• كلمة السيد الحكيم التي القيت بالنيابة عنه في المؤتمر الدولي لبناء الجسور بين المذاهب الاسلامية في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية

    2025/ 03 /08 

    كلمة السيد الحكيم التي القيت بالنيابة عنه في المؤتمر الدولي لبناء الجسور بين المذاهب الاسلامية في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا  وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾

    الإخوةُ والأخواتُ الأفاضلُ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

    إنّهُ لمن دواعي السرور وعظيم الاعتزاز أن نلتقيَ اليومَ مجددًا في هذا الجمع المبارك، وفي هذه الأرض الطاهرة، أرض مكة المكرمة، مهبط الوحي، ومنبع الرسالة، ومهد الرسالات السماوية، بجوار بيت الله الحرام الذي جعله الله تعالى قيامًا للناس، وهدىً للعالمين، وقبلةً جامعةً توحّد القلوب والأرواح، وتربط الأرضَ بالسماء، تجمع شمل المسلمين في كل عام، لتُذكّرنا دائمًا بوحدتنا الكبرى التي أرادها الله تعالى لنا، أمةً واحدةً، متآلفةً متراحمة.

    نجتمع اليوم، ونحن نستظلُّ برحمة الشهر الفضيل، شهرِ رمضان المبارك، الذي يتجدّد فيه إيمانُنا، وتترسّخ فيه معاني الأخوة الإسلامية، ومشاعر الوحدة الإنسانية والإيمانية. ونتوجهُ في هذا المقام بالشكر الجزيل للمملكة العربية السعودية الشقيقة، على هذه الاستضافة المباركة، ولرابطة العالم الإسلامي وأمينها العام معالي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، على جهودهم الطيبة في إقامة هذا المؤتمر النوعي، الذي يجسّدُ حرصًا كبيرًا على تحقيق الوحدة الإسلامية، وتعزيز الحوار البنّاء بين المذاهب، والسعي الجاد نحو بناء جسورٍ حقيقيةٍ من التقارب والتآلف بين المسلمين كافة.

    إن عنوان المؤتمر هذا العام (نحو مؤتلف إسلامي فاعل) يعبر عن توفر إرادة صادقة للمجتمعين والراعين لتحقيق ثلاثية .. الائتلاف ، الفاعلية ، والحركة في إطار الإسلام الحنيف نحو تحقيق أهداف مشتركة تعم بالفائدة على جميع الأمة بتنوع مذاهبها ومشاربها وتوجهاتها.

    أيها الإخوة الأعزاء،

    إن الإسلام العظيم، الذي جاء به رسولنا الكريم محمدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو رسالةُ الوحدة والتآخي والسلام، وهو النداء الربانيُّ الجامعُ الذي يوحّد ولا يُفرّق، ويبني ولا يهدم، ويُقرّب بين القلوب، ويوحّد بين النفوس، وينير البصائر، ويرتقي بالأرواح إلى فضاءات التوحيد الخالص. ومن هذه المنطلقات القرآنية السامية، وفي هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التي تمر بها أمتنا، نؤكدُ على جملة من القضايا والأفكار الضرورية، التي تُسهم في تعزيز وحدتنا الإسلامية ومسيرتنا الحضارية:

    أولًا: إن وحدتنا الإسلامية الكبرى تنطلقُ من إدراكنا العميق بأن ما يجمعنا أعظمُ وأعمقُ وأكبرُ مما يفرّقنا؛ فالمسلمون بمختلف مذاهبهم ومدارسهم، يتوجهون إلى قبلة واحدة، ويؤمنون بكتاب واحد، ويستندون إلى نبي واحد، ويجتمعون على أركان عقيدة واحدة، وتجمعهم صلاة واحدة وشعائر مشتركة. ولذلك فإن تعدّد المذاهب والاجتهادات والآراء هو تعدّد تنوّعٍ وإثراءٍ فكري وثقافي ينبغي احتضانه واحترامه.

    ثانيًا: نؤكد على ضرورة تأسيس مراكز بحثية وعلمية مشتركة تجمع علماء الأمة من جميع المذاهب، تقوم بدراسة التحديات والقضايا المعاصرة، وتقديم رؤى وحلول مشتركة، بهدف تعزيز التقارب المذهبي، ورفع الوعي بين أبناء الأمة، وترسيخ ثقافة الحوار العلمي الهادئ، بعيدًا عن التشنج والتعصب والتطرف.

    ثالثًا: الدعوة إلى إطلاق مبادرات إعلامية مشتركة واسعة النطاق، لنشر ثقافة التسامح والوحدة والتقارب، والتصدّي بكل حزمٍ ومسؤولية لخطابات الكراهية والتطرف والتحريض، عبر إعلامٍ مسؤولٍ يُكرّس قيم الوحدة والتآخي.

    رابعًا: أهمية تنظيم مؤتمرات شبابية دورية، تجمع شباب الأمة من كافة المذاهب الإسلامية، ليكون الشبابُ جسرًا دائمًا للتواصل والتقارب، من خلال الحوار المفتوح، والتعرف على الآخر، وتكوين قواسم مشتركة تسهم في تحصينهم من كل أشكال التطرف والانغلاق الفكري.

    خامسًا: ندعو إلى إعداد مناهج تعليمية موحدة، تركّز على المشتركات الإسلامية الجامعة، وتؤكد على قيم الاعتدال والتسامح، وتكون هذه المناهج رافعة لتنشئة أجيال جديدة من أبناء الأمة، تؤمن بالتعددية وتحترم الاختلاف، وتتعامل معه باعتباره فرصةً للنمو والتكامل، وليس سببًا للفرقة والصراع.

    سادسًا: تأسيس صندوق إغاثة إسلامي مشترك، تعبيرًا عن التضامن الإسلامي العملي، حيث تتكامل فيه جهود كل المذاهب الإسلامية لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية وقت الأزمات والكوارث، تعميقًا لمفهوم الأمة الواحدة، وتحقيقًا للتكاتف والتآزر الذي أمر به ديننا الحنيف.

    سابعًا: تفعيل دور المرأة المسلمة، وإشراكها بشكل أوسع في الحوار الإسلامي الداخلي والتقريب بين المذاهب، فالمرأة نصف المجتمع، وهي التي تربي الأجيال وتؤثر في ثقافة المجتمعات، ومشاركتها في هذه المؤتمرات يعزز من فرص نجاح التقارب والتآخي بين جميع شرائح الأمة الإسلامية.

    ثامنًا: إطلاق جائزة سنوية للوحدة الإسلامية، تُمنح لمن يبذلون جهودًا حقيقيةً في تعزيز التقارب المذهبي والتآلف بين المسلمين، لنُشجع على نشر ثقافة الوحدة والتسامح، ونعزز المبادرات الإيجابية والمثمرة في هذا الإطار.

    تاسعًا: نؤكدُ على أهمية ترسيخ مفهوم "الوطنية الشيعية"، وهو المفهوم الذي دعونا إليه مرارًا، ويقوم على اندماج أبناء المذهب الشيعي بشكل إيجابي وفاعل في أوطانهم، والتزامهم بالهوية الوطنية الجامعة، واحترام خصوصية مجتمعاتهم، وتفعيل مشاركتهم الكاملة والعادلة في بناء أوطانهم وتنميتها، وإبعادهم عن الشكوك والاتهامات والتقاطعات.

    إنّ الوطنية الشيعية التي ندعو إليها هي وطنيةٌ مسؤولةٌ وواعيةٌ ومنفتحة، تهدف إلى تقوية الروابط الوطنية بين أبناء الوطن الواحد، دون التنازل عن المبادئ والثوابت العقدية والفكرية للمذهب. وهي في جوهرها دعوةٌ للتفاعل الخلّاق بين أبناء الأمة الواحدة في إطار المواطنة الصالحة والمتكافئة، تضمن للجميع حقوقهم الكاملة، وتؤمّن لهم مساحات واسعة للمشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

    ومن هنا فإننا ندعو إخواننا المسلمين من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف دول العالم الإسلامي إلى الانخراط الفاعل في أوطانهم، والمساهمة الجادة في تحقيق التنمية والاستقرار، وأن يكونوا نموذجًا إيجابيًا للمواطن الصالح المنتمي لوطنه وأمته، بعيدًا عن أي محاولات للانعزال أو الانطواء، أو الوقوع في شباك التوترات السياسية أو الطائفية. كما ندعو الحكومات والمجتمعات الإسلامية إلى احتضان هذه الطاقات الواعدة والكفاءات المتميزة من أبناء المذهب الشيعي، والاستفادة منها في بناء أوطان متماسكة ومستقرة، يكون فيها الولاء للوطن فوق كل الاعتبارات الطائفية والعرقية.

    عاشرًا: نعيد التأكيد على مركزية قضية فلسطين، التي هي قضية الأمة الإسلامية والإنسانية الكبرى، فالدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم ليس مجرد خيار، بل هو واجب شرعي وإنساني وأخلاقي. ونؤكد على ضرورة موقف إسلامي موحّد يُعيد الحقوق لأصحابها، ويوقف ازدواجية المعايير في التعاطي مع مأساة هذا الشعب المناضل والصابر.

    وفي الختام، نسألُ الله تعالى أن يجعل لقاءنا هذا بدايةً مباركةً، تؤسسُ لمرحلةٍ جديدة من الوحدة والتآخي والتكاتف، وأن يحفظ شباب أمتنا، ويحقق لها نهضتها وعزتها ومكانتها بين الأمم، إنه سميع مجيب.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.