الديمقراطية والعنف السياسي نقيضان لايجتمعان
على ان الذي ينبغي ان يفهم من ذلك ان الحرية لاتعني بحال من الاحوال ، التجاوز على الاخر او السعي لهدم بنى الدولة او تقويض الهياكل الاجتماعية التي تمثل الضامن للحفاظ على الاواصر الاجتماعية التي تعد واحدا من العناصر الاساسية لعملية النهوض الحضاري وبناء التجارب المتمدنة للمجتمعات .
وهنا نظن ايضا ان الجميع يدرك ما للديمقراطية من ضوابط ، تفرضها على الاطراف السياسية وإن تجاوز أي ضابطة يمثل ثلمة او انتهاك لمفهوم الديمقراطية الذي من المفترض ان جميع الاطراف الداخلة في عملية سياسية بنيت على اساسه قد تسالمت على قبوله . ولان مفهوم الديمقراطية يعني في وجه من وجوهه الاقرار بالتعددية الايديولوجية وبتعدد البرامج السياسية ، فان هذه التعددية ستفرز نوعا من التنافس على احراز ثقة الجماهير والسعي لارضاءها وهو تنافس تقره آليات العمل السياسي بل هو عماد العمل السياسي الذي يرى في تلبية مطامح الجماهير غاية كبرى من جهة ، ومن جهة ثانية فان التنافس (بما يعني من تسابق على الخيرات) امر محمود في الشريعة حيث أشار الائمة المعصومون (ع) الى ذلك بالقول ( على مثل ذلك فليتنافس المتنافسون ) ، وفي الوقت الذي يمثل ذلك دعوة للعمل الرامي الى ابراء الذمة امام الله تبارك وتعالى اولا ومنفعة الناس ثانيا وترسيخ بناء دولة القانون والعدل والمساواة ثالثا فانه ايضا يمثل دعوة صريحة للتفريق بينه وبين التصارع من اجل احراز المكاسب ، لان الاول يتسق تماما مع ضوابط الديمقراطية ويستجيب لمقومات البناء المتمدن المستفيد من التراكم الحضاري ، في حين ان الثاني لا يمثل اكثر من دعوة نكوصية تعيد المجتمعات الى البدائية التي غادرها العقل البشري منذ قرون لانها لاتستبعد اعتماد العنف وسيلة لتحقيق المكاسب وهي بذلك تمتثل لقانون الغاب بدلا من قوانين العملية السياسية العصرية الطامحة للامتثال الى ضوابط الديمقراطية، وبالتالي فهي دعوة لشرعنة العنف السياسي وهو دون ادنى شك اتجاه لامكان له في ميدان العمل السياسي خاصة في ساحة مثل الساحة العراقية، كونها شهدت ومنذ فترة ليست بالطويلة انجاز عملية سياسية حققت تحولا ديمقراطيا قام على اسس اشاعة الحريات الفكرية وفسح المجال امام التعدد الحزبي والحركي وضمان الحريات الاعلامية وما الى ذلك من مقومات العمل الديمقراطي الحقيقي ، إذ أن العمل السياسي والفاعلية الفكرية لايمكن لها ان تصل مداها الافتراضي مع وجود ضاغط عنفي يعمل على تقييد الفكر وشل الحركة باتجاه البناء و الاصلاح ويؤدي الى انحسار التجربة الديمقراطية وتحجيمها إذ ان الديمقراطية والعنف السياسي نقيضان لايمكن لهما الاجتماع في ميدان واحد .