ، واستبدلتها بعقيدة التوحيد ومبادئ السلام ومكارم الأخلاق والحقوق وسبل الارتقاء بالمعرفة والعلم والعمل الصالح لبناء الإنسان وعمارة البلدان وضمان الحياة الطيبة في الدنيا و الآخرة.
-إن من رفع هذه الرسالة وصانها وحافظ عليها و تمسك بها وحمل رايتها وضحى من أجلها ، هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مما يوجب علينا حسن الاتباع والسير في هذا المنهج القويم عبر توحيد الأمة الإسلامية و توثيق رباط الأخوة مع المسلمين كافة ، فهم الأهل والأخوة في الله ، نشاركهم الأفراح والأحزان ونقف معهم في السراء والضراء.
ثانيا : التشيع : فهو مذهبنا و عقيدتنا و هويتنا و مشربنا وهو رباطنا بأهل البيت (عليهم السلام) و مدرستهم و حوزتهم و حيازهم.
-فهذه المدرسة العريقة بتراثها و تاريخها و تأثيرها ، تمثل قيمة عليا لدى أتباعها الذين يقوون بوحدتهم و مشتركاتهم وعواطفهم ومشاعرهم و هويتهم الراسخة.
-ولذا يجب تقوية نسيج هذه المدرسة بالتواصل والتقارب والتعاضد والتكاتف وتعزيز هويتهم و لونهم و خصوصياتهم حيثما كانوا.
-فالمحبة لأهل البيت (عليهم السلام) والقضية المهدوية بمحورية العدالة والانصاف برؤية عالمية تعالج الجهل والفقر والظلم والاستبداد ، والمرجعية الدينية الرشيدة ، وإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) من خلال الشعائر الحسينية وغيرها ، كلها مضامين عقيدية إنسانية ومشروعة وسامية.
وفي هذا السياق تجدر الاشارة إلى أهمية زيارة الأربعين بما تمثله من ملتقى عالمي لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) ومحبيهم في التجمع الإيماني السنوي الأضخم على الإطلاق في العالم بمسيرات مليونية تمدهم بزخم عقيدي وقيمي وروحي بالغ التأثير. فقد تجاوز عدد المشاركين في هذه الزيارة العام الماضي ثلاثة وعشرين مليون زائر قادمين من أكثر من مائة دولة يقوم على خدمتهم أكثر من سبعة آلآف موكب وفريق تطوعي.
ثالثا : و أود هنا أن أفرد محوراً خاصاً لقضية المنقذ والمخلص والهادي والعدل المنتظر ، المتمثلة بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والاعتقاد به وبظهوره وأهدافه وغاياته السامية (أرواحنا له الفداء).
فهي معتقد وقضية محورية ، وردت في أغلب الشرائع السماوية والنحل الإنسانية ، لكنها لم ترد عند الآخرين بالوضوح الذي ورد في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
-إن الإيمان بوجود هذا الإمام الغائب عن الأنظار ، الحاضر برعايته وعنايته وبركاته لهي قضية مركزية بحاجة إلى إيضاح وترسيخ وتكريس ، تتطلب التعريف والشرح لأهداف ظهوره ، وآثار هذا الظهور الميمون.
-فالشيعة تؤمن باتباع أئمتها ، بكرامة الإنسان ومحورية خلافته في الأرض وضرورة صون هذه المحورية وهذا الوجود المبارك والامتداد الإلهي بكل ما يحمله من حقوق وامتيازات وخصوصيات ، يحفها مبدأ العدالة بين الإنسان وأخيه الإنسان ، وبينه وبين الطبيعة والموجودات الأخرى ، وبينه وبين الخالق المدبر سبحانه وتعالى.
إن هذه الرؤية وهذا الإيمان ينتجان السعي والعمل الجادين باتجاه التقويم الدائم والتطور والارتقاء في كافة المجالات بما يحقق العدل المفقود بين الناس ، رغم مساعي البشرية المتواصلة للتطور وصيانة الحقوق ، وإنما نفتقده بسبب غياب القيادة الرشيدة والنوايا السليمة وغلبة الأطماع والمصالح وفقدان التوازن في الموارد والإمكانيات بين بني البشر.
فلايزال الفقر والجوع منتشرين ، والجهل والأمية حاضرين ، ولاتزال الحروب والنزاعات ، والتجاوزات والتعديات قائمة ، ولايزال استقواء الكبار وأرباب السلطة وأصحاب الثروة والسلاح شاخصاً في المشهد ، ومن المؤسف أن محاولات التأطير والتبرير للجرائم والمظالم أكثر حضوراً من معالجة النزاعات وحسمها.
-إن الأحداث الأخيرة في فلسطين عموماً ، وغزة خصوصاً من قتل الأطفال والنساء والمرضى والجرحى و هدم البيوت و تشريد العوائل و تجويع الأسر و فرض الحصار على ملايين الناس ، ومانشهده يومياً هنا وهناك قد أشارت بوضوح إلى مكامن الخلل ورفعت الستار عن ازدواجية المعايير و التناقضات الأخلاقية و المنحدرات السلوكية التي يعاني منها العالم على مستوى القيادة وأصحاب القرار.
وقد رأينا بوضوح من خلال المظاهرات المليونية في كل بقاع العالم ، التعطش الفطري إلى العدالة وهتاف الحشود لإيقاف الظلم والتعاطف مع المظلوم في بقاع الأرض كلها.
-القضية المهدوية تعالج بوضوح هذا النقص الأخلاقي الحاد ، والتعطش الفطري للعدالة ، كما تنص مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) :( فالناس صنفان : إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) وفي الحالين أنت مسؤول عن كرامة الإنسان وصون حقوقه و الدفاع عن مظلوميته ، والنهي عن الظلم و المنكر ، بعقيدة العدل وقوة المنطق ، لا منطق القوة ولا سلاح التدمير والتبرير.
-إن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو إمام العدل وقائد الخير ومنارة الحق وبوصلة المعرفة و راية الانصاف ، و واجب أتباعه أن يكونوا خير دعاة لمبادئه وأهدافه.
رابعا / الوطنية والمواطنة : إننا أمام متغيرات و تطورات مهمة في بلداننا الإسلامية بأزاء فكرة المواطنة والعيش المشترك والعقد الاجتماعي والسياسي القائم على الحقوق والواجبات ، وهو أمر مفرح وفرصة نوعية نحو استقرار بلداننا وعمرانها وازدهارها.
لقد كان لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) دور كبير في ترسيخ هذه المفاهيم الإيجابية الراشدة ، في أوطانهم على مستوى القرار والحضور والتأثير بمقتضى خصوصيات ومشتركات كل دولة وكل وطن و كل مجتمع.
نجدد رؤيتنا: بأن الشيعة موحدون على مستوى العقيدة والشريعة والشعائر و منتشرون في أطر الدول والمجتمعات بحسب أوطانهم ودولهم والتزاماتهم الوطنية ، ومحترمون في توجهاتهم الفردية و الفكرية و الثقافية و السياسية.
وهذه الثلاثية (العقيدة والوطنية والحرية الفكرية) تمنحهم رصانة مضاعفة وقوة ومرونة في التكيف والانسجام مع المتغيرات والتطورات.
خامساً / العلوم و الفنون و المعارف:
إن تأكيد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على طلب العلوم والمعارف واتقان الحرف والفنون والأعمال يجب أن تكون حافزاً للجهد الشيعي المضاعف في المجالات الأساسية ، تاريخاً وحاضراً بآلآف المبدعين والمؤثرين من العلماء والنخب والأدباء و المثقفين (والقائمة تطول) ، ومن هنا فنحن بحاجة ماسة إلى تطوير وسائل العمل لإنتاج المعارف والعلوم وإشاعة روح التعلم والإبداع في الأوساط الشيعية الزاخرة.
سادساً / الاقتصاد:
إن روايات أهل البيت (عليهم السلام) في الحث على التجارة والزراعة والمهن الأخرى ، مع الإلتزامات الشرعية (الخمس و الزكاة) والحث على التصدق والإحسان و قضاء حوائج المؤمنين ، كلها موارد بحاجة إلى الاعتناء و الاهتمام وفق التطورات العالمية والتعامل مع الاقتصاد بوصفه علماً ومعرفةً وقوةً.
إن دور رجال الأعمال والاقتصاديين الشيعة مهم وحيوي في إدامة استقلالية الحوزة العلمية واتساع المدارس الدينية والمساجد والحسينيات و رعاية الأيتام و غيرها من موارد التبرع والإحسان والدعم المسؤول ، فضلاً عما يمكن توسيعه بأهداف مضاعفة في تشغيل الأيادي العاملة و تأسيس المشاريع الناجحة والتنافس في العمل ، وتأهيل مراكز الإبداع و الابتكار لجذب الموهوبين والنوابغ من الشيعة و زجهم في مشاريع الاقتصاد والتكنولوجيا والصناعة والزراعة الحديثة.
إن الاقتصاد العالمي بحاجة إلى رجال واعين يدرسون ويخططون وينفذون ويتابعون ويبتكرون الأحدث والأكثر نفعاً وتنمية وتطوراً ، ولا ينقص رجال الشيعة شيء ولاتعوزهم هذه الطاقات ، ولدينا مئات التجارب الناجحة الجديرة بأن تتسع و تتميز وتنمو.
سابعاً / الإدارة:
إن جميع المشاريع الناجحة بحاجة إلى أصحاب القرار و المدراء الناجحين.
وإن إدارات الدول والمنظمات والمؤسسات والشركات والمشاريع ، بحاجة إلى قدرات وإمكانيات علمية عالمية وعالية ، ولابد من تأشير خلل كبير ونقص واضح في هذا المجال في بلداننا ومؤسساتنا الأساسية.
إن صناعة الرجال الأكفاء و المدراء الأمناء المبدعين من أصحاب التدبير و الابتكار تعد مهمةً صعبةً وعاملاً أساسياً في الحفاظ على مواردنا البشرية والمالية وحسن إدارتها و استثمارها وانمائها.
وفي الختام .. أدعو إلى تأسيس مركز دراسات دولي رصين يُعنى بدراسة الواقع الشيعي وما يواجهه من فرص وتحديات على المستوى الدولي والأقليمي والمحلي ، ويقدم الحلول للمشاكل التي يواجهها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في بلدانهم ومعالجة الانطباعات السلبية الخاطئة عن معتقداتهم وانتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الوطنية واندماجهم في أوطانهم.
شكري وتقديري المتجدد لكم .. لحضوركم هذا المؤتمر الدولي الهام ومساهمتكم الجادة في إغنائه وإنجاحه .. أسال الله أن يجمعنا وإياكم على طاعته ورضاه ويعيننا على تحمل مسؤولياتنا ويحفظ مراجعنا العظام ، ولاسيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف) ويبارك لكم مساعيكم والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.