• نص كلمة السيد الحكيم في مؤتمر يوم العراق بمكة المكرمة 1444 هـ - 2023م

    2023/ 06 /23 

    نص كلمة السيد الحكيم في مؤتمر يوم العراق بمكة المكرمة 1444 هـ - 2023م

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

    أصحاب السماحة والفضيلة والسيادة ..

    الإخوة والأخوات  الحضور من حجاج بيت الله الحرام 

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    -نحمد الله و نشكره على عظيم نعمائه وتوفيقاته في اتاحة هذه الفرصة العظيمة مرة أخرى ، لنجتمع معا في رحاب بيت الله الحرام في هذه البقعة الطاهرة المقدسة لأداء شعيرة الحج إلى جانب المسلمين الوافدين من كل بقاع الأرض لتأدية هذا الواجب الإلهي و التكليف الديني العظيم.

    -إن شعيرة الحج العظيمة بكل ظروفها الاستثنائية من حيث التوقيت المحدد والاستطاعة المالية و التوفيق الإلهي لأدائها بكل ما تحمله من أمنيات إيمانية في صدور و قلوب المسلمين لتأديتها ، و الحظوة ببركاتها و رشحاتها ونفحات مشاهدها و مقاماتها و أعمالها ، تحمل في طياتها العديد من الأسرار و الآثار و الحكم و العبر السماوية ، المراد معرفتها و التأمل فيها وفي مغزاها ، ويمكن تلخيص ذلك في الإنجازات الآتية :

    -الحج من الناحية الفردية :هو رسالة ضيافة واختيار واصطفاء إلهي للإنسان المسلم لكي يكون أمام فرصة استثنائية فريدة لتأدية هذه الشعيرة وأداء التكليف الشرعي وتحقيق أمنيته بالحضور المباشر في المشاهد المشرفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث تجتمع القلوب والعقول والنفوس على توحيد الله وعبادته ، وتوقير حرمه و بيته و شعائره ، وزيارة حبيبه ونبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ومبايعته ، و أداء واجب المودة والمحبة والموالاة لأهل بيت النبوة والرحمة والتشرف بمواضع الوحي ونزول آيات الله و ملائكته.

    كل ذلك في مكان معلوم و توقيت محدد و أعمال موحدة و أبواب مشرعة للسماء ، تتيح للمسلم المؤمن أن يتزود بأكبر قدر من الفيوضات و البركات الإلهية المنزلة كلاً على قدر استيعابه وحضوره الروحي و النفسي.

    -إن الحج دورة عقائدية و روحية مكثفة ، مليئة بالثوابت والمبادئ والأسرار والآثار والمعاني التي تتطلب منا استيعابها والتوقف عندها والتزود بها بأفضل صورة ممكنة.

    -والحج من الناحية الاجتماعية : يعد مجمع المسلمين وموضع التقاء الصالحين ، وهي فرصة فريدة لرؤية الملايين من البشر الذين يجمعهم رباط الأخوة وحبل الله المتين و العقيدة الواحدة ، بمعزل عن قومياتهم ولغاتهم و أوطانهم وألوانهم و طبقاتهم ومهنهم وأنسابهم وأحسابهم وطوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم.

    فهنا في رحاب بيت الله الحرام ، الكل سواسية كأسنان المشط ، أبيضهم و أسودهم ، فقيرهم و غنيهم ، حاكمهم و محكومهم ، عالمهم و جاهلهم ، الجميع في ضيافة الله بزي واحد و شعائر واحدة ومواقيت موحدة و واجبات مشتركة .

    وفي ذلك رسالة إيمانية واضحة بأن الله خلق الناس من أصل واحد و عليهم أن يتذكروا على الدوام بأن خالقهم واحد و عبادتهم واحدة و أصولهم نابعة من هذا الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يكن له كفواً أحد. 

    إن رسائل التضامن و التعاون و التكاتف و التعاضد بين المسلمين ، تتجلى بأبهى صورها الاجتماعية في شعيرة الحج و هي رسالة يجب أن تبقى عالقة و راسخة ومستمرة في عقول و أذهان أبناء الأمة الإسلامية في كل زمان ومكان .

    أن هذه الوحدة هي رسالة قوة وعزيمة و ثبات للمسلمين وهي دليل على إيمانهم و رسالتهم وعقيدتهم و هويتهم الواحدة في كل أنحاء العالم.

    -و الحج من الناحية الأخلاقية : هو رسالة سلم و سلام و محطة للاعتدال و التوازن والضبط النفسي و الانضباط الأخلاقي للمسلم .

    فالحج ( أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

    فالإسلام يدعو حجاج بيت الله الحرام بنحو صريح إلى الابتعاد عن ملذات الحياة و شهوات الحرام و منافسات الدنيا و جدالاتها العقيمة ، كما يدعوهم إلى الامتناع عن إيذاء الآخر إنسانا كان أم حيوانا أم جزءاً من بيئته الطبيعية ، ويحتم عليه التنازل عن البهرجة و الكماليات و العادات المنافية للعبادة و المضرة بالعلاقات الإنسانية .

    كل ذلك في دورة أخلاقية مكثفة يراد لها أن تكون طابعا عاما و سلوكاً مستمرا في حياة الإنسان المسلم تجاه نفسه و الآخرين .

    -و كذلك فإن الحج محطة سياحية دينية لإعادة التأمل و التدقيق في تاريخ الإسلام و نشوئه ومبادئه وثوابته ، والاقتراب من جذوره ومشاهده الأولى ، لأخذ العبر والدروس و الشعور الحقيقي بقيمة تضحيات أولئك الأصحاب الذين قدموا أرواحهم و دماءهم و أموالهم و أنفسهم في سبيل الله والرسالة الإسلامية والرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ، و معرفة عمق المسؤولية و الأمانة الملقاة على عاتقنا في ايصال الصورة الحقيقية للإسلام وهيصور العقيدة و الهوية و الأخلاق و الرحمة و المحبة و السلام التي تبناها رسولنا الكريم وآله الأطهار و صحابته المنتجبون .

    إن مسؤوليتنا اليوم هي اظهار الخزين الروحي والأخلاقي والإنساني لإسلامنا المحمدي الناصع و لأجيالنا المسلمة الفتية و لعالمنا والبشرية جمعاء ، لكي نكون خير خلف لخير سلف في أصالتنا وحفظ جذورنا من جهة و في تعزيز حركتنا و تواصلنا مع حاضرنا ومحيطنا العالمي من جهة أخرى.

    -إن اجتماعنا السنوي هذا ظل طيلة العقود الماضية يمثل اجتماعا لوحدة العراقيين وانعكاسا لهذه الوحدة في حجهم و شعائرهم كما في وطنهم و مجتمعهم في بلادنا الحبيبة ، و نحن إذ نعلن تمسكنا برسالتنا الإسلامية و قيمنا الإنسانية وأهدافنا الوطنية ، فإننا ندعو هذا الجمع الكريم والعراقيين و المسلمين في كل مكان إلى التكاتف و التحابب و التعاون في سبيل الله ومن أجله و طلباً لمرضاته.

    فإلهنا الذي خلقنا من أصل واحد و شرفنا بمسؤولية خلافته على الأرض و اتباع رسله وملائكته و كتبه ، قد ألقى علينا مسؤولية عمران الأرض و صيانة الأمانة و الحفاظ على قيم الأخوة و روابطها و لوازمها .

    -من هنا يتحتم علينا استثمار الاستقرار الأمني في بلادنا وحسن التوظيف للوفرة الاقتصادية الحاصلة لغرض الانطلاق بنهضة عمرانية كبرى في عراقنا الحبيب جنباً إلى جنب حكومة و شعبا ، وأن نطوي صفحات الماضي نحو مستقبل أفضل بإذن الله.

    -كما أدعو حجاجنا العراقيين الكرام إلى الانفتاح على كافة حجاج بيت الله الحرام الوافدين من محيطنا الإقليمي أو البقاع البعيدة ، للتأكيد على الوحدة الإسلامية وقيم الأخوة و فرص التعاون ، و تغيير الصورة النمطية عن عراقنا الحبيب.

    فالحاج العراقي سفير بلاده هنا في الديار المقدسة و أمام الجميع ، وله دور كبير في توثيق علاقات العراق بدول و شعوب المنطقة و العالم .

    أسال الله أن يحفظ العراق وأهله ومرجعيته الدينية العليا متمثلة بالإمام السيد السيستاني (دام ظله الوارف) وسائر المراجع العظام ويرحم شهداءنا الأبرار وقادة الأنتصار ويتم على العراقيين وغيرهم من حجاج بيته الحرام ، حجهم ويتقبل منهم ويعيدهم الى بلادهم سالمين غانمين مقبولين. والحمد لله رب العالمين.

     

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته