• نص كلمة السيد الحكيم في الحفل المركزي لذكرى المولد النبوي الشريف 1447هـ - 2025 م

    2025/ 09 /11 

    نص كلمة السيد الحكيم في الحفل المركزي لذكرى المولد النبوي الشريف 1447هـ - 2025 م

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الذي أرسل نبيّه رحمةً للعالمين.. وجعل في ذكره حياةً للقلوب.. وفي سنته نوراً للأمم والشعوب..

    والصلاةُ والسلامُ على سيد الخلق وأشرف المرسلين سيدنا ونبينا وقائدنا أبي القاسم المصطفى محمد بن عبد الله.. وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار..

    أصحابَ الدولة والسيادة والمعالي والسعادة .. 

    أصحابَ السماحةِ والفضيلةِ

    الحضورَ الكرام ..

    السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

    يشرفني أن أكونَ حاضراً بينكم ومشاركاً معكم في احياءِ هذه المناسبة العظيمة.. ذكرى المولد النبوي الشريف.. الذي يقيمه سنوياً ديوانُ الوقفِ السني برعايةٍ كريمةٍ من دولةِ رئيس مجلس الوزراء الأستاذ محمد شياع السوداني ومتابعةٍ حثيثةٍ من رئيس الديوان معالي الدكتور مشعان الخزرجي.

    إن المناسباتِ الدينيةَ والشعائرَ الإسلامية.. والمواسمَ العبادية ليست طقوساً جامدةً ولا عاداتٍ متوارثةً.. بل هي محطاتُ وعيٍ وايقاظ.. وركائزُ هويةٍ وانتماء، تميِّزُ مجتمعنا الإسلاميَ عن سائر المجتمعات الأخرى.

    فالأسوةُ والقدوةُ والمثالُ هي المخرجاتُ الطبيعية لكل مناسبة وشعيرةٍ من شعائر ديننا الحنيف ، نستضيءُ فيها بسيرة النبيِ المصطفى وأهلِ بيته الأطهار(عليهم أفضل الصلاة والسلام) لنقتبسَ من أخلاقهم نوراً ومن صفاتهم زاداً ، ومن مواقفهم منهجاً ونبراساً في حياتنا وسلوكنا.

    إن إحياءَ المولد النبوي الشريف، هو في حقيقتهِ احياءٌ للصدق والأمانةِ ، وترسيخٌ للعدلِ والرحمةِ في أنفسنا وعوائلنا ومجتمعنا ، وهو دعوة عملية لمراجعة سلوكنا ومدى التزامنا أمامَ هدي السيرةِ النبوية وذكراها العطرة ، وما حملتهُ من معانٍ نبيلةٍ وقيمٍ ساميةٍ وأخلاق عالية ،، وما جسدته من منظومة اصلاح كبرى في نفوس البشرية ومجتمعاتها .

    أيها الأحبة..

    إن المولدَ النبويَ الشريف ليس حدثاً محلياً أو تاريخياً محدوداً.. بل هو ميلادُ حضارةٍ وانبعاثٍ إنسانيٍ جسدته الآيةُ المباركةُ : (وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالمين).

    فجاءت رسالةُ الإسلام لتنقذَ البشريةَ وتنشرَ الرحمةَ والمحبةَ والخيرَ بين الناس بلا تمييز .

    فميزانها العدلُ والتقوى، وقاعدتها الحريةُ والكرامةُ ، وعنوانها الأخلاقُ والقيمُ السمحاء.

    وانطلاقاً من هذا الفهم فإن رسالةَ الإسلامِ هي الرسالة الإنسانيةُ الخالدةُ التي تتجاوزُ فوارقَ الهويةِ والعِرقِ والجغرافيا ، وفقاً لقاعدة ( لا فرقَ بين عربيٍ وأعجميٍ إلا بالتقوى).

    وما أحوجنا اليومَ في زمنِ تتقاذفهُ الأزماتُ وتتجاذبهُ التحديات ، إلى استلهام تلك السيرةِ النبوية الشريفةِ التي كانت وما زالت وستبقى مناراً للإنسانية كلها.. مسلمين وغير مسلمين .

    فثروةُ الأممِ ليست في آبار نفطها أو جبالِ معادنها.. وإنما في جواهر أخلاقها وكمالِ قيمها، فإن ضاعت الأخلاقُ ضاعت الثروات ، وإن سقطت القيمُ سقطت الأوطان.. ولا قيمةَ للثروةِ المادية إن لم يتوفر ما يعادلها من ثروةٍ روحيةٍ وقيم عليا ، تتربى عليها الأجيالُ ويبنى من خلالها المستقبل.

    قال تعالى: (كنتم خيرَ أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).

    إن ميلادَ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ميلادُ الأمل، ولنتعاهد تحت هذا العنوان السامي ولنعاهد الله أن يكون ميلاداً متجدداً لعراقٍ قويٍ موحد.

     لنطرح مشروعًا عراقيًا وطنياً نسميه (المشروعَ النبوي للعراق) يقومُ على قيم العدل، والوحدة، والخدمة العامة، وإعلاء قيمة الإنسان.

    وليكن عراقنا (رحمةً للعالمين) في واقعهِ ومحيطه ، بلدًا جامعًا بين الشرق والغرب، ومنصةً للحوار الإقليمي والدولي، لا ساحةً للصراع والتقاطع.

    ولنمكّن شبابنا ونساءنا ليكونوا طاقةَ بناءٍ وإعمارٍ ، فالمستقبلُ رهنٌ بسواعدهم وإبداعهم.

    الحضورُ الكريم..

    إذا كان ديننا واحداً.. وكتابنا واحداً.. ونبينا واحداً.. وبلدنا واحداً.. أفلا يجدرُ أن تكونَ كلمتنا واحدةً ومواقفنا متحدةً.. 

    ولاسيما مع التهديد والمخاطر التي تحيط بنا ولا تفرق بين مدينةٍ وأخرى .. ولا بينَ قوميةٍ أو مذهب ، بل تستهدفُ الجميعَ بلا استثناء.

    إن الحربَ الفكريةَ والثقافيةَ والأفكارَ الدخيلةَ التي تقتحمُ فضاء مجتمعنا... تهددُ شبابنا في كل مكان.

    والمخاطر التي تهددُ بلدنا ومجتمعنا لا تستثني أحداً.. بل تريدُ استهدافَ وحدتنا وما تحقّق من مكاسبَ كبيرةٍ خلال العقدين الماضيين .. فهي لا تريدُ أن تستنزفَ ثروات بلدنا فحسب ، بل تريدُ تفكيكَ نسيجه الاجتماعي وتمزيقَ وحدتهِ الوطنيةِ التي بنيت بدماء الشهداء وتضحياتهم.

    لا نبالغ إذا قلنا أن العراقَ اليومَ في قلب الأحداث .. فهو أرض الأنبياء وموطنُ الأئمة والأولياء ، وهو البلدُ الزاخرُ بتراثه الإسلامي المشرق وقيمهِ الاجتماعيةِ الأصيلة.. وهذا كافٍ وحدَهُ ليجعل منه ساحة صراعٍ ومحطَ اطماعٍ ومسرحَ تنافس ، وهدفاً دائماً لمحاولات الهيمنة والتأثير.

    لكن المسؤوليةَ الأخلاقيةَ والواجبَ الوطني يحتمان علينا أن نكون بمستوى التحدي وأن نواجه هذه المخاطر والتحديات بروح التكاتف والتراحم والمسؤولية والتواصي بالحق وبالصبر.. قال تعالى:(واعتصموا بحبل اللّٰه جميعاً ولا تفرقوا) .

    إن وحدتنا الداخليةَ هي صمامُ الأمان، وقوتنا الوطنيةَ هي درعُ الحماية.

    ولمّا كنا نستلهمُ من السيرة النبويةِ الشريفةِ قيمَ العدل والرحمة ،، فإننا مطالبونَ اليوم بتحويل هذه القيم إلى مشروع وطنيٍ يحفظُ العراقَ ويصونُ دماء أبنائه ويعزز مكانته في المنطقة والعالم.

    أيها الأكارم الاعزاء ..

    إن الاحتفاءَ بالمولدِ النبوي الشريف يجبُ أن يتحولَ إلى منبرٍ للوحدة.. وميدان للتجديد ، ومشروع للنهضة..

    يعيد للأمة بريقها ،، وللعراق مكانتهُ ،، وللإنسانيةِ رسالتها.

    لدينا الفرص.. ونمتلكُ القدرةَ والإمكانات عبر توحيد الجهود لبلورة خطاب مسؤول وسلوك وطني جامع لا مفرق ، نحو تحقيق أهداف التنمية البشرية والعمرانية في جميع قطاعات الدولة العراقية، ومن خلال ذلك نستطيع أن نفعِّلَ الدور الإقليمي والدولي المطلوبين من العراق تجاه قضايا أمتنا الإسلامية والعربية من دون مهادنة للباطل على حساب الحق وكرامة  شعوبنا المسلمة وحرياتها .

    فالاستهتار الإسرائيلي في منطقتنا العربية والإسلامية ومجازره اليومية بحق شعوبنا في غزة والضفة وسوريا ولبنان واليمن وفي ايران وقطر لا يمكن السكوت عليها ،ولن يتوانى العراق وشعبه في الوقوف مع المظلومين والمضطهدين.

    فمنهجنا محمديٌ .. لايعرف إلا العزةَ والكرامةَ والوقوفَ مع المظلومين.

    إن شعبنا أمام استحقاقٍ إنتخابي مهمٍ يرسخ من خلاله تجربته الديمقراطية الرائدة ، إذ يشهد اليومَ تنافساً ديمقراطياً كبيراً يتميز به عن كثيرٍ من دول المنطقة ، وهي نتيجة طبيعية لمكاسب نظامنا السياسي الذي استطاع العراقيون حمايته بتضحياتهم الكبيرة ووقوفهم صفاً واحداً في أحلك الظروف وأكثرها تعقيداً وتهديداً..

    لذا لابدَ من الحفاظ على هذه المكاسب بإبعاد روح الفرقة والتناحر ونبذ لغة الكراهية التي تصدر من الضعفاء على حساب التنافس الإنتخابي الديمقراطي.

    من حق كل جهة أن توجه جمهورها بالشكل الذي تراه صالحاً لخدمة البلد لكن حذارِ أن يكون على حساب وحدة البلد وتآلف مكوناته وقومياته .

    فوحدة العراقيين وتكاتفهم خط أحمر ، ولا يمكن السماحُ لأي جهةٍ أو شخصٍ أن يتعدى هذا الخط الوطني مهما كانت الدوافع والأسباب.

    أدعوكم جميعًا إلى المشاركة الواسعة والفاعلة والواعية في الانتخابات، فالفراغُ لا يترك غير الفوضى والانقسام.

    وليكن اختيارنا قائمًا على البرامج والخدمات والكفاءة والنزاهة، لا على المصالح الضيقة أو الانتماءات الجانبية ، فالعراق بحاجة إلى رجال دولة لا رجال سلطة، إلى قادة يعملون من أجل المشروع الوطني لا من أجل المكاسب الآنية.

    فلنرسخ الثقة بين المواطن والدولة عبر محاربة الفساد والإصلاح الحقيقي.

    ولنثبت للعالم أن العراقيين قادرون على التنافس الشريف، وعلى تقديم صورة إيجابية لوطنهم.

    ولنستذكر شهداءنا الأبرار الذين ضحوا من أجل أن نعيش بكرامة، ولنجعل وفاءنا لهم هو بناء دولة عصريةٍ عادلةٍ تحفظ حقوق أبنائهم وأجيالهم المقبلة.

    علينا مسؤولية كبيرة كدعاة وخطباء ومسؤولين في تعزيز خطاب الوحدة الإسلامية والوطنية بين شعبنا ومجتمعنا.. وأن نفرز الأصوات النشاز ونحاسبها بقوة الدولة وسيادة القانون.

    فلا شيء أغلى من وحدة المسلمين وعموم المواطنين ، وتكاتفهم وتعاونهم في أوطانهم وبلدانهم.

    نسألُ اللّٰه أن يجعلنا من السائرين على خطى حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) .. وأن يوفقنا لحمل أمانة رسالته.. وأن نكون من الداعين والعاملين على توحيد أمته.. وأن يحفظ العراق وأهله من كل سوء.. وان يمنّ على أمتنا الإسلامية والعربية وشبابها بالخير والوحدة.. والكرامة والعزة وعلى شهدائنا بالرحمة والخلود.

    إنه نعم المولى ونعم النصير ..

    والسلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته.

    اخبار ذات صلة