• كلمةُ السيدِ الحكيم في الذكرى الحادية عشرة للإبادة الجماعية للإيزيديين والمكونات الأخرى

    2025/ 08 /03 

    كلمةُ السيدِ الحكيم في الذكرى الحادية عشرة للإبادة الجماعية للإيزيديين والمكونات الأخرى

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين الميامين.

    الإخوة والأخوات الأعزاء ، من مختلف المكونات والانتماءات ... ضيوف العراق الكرام من المجتمع الدولي...

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

    نقف اليوم في هذه الذكرى الأليمة، ذكرى الإبادة الجماعية التي تعرض لها أهلنا الإيزيديون في سنجار، والتي هزت ضمير الإنسانية، وشكّلت جرحاً عميقاً في جسد العراق. ففي الثالث من آب 2014، أقدم الإرهاب الداعشي على ارتكاب مجزرة بشعة بحق أبناء هذا الوطن، محاولاً محو وجود مكون أصيل ضارب بجذوره في هذه الأرض المباركة.

    إن ما حدث في سنجار لم يكن مجرد قتل للأبرياء، بل كان مخططاً ممنهجاً يستهدف إلغاء التنوع الثقافي والديني الذي تميز به العراق على مدى تاريخه.

    أيها الأحبة،

    لقد تعرضت الآلاف من أخواتنا الإيزيديات لأبشع أنواع الجرائم الإنسانية؛ من استعباد واغتصاب وبيع وشراء، جريمة وحشية تمثلت في أسر النساء واختطافهن من عائلاتهن، وتعرضهن للتعذيب الجسدي والنفسي الممنهج، فضلاً عن بيعهن في أسواق النخاسة، واستخدامهن كسبايا وإماء. لقد حُرمن من أبسط حقوقهن الإنسانية، وتعرضن لأساليب ممنهجة من الإرهاب النفسي والاجتماعي، مما أدى إلى تمزيق العائلات وتهجير المجتمعات من موطنها الأصلي. إنها مأساة حقيقية يندى لها جبين الإنسانية، و في سياق هذه الجريمة الكبرى علينا أن لا ننسى أن هذا السلوك الإجرامي لم يستهدف النساء الإيزيديات فحسب، بل كانت هناك معاناة شبيهة مرت بها أخواتنا التركمانيات الشيعيات في تلعفر ومناطق أخرى. أختطفت أكثر من (450) امرأة تركمانية شيعية وما زال مصير العديد منهن مجهولاً، إنها "جريمة خفية" لم يكن بالإمكان التعرف على تفاصيلها لولا شهادة أخواتنا الإيزيديات وتحتاج إلى تضامننا واهتمامنا وعملنا الجاد من أجل الكشف عنها وإنصاف ضحاياها.

    إن الصمت عن معاناة هؤلاء النساء يشكل جريمة إضافية وظلماً مضاعفاً لهن ولعوائلهن، حيث يزيد الألم ويُعمّق الجراح ويحرمهن من حقهن في العدالة والدعم والتعويض.

    أيها الإخوة والأخوات،

    إن ما اقترفه الإرهاب الداعشي بإسم الإسلام هو افتراء وظلم عظيم بحق الدين المحمدي الأصيل، الذي دعا إلى الرحمة والمحبة والسلام والتعايش واحترام الإنسان كإنسان. لقد علّمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن من آذى ذمياً فقد آذاه، وأن هذه القيم السامية هي من جوهر الإسلام وحقيقته.

    وسيظل العراق، بعون الله، بلد التنوع والتعايش والتسامح، وستبقى هذه السمات الإسلامية مصدر قوتنا وحضارتنا، مهما حاول المتطرفون والإرهابيون تشويهها أو تدميرها.

    لقد كانت فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف متمثلة بالإمام السيستاني (دام ظله الوارف) لحظة تاريخية ومفصلية في تاريخ العراق، فقد كانت دفاعاً عن جميع العراقيين دون استثناء، وشكلت سنداً قوياً لوحدة الشعب والوطن، وأكدت أن الدفاع عن العراق وأهله ومقدساته مسؤولية الجميع.

    أيها الحضور الكريم،

    لا تكفي الذكرى وحدها، بل يجب أن يرافقها العمل الجاد والمثمر، ومن هنا فإننا نقترح خطوات عملية محددة:

    أولاً: تشكيل محكمة خاصة لجرائم الإبادة.

    ندعو إلى تأسيس محكمة عراقية خاصة بمساعدة دولية، تكون مسؤولة عن محاكمة جرائم داعش وفق المعايير الدولية، لضمان تحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب.

     ثانياً: تسريع إجراءات تعويض الناجيات الإيزيديات والتركمانيات.

    من الضروري تسهيل إجراءات تقديم الشكوى الجنائية من قبل الناجيات، وتبسيط الإجراءات الإدارية والتعويضات بشكل جذري.

    ثالثاً: تشريع قانون يجرّم الإبادة الجماعية.

    نحث مجلس النواب العراقي بتشريع قانون شامل يجرّم بوضوح الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لضمان حماية الأجيال القادمة من تكرار هذه المآسي.

    رابعاً: تأسيس هيئة مستقلة تحت عنوان الهيئة الوطنية لإدارة التنوع و ما يرافق ذلك من تشريع قانون خاص بهذه الهيئة.

    خامساً: تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين عبر افتتاح مراكز علاج نفسي متخصصة في نينوى وسنجار، وتوفير كوادر مدرّبة للتعامل مع آثار العنف.

    سادساً: إجراء مراجعة شاملة للمناهج الدراسة لكافة المراحل الدراسة وإزالة الفقرات التي تحث على الكراهية، و إجراء مراجعة قانونية شاملة و إزالة المواد القانونية التي تساهم بنشر الكراهية.

    سابعاً: العمل على انتاج برامج ومواد إعلامية تعنى باحياء الذاكرة التي تعد أهم مبادى العدالة الانتقالية.

    إخوتي وأخواتي،

    إن ألم الإيزديين والتركمان وجميع ضحايا الإرهاب هو ألمنا جميعاً، ووحدتنا الوطنية ليست شعاراً نرفعه بل سلوكاً نمارسه وواقعاً نعيشه، وعلينا أن نقف صفاً واحداً ضد أي محاولة لتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي.

    ومن الضروري أن نعيد بناء ما دمره الإرهاب، وأن نعيد النازحين بكرامة، وأن نوفر لهم برامج تأهيل نفسي واجتماعي، وفرص عمل حقيقية تساعدهم على استعادة حياتهم الطبيعية.

    إن حماية المكونات الإجتماعية ليست مكرمة من أحد، بل هي واجب دستوري وأخلاقي وطني علينا جميعاً، من خلال ضمان التمثيل العادل والحماية الأمنية واحترام الخصوصية الثقافية والتنوع.

    و ندعو المجتمع الدولي لمساندة العراق في تحقيق العدالة وإعادة الإعمار، وليكن موقفاً مشرفاً ومسانداً لعراق يحترم التنوع ويصون كرامة الإنسان.

    أيها الأحبة،

    نجدد العهد مع شهدائنا وضحايا الإرهاب على أننا لن ننسى ولن نتراجع، وسنبني عراقاً آمناً للجميع، ونقف إلى جانب الناجين وأسر الشهداء، لأنهم أبناؤنا وإخوتنا في مسيرة العدالة والأمل.

    ولابد لنا ونحن نتحدث عن معاناة حرائرنا الإيزديات والتركمانيات أن نستذكر معاناة الشعب الفلسطيني الصامد وغزة الصابرة ونسائها وأطفالها الأبرياء الذين يعيشون المجاعة والقسوة والأبادة بصورها البشعة في ظل صمت دولي معيب.

    وفقنا الله جميعاً لما فيه خير العراق وشعبه.

    ورحم الله شهداءنا الأبرار وقادة الانتصار وكل قطرة دم بريء أريقت على هذه الأرض الطاهرة.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    اخبار ذات صلة