• الخطبة السياسية للسيد الحكيم خلال امامته صلاة عيد الفطر المبارك 1443 هـ - 3/5/2022

    2022/ 05 /03 

    الخطبة السياسية للسيد الحكيم خلال امامته صلاة عيد الفطر المبارك 1443 هـ - 3/5/2022

                       بسم الله الرحمن الرحيم 

    الحمد لله رب العالمين وصلىّ الله على سيدنا محمـد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين

    عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله

     

     بعد مضي سبعة أشهر على إجراء إلانتخابات المبكرة في العراق .. ما زلنا نشهد تلكؤا واضحاً في تشكيل مشهد سياسي جديد ينسجم مع الغرض الأساس الذي من أجله أُجريت الإنتخابات المبكرة والتي كلفت الدولة الكثير من الجهد والمال.. فضلا عن تعطيل رغبة الشعب في تشكيل حكومة قوية ومتماسكة لإيجاد تغيير حقيقي وفاعل في بنية البلد وقطاعاته وحقوله المتنوعة خدميا وإقتصاديا وأمنيا.

    إن الأوضاع السياسية في البلاد في ظل الظروف الحساسة ، تحتاج الى مراجعة ومعالجة واقعية و سريعة تنقلنا من حالة إلانسداد الى إلانفراج

    ومن الجمود الى الحراك ومن التقاطع الى التفاهم وكل ذلك ممكن ومتاح إذا ما استثمرنا الأجواء المعنوية لعيد الفطر المبارك وحَكّمنا العقل والحكمة والحوار وشحذنا الهمم.

    أقولها بوضوح وحرصٍ ومحبة .. إن عملية الكسر السياسي لاتخدم طرفاً ولاتبني بلداً ولاتحقق هدفاً ومن شأنها أن تزيد من التعقيدات القائمة..

    إن بقاء الأمور كما هي والتسليم لما يجري وإنتظار الحلول من الخارج أو الإستمرار بمنهج التقاطع والتنافر والتراشق يمثل خطراً محدقاً ستكون  له عواقب وخيمة على الديمقراطية وعلى مبادئ إحترام الدستور والقانون والتداول السلمي للسلطة وعلى مسار بناء الدولة ومؤسساتها.

     

    يجب أن نستنكر بوضوح أي تعدٍ أو تجاوز على الدستور وتوقيتاته ومواده ، ويجب أن نوقف أي إضرار بمصالح الناس وأرزاقهم وخدماتهم من عدم تشكيل الحكومة.

    إن هذا القصور السياسي إنما يدل على وجود مشكلة بنيوية في طبيعة النظام السياسي وتفاعلاته..

    فليس من الصحيح أن تتحول العملية الإنتخابية الى مشكلة بحد ذاتها..

    والغريب ..  أنه بدلا من استعادة ثقة الشعب بنظامه السياسي..

    وتجديد دماء العملية السياسية نحو الأفضل..

    تتكرر ذات الأخطاء في زيادة الهوة بين الشعب وبين النظام..

    ومن حيث لا نعلم يزدادُ سخط الشباب تجاه المنظومة السياسية..

    وبذلك يتعرض أمن البلد الى تحديات مضافة لتحدياته القائمة..!

    نعم .. هناك معطيات سياسية مربكة.. وهناك ظروف معقدة أيضا..

    لكن هذا القصور والانسداد السياسي سيزيد من التعقيد والإرباك في المشهد..

    وسينتج لنا أزمات تلو أزمات.. ولاسيما مع واقعنا الخدمي والإقتصادي المرهق ، الى جانب التلكؤ في ملف مكافحة الفساد.. وتطوير البنى التحتية.

    وسنبقى حينها ضمن سقف التحديات نفسه و ضمن مناخ التعقيد السياسي المركب.

    إنها دعوة صادقة لجميع الإخوة المعنيين  .. أن نضع مصلحة العراق وأمن شعبنا ومصالحه فوق كل إعتبار.. وأن نتخطى المواقف السابقة بقلوب واسعة.. كسعة العراق لأبنائه.

    نُجدد دعوتنا بضرورة تشكيل حكومة منبثقة من الكتلة الأكبر و التي يشكلها المكون إلاجتماعي الأكبر في البلاد.

    لكي ننتج معادلة سياسية مستقرة توفر بيئة متوازنة ومطمئنة لحكومة قوية تستطيع تحقيق رغبات شعبنا في حياة حرة كريمة..

    ونحذر بشدة من محاولات تمرير تحالفات غير متوازنة تتخطى حق المكون إلاجتماعي الأكبر في ترشيح رئيس لمجلس الوزراء.

    او تعيد اصطفافات التجارب السابقة التي لم تنتج الا مزيدا من التعقيد والإرباك في عموم المشهد.

    فلا نجاح لأي أغلبية سياسية إذا لم تراعي أغلبية المكونات المشكلة لهذه الأغلبية بعيداً عن الكسر بالشركاء

    فمشهدنا السياسي لا يتحمل مجازفات ومغامرات جديدة.

    كفانا إضاعة للوقت وهدرا للجهود الخيرة.

    ان بناء البلد يتطلب تشخيصاً واضحاً لحجم التحديات ونوعيتها.. ويتطلب رؤية واقعية وفاعلة في كيفية المعالجة والشروع بها.. اذ لا يمكن معالجة كل شيء في آن واحد.. وعليه لابد أن تتكامل الحكومات فيما بينها على إكمال ما تم الشروع  به.. والتأسيس لمشاريع أخرى في ذات السياق ضمن أولويات البناء والنهوض بالبلد..

    وعليه.. أدعو جميع القوى السياسية في مجلس النواب.. ممن إختار المشاركة في الحكومة المقبلة أو المعارضة.. إلى إصدار ( وثيقة البناء الإستراتيجي للبلد) وإشراك المؤسسات الحكومية والمدنية في صياغة هذه الوثيقة.

    على أن تتضمن تلك الوثيقة مدداً زمنية ملزمة للحكومة التي يتم منحها الثقة النيابية ومحاسبتها على نسب الإنجاز.

    فالعراق مقبل على أزمات بيئية وإقتصادية خطيرة جدا إذا لم نوقف تداعيات الانسداد الحالي.. ونبدأ بالنهوض بشكل عملي وواقعي..

    فهناك زيادة سكانية كبيرة في العراق مقارنة بالدول الأخرى..

    ولدينا زيادة سنوية كبيرة في تصحر الأراضي الزراعية..

    ولدينا ضغط كبير في البنى التحتية للدولة.. وأهمها في قطاعات الصحة والتربية والتعليم.

    وإصلاح ذلك كله يتطلب وقفة مسؤولة من الجميع.. فلا تستطيع أي حكومة مهما كانت قدراتها الفنية إنجاز ذلك من دون تكاتف سياسي لتحقيق أهداف و أولويات محددة.

    شهدنا في الآونة الأخيرة ظهور معدلات كبيرة وغريبة في نوعية جرائم العنف الأسري والمجتمعي..

    فضلا عن تزايد حالات الإنتحار والقتل في داخل أفراد الأسرة.. وهي أمور دخيلة لم نكن نسمع بها ولا تنسجم مع قيم الأسر العراقية ومبادئها المعروفة.

    ولعل معظم الدوافع والأسباب متعلقة بإنتشار المخدرات في أوساط الشباب..

    وحالات الإنفلات والفوضى الرقمية في منصات التواصل الإجتماعي التي باتت تهدد التماسك الأسري والتوعوي بين طبقات المجتمع كافة.

    وهو ما يتطلب وقفة جادة للتعرف على أهم الأسباب وتشخيص مدياتها وأبعادها الإجتماعية..

    والسؤال الأهم : لماذا لا نجد في قنواتنا الإعلامية .. ومنظماتنا المدنية.. إهتماما يتناسب مع خطورة هذا الملف؟

    وهل هناك أهم من بناء الأسرة وتمتين علاقتها مع المجتمع؟

    كيف يمكن أن نبني دولة ونحن نعيش تهديداً مباشراً لأمن أسرنا وقيم أبنائنا..

    إنني أدعو المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني وبإشراف مباشر من الحكومة إلى إطلاق (خطة مجتمعية بعيدة المدى) تأخذ على عاتقها تحديد أهم المشاكل التي تهدد الأسرة العراقية.. وتعمل على معالجتها بطرق علمية مدروسة ومحددة بمهام موكلة لكل مؤسسة حكومية أو مجتمعية..

    وأن تكون هذه الخطة مقرونة بقوانين تساعد الجهات المعنية على وقف كل مايعرقل عملية الإصلاح المجتمعي.

    لا يمكن إصلاح حالنا من دون خطط مدروسة ومحددة المهام والأسقف والأهداف..

    إجعلوا الخطط هي المعيار في محاسبة قصور الآخرين.. كفانا إتهامات وتأويلات ولتكن بوصلتنا معطيات ومعايير حقيقية للمحاسبة والتقويم.

    إننا نرحب كثيرا باستئناف سوريا لدورها في المحيط العربي.. كما نشيد بدور أشقائنا العرب في طي هذه الصفحة الحالكة التي استنزفت الكثير ونحن ندور في متاهات لا أفق لها وقد كانت على حساب أمننا العربي ومصالح شعوبنا ومستقبل أجيالنا..

    إن غياب الدور العربي والإسلامي الفاعل والمؤثر.. سمح للقوى الدولية والإقليمية أن تتدخل بشكل سلبي في المحيط العربي والإسلامي.. وأن تستهدف السيادة العربية والإسلامية وتضعف أواصر العلاقات الأخوية بينهم..

     

    إن مصيرنا العربي والإسلامي المشترك يحتم علينا التفاهم والحوار وتعميق أواصر الأخوة العربية والإسلامية.. فلا يمكن أن نكون "خير أمة أخرجت للناس " مالم نكن مثالاً " للوحدة والإعتصام بحبل الله المتين".

    نجدد استنكارنا للعمليات العسكرية التركية المتكررة على سيادة أراضينا.. ونرفض استخدام الأراضي العراقية للإعتداء على دول الجوار أواستهداف أمنها القومي..

    إن تسليط الضوء على هذا الملف بات ضرورة وطنية.. فكما أننا لا نريد تعكير الأجواء مع الجارة تركيا.. لوجود وشائج مجتمعية ومصالح كبيرة ومهمة معها .. فإننا في الوقت نفسه لا نريد أن تُستهدف السيادة العراقية بهذه الطريقة التي تجرح الكرامة العراقية وتستفز أبناء العراق.

    ولابد لنا هنا أن ندعو الحكومة الى مكاشفة الشعب والقوى السياسية عن الإجراءات المتخذة في معالجة هذا الملف الذي يستهدف السيادة العراقية.. وأن تكون المعالجات بقدر المسؤولية والأهمية الوطنية لهذا الملف الحساس.

    ما زلنا نراقب الأحداث في المشهد الروسي الأوكراني.. ونتأسف كثيرا لتغليب لغة العنف والحرب على خيار التفاهم والحوار البناء.. إن النظام الدولي وما يعانيه من مشاكل إقتصادية وبيئية خطيرة تهدد أجيالنا في المستقبل القريب.. لا يمكن أن يصمد أمام تغليب لغة العنف والحروب وخيارات كسر الإرادة الدولية مهما كانت الأسباب..

    وإننا في العراق قد خبرنا لغة الحروب وظروفها.. وشهدنا تداعياتها الأليمة على شعوب المنطقة برمتها..

    لذا ندعو المجتمع الدولي الى إتخاذ قرار سريع يساعد الأطراف على إيقاف إطلاق النار والعودة الى احترام خيار السلام والتفاهم والحوار..

    إن تداعيات استمرار هذا الصراع لن تقف عند الحدود الأوكرانية الروسية فحسب.. بل ستمتد لتصبح تهديداً مباشراً لأسس النظام الدولي القائم.. ولا سيما بعد فشل مجلس الأمن الدولي في إيجاد حل للأزمة القائمة حاليا..

    فما قيمة عمل المؤسسات والمنظمات الدولية إن لم تستطع إيقاف الحروب والانتهاكات الإنسانية المتكررة للشعوب والدول..!؟

     

    اخبار ذات صلة