• كلمة السيد الحكيم في التجمع الحسيني السنوي في ساحة الخلاني ١٤٤٧ هـ - ٢٠٢٥ م

    2025/ 06 /27 

    كلمة السيد الحكيم في التجمع الحسيني السنوي في ساحة الخلاني ١٤٤٧ هـ - ٢٠٢٥ م

    بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجيين.

    السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يابن رسول الله ، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، وأناخت برحلك ،عليك منا جميعًا سلام اللّٰه أبدًا ما بقينا وبقي الليل ولا جعله الله أخر العهد منا لزيارتكم...

    السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون  الحسين عليه السلام.

    يا أبا عبد الله .. لبيك داعي الله .. إن لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري..

    أيها الأحبة الحسينيون .. إخوة وأخوات ، شيباً وشباباً ، رجالاً ونساءً:

    يا أنصار الحق وحماته..

    يا حملة المشروع و رواده نحو نصرة دينكم وخدمة شعبكم وحفظ بلادكم..

    يا أبناء وأنصار شهيد المحراب وعزيز العراق..

    يا من عليكم المعول في الدفاع عن سيادة العراق وحقوق أهله وشعبه..

    السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته..

    نقف مجددًا على أعتاب شهر محرم الحرام، لنستذكر تلك الملحمة الحسينية التي أضاءت دروب الإنسانية بقيم الحق والتضحية والشموخ ، وأرسلت للأجيال رسالةً خالدة ترفض الذل، وتنشد الإصلاح، وتدعو إلى بناء مجتمع تسوده العدالة والكرامة.

    ها نحن نلتقي في غرة هذه الأيام العظيمة، لنجدد عهد الوفاء مع الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الكرام وأصحابه الذين لن يتكرروا، عهدًا محفورًا في قلوبنا بدماءٍ تسري فيها حبًا وولاءً لك يا أبا عبد اللّه ، (ولن نحيد) عن مسار الحق ونصرته والدفاع عن المظلومين في كل مكان و زمان.

    فقلوبنا تخفق اليوم وكل يوم بشعارك الخالد: هيهات منا الذلة، مؤكدين أننا معك على الدرب ماضون، وبقيمك ملتزمون، نستمد من شجاعتك قوةً، ومن تضحيتك عزيمةً، ومن وقفتك الخالدة نبراساً للحق والعدل والثبات.

    نحن اليوم على أعتاب مرحلة هامة ومصيرية وحساسة من تاريخ بلدنا والمنطقة..

    وإن تجمعنا اليوم لابد أن يكون ركيزة في الثبات على القيم والمبادئ الحسينية.. وقاعدة نحو الانطلاق بعزم وثقة وطمأنينة في العمل نحو خدمة ديننا وبلدنا وأهلنا.. و دافعاً للمشاركة الفاعلة في رسم المسار وتحقيق الاستقرار في بلدنا ومنطقتنا..

    كنا وسنبقى على العهد.. ملتزمين بخط الشهداء والعلماء والمضحين..

    فمنهجنا حسيني.. وطريقنا حسيني.. وقيمنا ومبادئنا حسينية ما دام فينا عرق ينبض..

    وما دمنا على الحق.. فلا نبالي أوقعنا على الموت.. أم وقع الموت علينا..

    أيها الإخوة والأخوات.. إسمحوا لي ومن خلالكم..

    أن أخاطب أهلي وأبناء جلدتي.. إخوتي وأخواتي في العقيدة والدين والوطن..

    لنقف معاً عند محاور مهمة وحساسة على النحو التالي:

    أولا: إن العدوان الذي شنه الكيان الإسرائيلي الغاصب والولايات المتحدة الأمريكية على الجمهورية الإسلامية في إيران.. والاستهتار الذي ما زال يهدد أمن المنطقة ويزعزع السلام فيها.. في غزة والضفة ولبنان واليمن وسوريا .. لا يمكن السكوت عنه أو المرور عليه بشكل عابر .. فالعدوان الذي شن على الجمهورية الإسلامية يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ويهدد أمن وسلام المنطقة بأسرها..

    فإيران دولة مسلمة.. وهي عضو مؤسس في منظمة التعاون الإسلامي.. وهي دولة لها حضورها المعروف وتأثيرها في محيطها ولديها علاقات متينة مع دول المنطقة والعالم.. ولها دور كبير وإيجابي في مساندة النظام السياسي في العراق و دعمه منذ أوائل تشكيله عام ٢٠٠٣ .. ولم يكن من الانصاف أو المروءة أن نقف متفرجين في هذا الصراع. ف("مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى").

    إن من أهم الأسس التي تشكل وفقها القانون الدولي ومجلس الأمن هو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين..

    فالتغاضي والتسامح مع المنهج العدواني في منطقتنا يعرض بلداننا وشعوبنا إلى الخطر المباشر حاضراً ومستقبلاً.

    والسؤال الأهم: إلى متى يبقى المناخ السياسي في منطقتنا مشدودا ومتوتراً واستنزافياً؟

    وإلى متى يبقى خيار الاستعداد والمواجهة للحرب هو الأولوية على حساب خيارات التنمية والتطوير في شعوبنا وبلداننا.

    هل من المعقول أن يتم تهديد منطقة بأكملها وبأهميتها الإستراتيجية عالميا.. من أجل كيان غاصب...!؟

    لا صراخ الأطفال.. ولا أنين النساء الثكالى.. ولا صور اشلاء المدنيين ولا هدم المستشفيات والمدارس.. ينفع مع صمت المجتمع الدولي وحكمائه.. 

    سبق أن أكدنا بأن موقفنا هو عدم جعل العراق ساحة للصراع.. ولن نكون منطلقا للحرب أو الاعتداء على أحد.. إلا أن موقفنا هذا ليس على حساب نصرة الحق والدفاع عن حقوق شعوبنا وبلادنا المسلمة وجيراننا.

    لا يمكن السكوت عن قضايا أمتنا العربية والإسلامية .. وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في العيش بأمان واستقرار مثل سائر البشر.

    وكيف يمكن أن ننسى غزة وأطفالها ونساءها وصمودهم البطولي المبهر .. وما زلنا نطالب المجتمع الدولي بالخروج من صمته المخجل تجاه المجازر التي تحدث يوميا من قبل الاحتلال الإسرائيلي..

    نرفض رفضا قاطعا أي استهداف للجمهورية الإسلامية في إيران.. مثلما نرفض الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لغزة والضفة ولبنان واليمن وسوريا .. وأي بقعة أخرى في منطقتنا.. ولن نتنازل عن الدفاع والتبني لقضايا أمتنا العربية والإسلامية.

    إنني أجدد دعوتي لجميع البلدان العربية والإسلامية إلى الوقوف صفاً واحداً لدعم جهود السلام والاستقرار.. وأدعو بالأخص الجمهورية الإسلامية في إيران والجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية و دول الخليج العربية وجمهورية مصر العربية ونحن في جمهورية العراق إلى تمتين علاقتهم وفق مرتكزات صلبة و ركائز إستراتيجية بعيدة المدى.. وأن يستحضروا أدوارهم الإسلامية والتاريخية في لم شمل المسلمين و رأب التصدعات والحفاظ على حقوقهم ومصير شعوبهم ومستقبل أجيالهم..

    لا يمكن تحقيق الاستقرار والازدهار لبلادنا من دون الوحدة والتلاحم في الرخاء والشدة..

    وحدتنا هي سر قوتنا.. وتكاتفنا هو سر نجاحنا وازدهار شعوبنا.. ومن دون ذلك سنكون أسرى العنف والتطرف والفرقة .. ولن يسلم أحد من آثار الحروب الطويلة وتداعياتها الاستنزافية في المنطقة.

    لدينا أهداف اقتصادية كبيرة.. ولدينا فرص تنموية عظيمة.. لابد من استثمارها واعتبارها أولوية في السياق الإقليمي لمنطقتنا.

    وإلا سنكون ضحية الأطماع التوسعية الإقليمية والدولية.. التي تسعى لسلب السيادة والاستقلال من دول المنطقة جميعها.

    ثانيا/ لقد قطعنا في العراق أشواطا كبيرة ومهمة في استتباب الأمن والاستقرار السياسي والمضي نحو تطوير البلد واعماره في مفاصله وجوانبه كافة.. وقد دفعنا في سبيل ذلك تضحيات كبيرة وجسيمة لا يمكن التهاون فيها .. ولا يمكن السماح بتهديد تلك المنجزات تحت أي ظرف كان..

    لقد أبلغنا الادارة الأمريكية مرارا أن العراق بلد ذو سيادة ويسعى إلى تطبيق السلام في المنطقة.. ولايريد أن يكون طرفاً في أي حرب أو نزاع .. ولا مصدر تهديد لأحد.. لكن في الوقت ذاته لا يريد أن تُفرض عليه إملاءات من أحد أو جهة ، تخالف إرادته الوطنية ومصالح شعبه ومصلحته.

    لسنا مع الصراع.. ولسنا مع الاستسلام.. نحن مع التوازن الذي يحفظ للدولة هيبتها وللشعب قراره..

    وأقولها اليوم مجدداً .. لا تجعلونا في زوايا حادة تجاه قضايانا المركزية وقيمنا الثابتة.. نحن شعب لا نرضى بالظلم ولا بالهوان.. ولا نرضخ لتهديد أو مساومة.. نحن بلد ديمقراطي إتحادي يؤمن بالتعددية والحريات وانصاف المظلومين وتحقيق العدالة.. وفي الوقت ذاته نحن شعب مسلم حسيني الهوى.. علوي الفكر والمنهج.. شعارنا كان وسيبقى "هيهات منا الذلة"..

    (لن نحيد) عن مسار الحق وأهله..

    (ولن نحيد) عن حفظ حقوق شعبنا وخدمته..

    (ولن نحيد) عن نصرة المظلومين والدفاع عنهم..

    سنسعى بكل ما لدينا من قوة في حفظ العراق وبناء دولته القوية والمستقلة.. وتمكين شعبنا في أن تكون له حياة حرة كريمة.. و كلمة مسموعة في شؤون المنطقة عبر دوره الفاعل فيها..

    ولن نسمح بتهديد ما تم تحقيقه من منجزات على صعيد العلاقات والانفتاح الدولي.. والاستثمار الاقتصادي.. والتطور السياسي والأمني الملحوظ في البلاد..

    هذه بعض حقوق شعبنا ومصالحه العليا.. ويجب علينا حفظها وتطويرها وحمايتها من العابثين والمتطفلين والجاهلين.. واعتبارها خطاً أحمر لا يمكن لأحد تجاوزها أو التهاون بشأنها..

    العراق سيكون دوما محطة للحوار.. وجسرا للتقارب لا ساحة للصراع.. وعلينا جميعا أن نستثمر الفرصة التاريخية لبناء استقرار إقليمي حقيقي يقوم على التعاون بدل التقاطع .. والتنمية بدل العنف والحوار بدل الصدام.

    ثالثا/ نحن على أعتاب استحقاق وطني كبير في ظرف أمني وسياسي حساس تعيشه المنطقة.. ألا وهو الانتخابات البرلمانية المزمع اقامتها نهاية هذا العام.

    إن تزامن هذه الانتخابات مع الأحداث الجارية في المنطقة.. وبعد ما تحقق من إنجازات سياسية كبيرة وملموسة في بلدنا على كافة الصعد.. يتطلب منا شعباً ومؤسسات أن نستثمر هذا الظرف الوطني الدقيق ، للتعبير عن حرصنا الوطني الكبير على مستقبل أجيالنا وعلى سيادة الدولة من خلال المشاركة الواسعة والفاعلة والواعية في الانتخابات..

    يجب أن لا نسمح للأصوات المحبطة أن تدب في صفوفنا أو تنال من عزيمتنا الوطنية..

    وهنا أخاطب شبابنا بالخصوص وأدعوهم إلى عدم تضييع فرصتهم التاريخية في الحفاظ على مستقبلهم ومستقبل بلدهم وشعبهم.. فهم وقود التغيير.. وهم سواعد البناء وأساس التطور ..

    أيها الشباب.. إن بلدكم اليوم بأمس الحاجة لكم.. لا تركنوا لأصوات المحبطين..

    وتبقى المشاركة الواسعة هي سبيلكم في اختيار من يمثلكم.. ومعاقبة من أخطأ في تقدير مصالحكم..

    وصناديق الاقتراع هي سلاحكم في البناء والاعمار والمكافأة والمعاقبة..

    الانتخابات هي المسار الآمن لبلدكم.. وهي المسار الضامن لأحلامكم ومستقبلكم..

    تخيلوا لو تمت ادارة العراق من دون انتخابات نزيهة وشفافة.. كيف سيكون الحال معكم ومع شعبكم؟ ما هو البديل عن ذلك سوى إعادة حكم الدكتاتورية والاستبداد؟..

    أيها الشباب.. كونوا سببا في دفع بلدكم نحو الأمام ونحو المستقبل الضامن لأجيالكم..

    ولا تكونوا سببا في خسارة فرصة التطور والازدهار والاستقرار..

    فكما نهض الامام الحسين (ع) بصفوة شبابه في الإصلاح ومواجهة الانحراف.. فواجبنا التأسي به (ع) في نهضة العراق والمنطقة ليكون شبابنا في طليعة صنع القرار والتغيير بالوعي والإصرار..

    إن شباب الإمام الحسين (ع) كتبوا دستور الكرامة والإباء بدمائهم الزكية..

    واليوم بإمكانكم التأسي بهم يا شباب العراق لتستكملوا بناء دولتكم وتعززوا أدوارها الفاعلة عبر المشاركة الواسعة والفاعلة والواعية في الانتخابات.

    لا تسمحوا لليأس والاحباط أن يسرق منكم شرف المساهمة في بناء الدولة القوية التي تحلمون بها..

    لا تسمحوا لتجار الحروب والأزمات أن يستغلوا فراغ العراق ولاتبتعدو عن المواجهة الإيجابية وتحمل المسؤولية.

    يا شباب الحكمة.. رجالا ونساءً.. كونوا مثالا وقدوة لأخوتكم في الايثار والتمكين والحرص الوطني..

    (لا تضيعوها).. هذه فرصتكم في بناء محطات تأسيسية لنهضة العراق ومستقبله..

    ولابد أن يكون لكم فيها دور الريادة الضامنة لأمن بلدكم واستقراره وازدهاره..

    لقد كنتم وما زلتم السلاح الذي نواجه به التطرف والتشدد عبر جهودكم وأدواركم في نشر الاعتدال والوسطية والحوار وأملنا فيكم كبير.. والتعويل عليكم أكبر.. فكونوا كما عهدناكم أهلا للمسؤولية..

    حمى اللّٰه العراق وشعبه وشبابه..

    وحمى اللّٰه بلداننا وشعوبنا العربية والإسلامية..

    وحفظ الله مراجعنا العظام ولاسيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف)

    ورحم الله شهداءنا الابرار وقادة الانتصار والشهيدين الصدرين وشهيد المحراب وعزيز العراق

    ونسأله تعالى نصرا مؤزرا على أعداء الدين والإنسانية..

    إنه نعم المولى ونعم النصير

    والسلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته.

    اخبار ذات صلة