• نص كلمة السيد عمار الحكيم بالذكرى الثامنة لرحيل السيد عبد العزيز الحكيم (قدس سره) - 2017/5/31

    2017/ 05 /31 

    نص كلمة السيد عمار الحكيم بالذكرى الثامنة لرحيل السيد عبد العزيز الحكيم (قدس سره) - 2017/5/31

     
      أبارك لكم هذه  الليالي الشريفة من شهر رمضان المبارك وابارك لكم ايضا الانتصارات التي يحققها إبطال القوات المسلحة والحشد الشعبي في ساحات القتال، ولابد من عزاء خاص لهؤلاء الذين يتساقطون في تلك المعارك وايضا شهداء الارهاب وضحاياه في مدننا الامنة، واستهداف العديد من المدنيين في الكرادة والصالحية، ونسال الله ان يمكن قواتنا الامنية لمنع هذه الخروقات والحفاظ على الارواح وفرحة الانتصار".

      اذكر ان فرحة انتصارنا في تحرير الفلوجة واعادتها الى اخلها قد سلبت منا في شهر رمضان الماضي، حذاري من ان تضيع فرحة الانتصار في تحرير الموصل الحدباء في تفجيرات مماثلة .

      عام اخر وتجدد فيه الذكرى برحيل عزيز العراق هذا الرجل الذي اخلص لربه ولمشروعه ولوطنه ولشعبه وقدم الغالي والنفيس من اجل ان يكون العراق مثما نتمناه الحديث عن عزيز العراق هو الحديث عن مشروع ولد من زعامة  الامام محسن الحكيم، قدس وتربى في احضان تلك المرجعية الرشيدة وتتلمذ على ايدي اخوانه الفقهاء الشهداء ، شهيد المحراب واية الله الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم وترعرع على ايدي امام الشهيد الصدر وكان من طلبته وخاصته وحوارييه، الحديث عن عزيز العراق هو الحديث عن ذلك الرجل اللاهي، الذي كانت السمة المعنوية حاضرة في شخصيته المعنوية الدمعة في الليل والاخلاص لله تعالى في خطواته ، وكان الله ماثلا في عمله ، ومن كان يعمل مع عزيز العرق عن كثب وقرب، يعرف جيدا كيف ان الله كان حاضرا في كل خطوة وقرار يتخذه في الظروف الصعبة التي مرت به ،

      الحديث عن عزيز العراق هو ذاك الزاهد الترابي في ماكله ومشربه وملبسه ومسكنه كان ترابيا بمعنى الكلمة، وكان زاهدا بهذه الدنيا ، واقول في حياته الشخصية ، اي كان يميز في حياته الاجتماعية والحياة الشخصية ، والحياة الاجتماعية لم تكن ملكه وكان لها استحقاقات من الموقع الذي يتصدى فيه وكان من الضروري ان يستقبل في غرف فارهة الضيوف الاجانب والاخرين والسياسيين ويجلسهم في اماكن مناسبة تنسجم مع مهمته ، ولكن حياته الشخصية صورة اخرى تختلف تماما عن صورته الاجتماعية، وهكذا ربى ابناءه وعائلته على هذا الزهد في حياتهم الشخصية ، والحديث عن عزيز العراق هو حديث عن طيب القلب وذالك الرجل الذي تفوح منه المشاعر الانسانية ويتعامل بمحبة وعاطفة ، ولكن بحزم وجدية

      كما ان الحديث عن عزيز العراق هو حديث عن الرجل الإلهي الذي كانت السمة المعنوية حاضرة في حياته الشخصية، وحديث عن طيب القلب يتعامل بمحبة وعاطفة، وبحزم وحسم وجدية حيث كان واثقا من نفسه ويتمتع بشخصية قوية وصلبة في الازمات ويغضب لله حينما يجد خرقا او تقصيرا في أداء الواجب كان شديدا في معالجة الامور ويعتمد صلة الرحم مع ذويه وعوائل الشهداء من ذويه وهم كثر، وكان مولعا بزيارة عوائل الشهداء، ويلاطف ايتامهم،  ان  السمة الجهادية كانت الأبرز التي اخذت المساحة الأكبر في حياة عزيز العراق، وفي سنين طوال كان معني بالملف الجهادي حين تصدى لمسؤولية المكتب الجهادي في المجلس الأعلى وكانت تصب بشكل كبير في العمل الجهادي لمواجهة الاستبداد والديكتاتورية الى الاهتمام بقضاء حوائج الناس، حينما كان يكلف بشيء يبقى بحالة من القلق حتى تنجز لمواطن طلب منه شيء كان يتحسس لمحنة والام الاخرين ،  فالحديث  عن عزيز العراقي هو الحديث عن دوره السياسي لهذا الرجل المؤثر في تاريخنا المعاصر وكان حاضرا وفاعلا ومؤسسا في كل المشاريع منذ الثمانينيات وما بعدها، وكان مؤسسا لجماعة العلماء ومكتب الثورة الاسلامية في العراق وصولا الى دوره المميز في تاسيس النظام الديمقراطي بعد 2003 بمساعدة اخوانه ورفاقه من القيادات الاسلامية والوطنية ان " ما يميز القادة الحقيقيون  هي الرؤية العميقة واستشراف المستقبل ورؤية ما لا يراه الاخرون والصبر على تنفيذ الرؤية والدفاع عن مشروعهم ، وبما ان القائد يرى ما لايرى الاخرون فلا يقدر تماما طبيعة الاجراءات التي يتخذها ويخطؤه في الكثير منها لانها مبتنية على ايقاف نزيف قادم والاخر لايراه الان ، لذلك يخطؤه ، وعزيز العراق كان من هذا النوع من القادة ، و بقي صلبا شديدا مستوضحا رؤيته مندفعا لتنفيذ هذه الرؤية لإنقاذ شعبة ووطنه، واليوم وبعد مرور اكثر من 10 سنوات على الرؤيا التي حملها عزيز العراق ووافقه من وافقه وعارضه من عارضه فيها نجد ان رؤيته كانت صائبة ، نوتحول التشكيك الى تمجيد والاتهام الى اشادة والذين اعترضوا في السابق اعترفوا بان الرؤية كانت عميقة والاستشراف كان دقيقا ،

      وماهي هذه الرؤية " وساشير الى بعض الملامح ، وهي  ان ترصين الجبهة الداخلية الوطنية وان عزيز العراق كان يقول ان مفتاح الحل هو من العراقيين ، لذلك  حمل راية الوحدة الوطنية وبذل جهد للتقريب بين الأطراف في لحظة كانت ازمة الثقة بأوجها والكل قلق على دوره، في المعادلة السياسية وتبنى مشروع المصالحة الوطنية مع اخوانه في الائتلاف الوطني والانفتاح على الفعاليات السياسية والاجتماعية من كافة المكونات لتحقيق مصالحة تنقذ البلاد، كما انه كان يؤمن بضرورة التعايش السلمي بين العراقيين وعمل على تعزيز التشاركية بين المكونات في الإدارة والقرار ووقف مع اخوانه وبذل الجهود الكبيرة لتأسيس نظام على أساس ضمان حقوق الجميع ومشاركتهم بتلك الظروف الصعبة".

       ان "عزيز العراق دافع عن الاستقلال والسيادة الوطنية ورفع شعار اخراج العراق من الفصل السابع في يوم كان الكثير لا يعرف ما يعني اخراج العراق من الفصل السابع، وكان يقوم بالعشرات من الخطابات يشرح ويوضح هذه الحقيقة وكانت له زيارات  دولية لاخراج العراق من الففصل السابق ، وكان يعمل على رص الصف الشيعي عبر تصديه لرئاسة الائتلاف العراقي الموحد، وكان يرى وحدة الصف الشيعي ليست خطوة طائفية وانما هي خطوة وطنية  مقدمة لانتظام أمور البلاد فالأغلبية عندما تنظم صفوفها تكون قادرة على تنظيم ظروفها"

       ان عزيز العراق "دفع ثمن باض لهذه الشعارات والخطوات، ركز على الهم العام والمصلحة العامة ودفع المشروع الوطني الى الامام، ورغم تراجع تياره في الانتخابات ولكن كان سعيدا بان المشروع الوطني يتقدم الى الامام وان المسارات تتجه بالاتجاه الصحيح  ولم تكن لديه الاولوية اين هو في  المشروع وانما الاولوية كانت كيف يتقدم  المشروع بالاتجاهات الصحيحة،

     حيث  كان يحمل رؤية استراتيجية لبناء دولة المواطنة التي تنصف رعاياها وتلزمهم بحقوق وواجبات متكافئة يشعر الجميع بان حقوقهم مكفولة فيها، "كان عزيز العراق يقد الاستراتنيج على التكتيك ، وكان من النوع الذي ينجح رؤيته الاستراتيجية ، فكان ينظر الى نهاية الطريق ولاينظر الى المنعطفات ، كان رجل دولة بامتياز، لا رجل سياسة ومزايدات، ويدرك ان العراق بما يمثله من تنوع وتعدد مذهبي وقومي وسياسي ومناطقي، وما يمثله من تاريخ عريق وجذور حضارية اضفت عليه الكثير من التعقيد وان العراق بموقعه الاستراتيجي في المنطقة والعالم لا يمكن ان يدار بالخطوات الارتجالية او الانفعالية او الأحادية او المزاجية وانما يحتاج الى تخطيط استراتيجي بعيد الأمد وخطوات لا تأتي بثمارها في القريب، وانما لها ثمار ونتائج بعيدة الأمد ولابد من الانتظار حتى تحصل".

      "الاحداث في العراق اثبتت لنا ان عزيز العراق كان محقا في اداركه لعمق التعقيدات لبناء النظام الاتحادي الديمقراطي، وكان يعي استحقاقات الخروج من مرحلة الاستبداد الطويلة والمظلمة وكان يعي حجم الانهاك الذي يعيشه الشعب العراقي نتيجة عقود من الضغوط من الأنظمة الديكتاتورية، على مواطنيه وشعبه وكان  يعرف ان الشعب سلبت ارادته لعقود من الزمن من قبل الديكتاتور وهو شعب تعرض الى اسوء حصار اقتصادي عرفه العالم في التاريخ المعاصر، وكان يعرف ان هذه الضغوط استهلكت الكثير من الإمكانيات الذاتية والمعرفية والقيمية للشعب وان جريمة الديكتاتور لم تنحصر على استهداف المواطنين وانما الجريمة الأكبر حينما غرس انيابه الشرسة في قيم ومبادئ الشعب وحاول ان يمسخ الشخصية العراقية وكان يعي عزيز العراق  حجم التصدع الكبير في العلاقة بين العراق ودول العالم وكان يراعي التوازنات المعقدة لاخذ الخطوات المناسبة التي تصب في مصلحة البلد ، عزيز العراق، كان يعي جيدا بان بدون دولة قوية ومهابة سنبقى في دوامة العنف والتخلف الاجتماعي والاقتصادي والتنموي والخدمي، ونحتاج الى دولة قوية للملمة الجراح .

      كان يؤمن عميقا بان اللامركزية مفتاح أساسي لحل الكثير من المشاكل في العراق، ولم يكن ينظر الى اللامركزي في بعدها الإداري لإدارة الدولة فحسب وانما كان ينظر لها على انها مشروع سياسي لضمان الحقوق والواجبات وفك الاشتباك بين المساحات الوطنية، ففيها بعد فني اداري وفيها بعد سياسي يطمئن الجميع ويحافظ على وحدة العراق ، وكان يعتقد اذا تأخرنا بتطبيق اللامركزية ستزيد التعقيدات ويصبح الفرز اكثر صعوبة وكلفة وكان صادق في قراءته وواعِ للتعقيدات التي بدأنا نلمسها".

      عزيز العراق امتلك رؤية واضحة في مسار العلاقات الإقليمية والدولية، ولاسيما اننا نعيش في منطقة مرتبكة مليئة بالتقاطعات وصراع الإيرادات وتداخل الملفات، وكان يرى ان ما ينقذ العراق في هذه الظروف الصعبة هو الحياد الإيجابي الذي يجب ان يتخذه لنقذ نفسه ويقدم النصح للجميع، ومحاولة تجسير العلاقة بين الجميع وان العراق عليه ان يكون جسرا لربط مصالح دول المنطقة، لا ان يكون محطة للصراع ولذلك انطلق من مسؤوليته الشرعية والوطنية بالحفاظ على مصالح العراق وحمايته من موجات التصادم التي كانت تلوح في الأفق".

      الحياد الإيجابي يعني ان الدول مستقلة في رؤية عزيز العراق هي الدول التي لها قرارها وسياساتها وتحالفاتها واصطفافاتها الإقليمية والدولية، ولكن العراق عليه ان يمد الجسور مع الجميع ويبني علاقات جيدة ومتوازنة مع الجميع للوصول الى بر الأمان لان ظروفنا ليست اعتيادية اذ اننا نمر بظروف صعبة واستثنائية وعلينا ان لا نكون طرف في الصراعات"، , الحياد لا يعني أن العراق لا رأي له ولا موقف, لا يبدي رأياً ولا موقفاً ليس هذا هو الحياد, الحياد الايجابي أن يقف العراق ويقول كلمته ورؤيته بكامل الوضوح والصراحة, ولكن لا يفرض هذه الرؤية على أي من الدول الأخرى, ولا يرضخ لإرادات أخرى في فرض رؤيتها عليه على خلاف المصلحة الوطنية, هذا هو الحياد الذي نتحدث عنه,  ولذلك تواصل عزيز العراق مع الجميع زار الجمهورية الإسلامية لمرات ومرات, وتركيا, والدول العربية, وأمريكا, وروسيا, والاتحاد الأوربي وغيرها وغيرها, وفي كل خطوة كان يثير ــــ نتيجة  الاصطفافات والتخلفات, ولكن كان يرى أن العراق يجب أن يكون مع الجميع وللجميع, في فترة تصديه لرئاسة مجلس الحكم وهي مدة شهر واحد قام بجمع العديد من الدول وحاول أن يكرس نمطية التواصل في العلاقات الإقليمية والدولية عبر اتصالاته وتواصلاته بشكل كبير, وكان يدرك أن هذه الخطوات ستجعله في مرمى السهام لمن يريد أن ينال منه شخصياً أوسياسياً, ولكنه كان يؤمن برؤيته ولديه القناعة بأن مصلحة العراق في هذه الخطوات, وتحمل كل الأعباء وكل المشاغبات وكل التشويش والاستهداف ومضى بخطوات واثقة وثابتة في هذا السياق.

      إن عزيز العراق لم يكن يبالي كثيراً لحساب مواقف اللحظية ولكنه يقوم بالخطوات الكبيرة والاستيراتيجية بدقة وهدوء وكان يعي إنها ستهدي أُكلها وثمارها ولو بعد حين, إننا حينما نستذكر عزيز العراق ونستذكر رؤيته بعد مرور ثمان سنوات على رحيله إنما نتحمل مسؤوليتنا الأخلاقية اتجاه ربنا واتجاه التاريخ واتجاه شعبنا في أن نُعرف برجل تميز بذكران الذات وعمل بالمقاسات الوطنية وقدم المصلحة العامة على الاعتبارات الأخرى, والاطان أنما تبنى حينما تتعرف على قادتها ورجالها وتستحضر مناهجهم ومناقبهم, وحديثنا هذا ليس حديث عتاب وإنما حديث حقائق وإنصاف وهو اقل شيء نقدمه لعزيز العراق في ذكرى رحيله حينما ننصفه في رؤيته وفي مواقفه وانجازاته بل وحتى في إخفاقاته لو كانت, فالقادة يعلمون ويتفاعلون ويصيبون ويخطأون ولكن علينا أن نتفهم ونتعرف على رؤيتهم ثم نقيم أعمالهم وأفعالهم ومواقفهم انطلاقا من تلك الرؤية فإما نوافقهم عليها وإما نعذرهم عليها إن كنا مختلفين معهم.

      إننا في هذه الذكرى الكريمة وتأكيداً للسير على النهج الذي خطه شهيد المحراب وعزيز العراق, ننتهز هذه الفرصة لتوجيه بعض الرسائل المهمة والضرورية بهذه المرحلة.

    أولاً: رسالة إلى أبنائنا وإخواننا الأبطال من قواتنا المسلحة وحشدنا الشعبي والعشائري والبيشمركة وكل العناوين الطيبة التي تقاتل دفاعاً عن الأرض والعرض والمقدسات, هؤلاء الذين قدموا أعز ما يملكون لهذا الوطن قدموا أرواحهم, وحققوا انتصاراتٍ كان يشك الكثيرون في إمكانية تحقيقها وفي فترة زمنية قياسية, وأعادوا الثقة للشعب والوطن وفي الوقت الذي نشارف فيه على نهاية هذه المعركة الكبرى والإعلان على انتصارانا التاريخي فإننا نؤكد أن الانتصار الأكبر هو في الحفاظ على هذا المنجز دون تشويه أو تشويش, وفي هذه اللحظة التاريخية علينا أن نجدد التزامنا بمشروع بناء الدولة والانضباط والالتزام بالقانون وكل من يخرج على القانون فلا حصانة له ولا قيمة ولا اعتبار بغض النظر عن حجمه أو دوره في المعركة وفي تحقيق الانتصار, فالوطن أهم من الجميع ومشروع بناء الدولة هو غاية جميع العراقيين ولن نسمح لأحد باختطاف الدولة وتحييد القانون وإرعاب المواطنين.

    ثانياً: في محور الانتخابات وترسيخ الديمقراطية فإننا نؤكد أن الظروف القاهرة هي التي أجبرتنا على القبول بتأجيل انتخابات مجالس المحافظات, ولكننا نؤكد على أن الانتخابات النيابية يجب أن تجرى في وقتها المحدد دون تأخير أو تأجيل, لأننا لا نقبل بوجود فراغ دستوري تحت أي ظرف كان, وسنعمل جاهدين في إطار التحالف الوطني ومن خلال تفاهماتنا مع الكتل النيابية الأخرى الكريمة على إقرار وتشريع قانوني انتخاب مجالس المحافظات ومجلس النواب, واختيار مجلس مفوضين جديد في إدارة الانتخابات, واستكمال الخطوات الضرورية لإجراء الانتخابات المحلية والعامة في الوقت المحدد بإذن الله تعالى.

    ثالثا: وفي محور الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة والمجتمع ويعطل المشاريع, فالفساد أخطر من الإرهاب الداعشي, والفساد أخطر من فتاوى التكفير لأنه عدو من الداخل, ولأنه يزعزع ثقة الشعب بمؤسسات الدولة, ولأنه يشوه التجربة السياسية الوليدة, ولأنه يشكك بمصداقية القوى السياسية المتصدية والتي قدمت الكثير لهذا الوطن, ويكرس الإحباط والضجر لدى الناس ويتبعهم للتشكيك بالجميع, وأسوء الفاسدين أولئك الذين يظهرون بمظهر الإخلاص والوطنية ويتمترسون بالقيم والمبادئ والعقيدة ولكنهم ينافقون ويخفون حقيقتهم تحت هذه الشعارات وهذه الأغطية, والسنة الإلهية إن الله يمهل ولا يهمل, هؤلاء سينكشفون ويفتضحون ويتعرون وسينالوا جزاءهم العادل بما اقترفته أيديهم الآثمة بالتطاول على المال العام وقوت الشعب, ولكن إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, وهذه مسؤولية علينا جميعاً أن نقتلع الفاسدين الجشعين ليكونوا عبرةً لمن اعتبر.

    رابعاً: في المحور الإقليمي نشهد تصعيداً غير مسبوق, وتجيشاً للاصطفافات والتحالفات والمحاور الإقليمية, وتحفيزاً للعداوات والصراعات والخصومات وتعميقاً للتقاطعات في المنطقة, نقولها بوضوح: لا نرى مصلحة لأي طرف من الإطراف في تعميق التقاطعات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية فهما دولتان كبيرات إسلاميتان على ضفتي الخليج, لماذا لا نتعلم ولا نتعض من تجارب العالم القريبة منا ومنها تجربة أوروبا, والعداء المستحكم بين الدول الكبيرة في أوروبا والتي راح ضحيتها عشرات ملايين الضحايا في حربين عالميتين, لم يخرج أحد منهم منتصراً حتى من حسم المعركة لصالحه, وفي النهاية لم تستقر أوروبا ولم تزدهر إلى حينما تحولت المنافسة إلى شراكة, والتقاطعات إلى مساحات للعمل المشترك, ولذلك نقول: مهما تعمقت الانقسامات والمحاور والاصطفافات على ضفتي الخليج فلا حل إلا بحوار مباشر بين إيران والسعودية, والجلوس على طاولة واحدة ووضع المخاوف والاتهامات المتبادلة على الطاولة والوصول إلى الحد الأدنى من التفاهمات, إن إشعال الجبهات لن يؤدي إلا للمزيد من القتل والدمار في المنطقة وحرق مليارات الدولارات على شراء الأسلحة والآلات العسكرية بدل استثمارها بالتنمية والإعمار والازدهار والرخاء لشعوب المنطقة, إن التفهم المشترك للمخاوف والقلق السعودي الإيراني هو الوسيلة الوحيدة للالتقاء في المنتصف, إن الدول الكبرى تبحث عن مصالحها وتنطلق من مصالحها بالتعاطي مع المنطقة وشعوبها ودولها, والتصعيد القائم اليوم سيجعل دول المنطقة رهينة تحالفاتها الدولية بشكل متزايد وهو ما يقلص مساحة استقلال القرار السياسي الوطني في المنطقة, ما زلنا نؤمن أن الحكمة متوفرة لدى الطرفين والطرق سالكة بينهما ولكنه يحتاج إلى قرار شجاع من الطرفين للتحرك باتجاه بعضهما البعض, إن منطقتنا اليوم تقف على حافة حريق كبير سيلتهم الأخضر واليابس إذا لم يتدارك العقلاء في الطرفين الأمور ونعيد قنوات التواصل ونمد جسور الحوار بين الأطراف, نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لنسير نحو الحوار والتفاهم والتهدئة وحفظ مصالح المنطقة وشعوبها ودولها وتحقيق الاستقرار بإرادة سيادية وطنية لهذه البلدان وليس بفرض الأجندات الأجنبية.

     الرحمة لشهدائنا والرفعة والسمو لمراجعنا والسلام لمقاتلينا والرفاه والرخاء لشعبنا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون عند حسن ظنهم, اكرر شكري وتقديري لحضوركم لهذه الاحتفالية واسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منكم ذلك, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

     

    اخبار ذات صلة