• نص كلمة السيد الحكيم بمناسبة احتفالية اليوم الوطني للتسامح ٦-٣-٢٠٢٣

    2023/ 03 /06 

    نص كلمة السيد الحكيم بمناسبة احتفالية اليوم الوطني للتسامح ٦-٣-٢٠٢٣

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آهل بيته الطاهرين وصحبه المنتجبين..

    السادة والسيدات الحضور 

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    يطيب لي بدءاً أن أتقدم بالشكر والتقدير لمستشار الأمن القومي جناب الأخ السيد قاسم الأعرجي وفريقه المثابر ، لما يبذلونه  من جهود حثيثة ونوعية في ساحتنا الوطنية لترسيخ دعائم الأمن والسلم  والاستقرار في البلاد .

    وجدير بالذكر أن هذه الجهود المبذولة من إخوتنا في مستشارية الأمن القومي قد ركزت على معالجة قضايا الأمن الوطني والاستقرار وانعكاسها على الصعيد القومي من دون الاقتصار على الأبعاد الأمنية والعسكرية التقليدية وإنما باعتماد منطلقات علمية و فكرية و ثقافية و اجتماعية ، لتقديم الحلول الجذرية للأزمات الواقعة او المتوقعة ، وتشخيص المخاطر الكامنة أو المحتملة وهذا منجز يحسب لهم ويجدر الاستمرار فيه و تراكم العمل عليه.

    إن الإرهاب و التشدد والتطرف والتعصب والتحيز والتمييز تمثل مفاهيم وسلوكيات مدمرة وخاطئة وخطيرة لا تتم معالجتها بالنصوص القانونية او الاجراءات الحكومية الأمنية فحسب ، لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بنمط حياة واسلوب تفكير و ثقافة المجتمعات الإنسانية وتجاربها ، فكلما كانت تلك المجتمعات أكثر تماسكا وتفاهما في بناها الاجتماعية و الثقافية كلما كانت أكثر حصانة ومناعة أمام المفاهيم الخاطئة والسلوكيات المدمرة .

    إن تحصين المجتمعات عبر ترسيخ قيم السلام والتسامح والتراحم والتضامن وغيرها من القيم الإنسانية ، بحاجة الى مقدمات ضرورية ينتج عنها منظومة قيمية اجتماعية متكاملة ومتماسكة ، وقناعات متجذرة في الوجدان والعقول ، تكون في نهاية المطاف سمة ملازمة و متوارثة في المجتمع بجميع أجياله .

    إن مفهوم التسامح يعني الصفح والعفو والاحسان ، وتجاوز الأخطاء الاجتماعية المتبادلة وصولا الى حالات السلم والاستقرار الدائمين ، ويعني أيضاً إدراك أهمية التنوع والتعدد الاجتماعي و التعامل الأمثل مع هذا التنوع عبر احترام الآخر بكل ما يحمله من تعدد ديني ومذهبي وقومي وثقافي وسياسي ومناطقي ، وهو يمثل قيمة أساسية في المنظومة الأخلاقية و سبيلا واضحاً للوصول الى التعايش و الوئام المجتمعي.

    إن التأكيد على المنظومة الأخلاقية و ترابط المفاهيم فيها ، وفي مقدمتها مفهوم التسامح ، يأتي بناء على حقيقة مفادها أن القيم النبيلة متداخلة مع بعضها وتمهد الواحدة منها للأخرى ، و لايمكن أن نتوقع رسوخ بعضها بمعزل عن الأخريات .

    فعندما نتحدث عن التسامح فإننا يجب أن نشير الى مفاهيم الشهامة والشجاعة والعزيمة والعدالة والمساواة والانصاف والتحلي بالمروءة والحلم و الصبر وسعة الصدر ، فكلها مفاهيم مترابطة ، تشير نصوصنا الدينية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) اليها تحت عنوان (جنود العقل) في قبالة (جنود الجهل) التي تتناقض وتتقاطع تماماً مع تلك القيم الإنسانية العليا .

    إن حديث جنود العقل الوارد في كتاب أصول الكافي للمرحوم الكليني و الذي يشير الى (75) قيمة أخلاقية في قبالة (75) مفهوماً مناقضاً لها ، إذ يرد الحديث على لسان الإمام الصادق (عليه السلام) في تمجيد العقل ومكانته من منظور ديني و إنساني ، وهو مصداق واضح للإستدلال على ضرورة اشاعة نمط التعقل والتدبر والعقلانية في مجتمعاتنا كافة.

     

    إن عالمنا اليوم يقدر عالياً ويحترم العقلانية والتعقل في مختلف الأرجاء والمساحات وهو ما ينسجم مع ثوابتنا الدينية التي تحث على اتخاذ العقل أساسا في ترسيخ المفاهيم الإنسانية والقيم الأخلاقية وإشاعتها كالتسامح والتعايش والتضامن.

    وتأتي الإشارات الدينية لجنود العقل في سياق يشير إلى أن هذه المفاهيم و القيم ليست مفاهيم تعبدية و روحية وأخروية بحتة ، بل إنها قيم لحياة دنيوية سعيدة و آمنة ومزدهرة ، إنها قيم انسانية ونمط وأسلوب للحياة وسبيل للاستقرار  النفسي والمعيشي لكافة الناس بحسب مواهبهم العقلية والفطرية التي تقودهم الى العمل التكاملي والحياة المشتركة للإفادة من نِعم الطبيعة وخيرات الأرض التي يعيشون فيها والمجتمعات التي ينتمون إليها ويندمجون فيها.

    لقد تمكن عراقنا بعراقته و أصالته و حضارته العتيدة و شعبه الكريم بصفاته وسماته وجذوره السامية وقواعده الفكرية و الثقافية أن يرسم ملامح نموذج استثنائي في الشرق الأوسط مفاده أن التعدد والتنوع القومي والديني والمذهبي فيه ليس إلا نقطة قوة تجمع أبناء البلد باختلاف مشاربهم واتجاهاتهم ،  في إطار وطن واحد ضمن نمط حياة تقوم على التسامح والسلام.

    نعم .. لقد حاولت و تحاول العديد من الأجندات والمخططات و الأيادي الخبيثة التلاعب بهذه المنظومة القيمية المترابطة ، ولكنها فشلت وستفشل دوماً بإذن الله ، مادمنا نتخذ من العقلانية الراشدة ومن فطرتنا السليمة أساساً ومن هويتنا الوطنية و ثوابتنا الدينية القويمة سبيلا للتعايش و التسامح و التكاتف .

    ومن هذا المنطلق نؤكد على ضرورة تكاتف جميع القوى الخيرة في البلاد من مؤسسات الدولة والقوى السياسية والمنظمات الاجتماعية ، والعمل على ترسيخ هذه المفاهيم وتنشئة الأجيال على أساسها وإشاعة ثقافة التسامح وتكريسها في كافة أرجاء الوطن الحبيب ، ليكون العراق محصنا من كيد الأعداء ونموذجا للاعتدال والتسامح في المنطقة والعالم .

    آتمنى لمؤتمركم النجاح والتوفيق في تحقيق أهدافه المرجوة وأسال الله أن يتغمد شهداء العراق جميعاً ولاسيما شهداء قواتنا المسلحة الباسلة ، ويحفظ مراجعنا العظام وأبناء شعبنا الوفي المعطاء.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    اخبار ذات صلة