نص خطبة السيد الحكيم السياسية في عيد الأضحى المبارك 1446 هـ - 2025م
بسم اللّٰه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلىَ اللّٰه على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته...
في الشأن السياسي المحلي والإقليمي:
أولا / لقد كانت قمةُ بغدادَ الأخيرة بحضور الأشقاء العرب والأصدقاء في عاصمة الحضارة العربية والإسلامية، صفحةً جديدةً من التعافي والانفتاح الإقليمي والدولي عكست قدرة العراق على لعب دور محوري في تقريب وجهات النظر وترسيخ منطق الحوار بدل الحرب..
وهو دورٌ شاخصٌ يسهم في ازدهار العراق واستقرار المنطقة معاً.. فهي رسالة محبة ووئام في وقتِ تشهدُ فيه منطقتُنا تحدياتٍ صعبةً في مواجهة لغة السلاح والحرب.
إنَ التعاونَ والسلام هو أصل ثابت في قيمنا العربية وفي تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.. ونحن جميعاً مع هذا المنطق السامي والنبيل والذي يجلبُ الخيرَ لشعوبنا وبلداننا .. وهو ما يجعلنا نحذر دوماً من السماح بإعطاء فرص جاهزةٍ لتجارٍ الحرب وصناع الأزمات في العالم لأن يعكروا صفاء الأخوة بيننا .. أو يشقوا وحدة الصف والكلمة.
لقد كانت الرسائلُ والدعواتُ واضحةً وعلنية في تجنيب المنطقة أيَ آثارٍ أو تداعيات سلبية يشنها الآخرون... بما في ذلك التأكيدُ على لغة الحوار والتفاوض البناء بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة الأمريكية..
وكذلك إيقاف السياسات التعسفية التي يتبعها الكيان الإسرائيلي في المنطقة ولاسيما معَ أهلنا في غزة ولبنان بشكل خاص.
في الوقت الذي نباركُ كل مبادرةٍ سلمية تحفظُ كرامةَ الشعوب وحقوقَها فإننا ندينُ الجرائمَ الوحشيةَ للكيان الإسرائيلي بحق أهلنا في غزة ولبنان ،ونجددُ دعوتَنا لوحدةِ الموقف العربي والإسلامي في وجه هذا الاحتلال الغاشم.
قد آنَ الأوانُ أن تُعقَدَ شراكات استراتيجيةً بعيدةُ المدى بين دولنا وشعوبنا نحو ادامة الاستقرار وترسيخ السلام وكبح أي محاولاتٍ تهدفُ إلى شق الصفوف وإعادةٍ شبح الحرب وطبولها إلى المنطقة من جديد..
ما نمتلكُهُ من فرصٍ ومشتركاتٍ تجعلنا في مصاف الدول المتقدمة في مجالات كثيرة وفي مقدمتها الاقتصاد والتنمية المستدامة.
إن هدرَ الفرص واضاعتَها تمثلُ في حد ذاتها خطراً وتهديداً لأمن بلادنا ومصالح شعوبنا..
ففي الوقت الذي نُهملُ فيه خياراتنا السليمة والصحيحة، يعمل الطامعون على استغلالٍ الثغرات بيننا واشعال فتيل الخلافات من أجل أن يزدادوا ثراءً على حساب خيراتنا .. ويحلّ البؤس على حساب وحدتنا وقوتنا، لا قدر الله.
لا ينقصُنا إلا التركيز على استثمار تلك الفرص والتعاضد والتعاون في بناء شعوبنا واعمار بلداننا.
ثانياً/ إننا في العراق مقبلونَ على انتهاء الدورة البرلمانيةِ الحالية نهاية هذا العام وقد شرعت الاستعداداتُ لخوض الانتخابات البرلمانية في دورتها السادسة إن شاء اللّٰه .. وهذه دلالة أخرى على تعافي النظام السياسي واستقراره في تجربة العراق الديمقراطي على امتداد أكثر من ٢٢ عاماً.
فتشكيلُ الحكومات في العراق أصبحَ يتم عبرَ صناديقٍ الاقتراع ومن خلال مشاركة واسعة من الأحزاب والكيانات السياسية الممثلة لجميع أطياف الشعب العراقي عبر نظام انتخابي مستمر ومتطور يناسبُ الضرورات السياسية والظروف التي تسهم في عدالة الترشيح والانتخاب.
إلا أننا وفي ظل هذا الاستقرار السياسي والنجاح الديمقراطي ما زلنا بحاجة إلى توطين ذلك الاستقرار واستدامته اقتصادياً من خلال إبعاد المؤسسات الحكومية عن الغايات الانتخابية..
فالعراقُ اليومَ بأمس الحاجةِ إلى مؤسسات حكومية ذات همّ خدمي وتنموي استراتيجي بعيداً عن الصراع والتنافس الانتخابي المحموم.
لابد أن يكونَ مدارُ التنافس الانتخابي ضمن إطار البرامج التنموية الشاملة التي تؤسس إلى تحقيق حكومة عصرية عادلة .. حكومة يتم اختيارها وبناؤها بعيداً عن المال السياسي واستغلال المناصب الحكومية.
ولابد أن يكونَ نظامُنا الانتخابي حازماً وصارماً تجاهَ ذلك مهما كانت التحديات.. فهذا هو السبيل الوحيد لحفظ ثقة الناخب وتمسكه بخيار الانتخابات واللجوء إلى التغيير عبر صناديق الاقتراع.
إن التنافسَ الانتخابيَ النزيه يجب أن يكونَ حولَ البرامج الواقعية والحلول الممكنة وليس حول الوعود البراقة والخطابات غير المسؤولة .. فصوت المواطن هو أمانة واختيارُه هو حجرُ الأساس لمستقبل أبنائِه وواجبنا جميعا أن نصونَ هذه الأمانة ونمنَع التلاعبَ بها أو مصادرتَها تحت أي ذريعة كانت.
نحنُ بحاجةٍ إلى ميثاقِ شرفٍ وطنيِ تتعهدُ به جميعُ الكتل السياسية بعدم استخدام المال كسلاح انتخابي، وأن تُقدمَ المصلحةُ العليا فوقَ كل اعتبار .. فمن المعيبِ أن يكونَ هناكَ سوقٌ وبورصة لشراء المرشحين والناخبين معاً.. هذا سحتٌ ومالّ حرام وخيانة للوطن والشعب.
ثالثاً / نحن بحاجةٍ إلى تنويرِ الرأي العام فيما يخَصُّ أزمةَ الكهرباء ونحن في خِضمّ فصل الصيف.. ولابد أن يكونَ هذا التنويرُ الحكومي من أجل التكاتف والتعاونِ في مواجهة الأزمات.. وليس في مدار الاستغلال وتحريض الناس..
إنَ مواجهةَ المشكلةِ وتحملَ آثارها يعتبرُ نصفَ العلاج.. فلا نريد أوهاماً ولا أحلاماً في المعالجة..
بل يجب أن توضَّح الحقائقُ أمامَ شعبنا ونعرفَ أينَ الخلل ومن يَتحملُ المسؤولية في عدم معالجةٍ جذرية لأزمة الكهرباء المستمرة في العراق.. رغم تعدد الحكومات والميزانيات والخطط والأفكار .. وما زلنا في كل عامٍ نقفُ أمامَ تحدياتٍ صعبةٍ ومعقدةٍ في منظومةِ الطاقة الكهربائية.
يجب أن نتفق على أولوياتٍ محددةٍ يتم تجاوزُها وانجازها في كل حكومة تتشكل، وأن يكونَ ذلك هما لأية حكومة مقبلة..
إنني اليوم أجددُ دعوتي لجميع القطاعات إلى مساندة الحكومة نحو إعلان حالة الاستنفار الاستراتيجي لمعالجة أزمة الكهرباء بشكل جذري ونهائي.. وأن لا يتوقَفَ الأمرُ عندَ الحكومة الحالية فقط.. وإنما يَستمرُ لحينِ التخلصِ من هذه الأزمة الخانقة المستمرة .. وعلينا المساندة في ذلك جميعاً .. فمشكلة الكهرباء معقدة ومتشعبة ولا تقف عند جهة واحدة دون أخرى، وكذلك باقي الملفات .. من الزراعة والموارد المائية والطاقة النظيفة وغيرها .. يَجبُ أن نؤسس لحكومة أولوياتٍ تسهمُ في بناء البلد بالمتابعة والتراكم.
شعبُنا يستحقُ حياة كريمة تبدأ من حل مشكلة الكهرباء وتنتهي بمواكبة العالم في الابتكار والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة.. وليس ذلك أمراً صعباً على العراق ، إذا خلُصت النوايا وتكاتفت الجهود،
رابعاً/ خطابي للشباب.. فهم وقودُ التغيير وأمل العراق في عبور التحديات وبناء المستقبل.. أقول لهم: أيها الأحبة نعلمُ جيداً حجم التحديات التي تحيط بأحلامكم.. وندرك كذلك مدى إخلاصكم لبلدكم ووعيكم بما يمتلكُهُ العراق من فرصٍ واعدةٍ.. وهذا ما يجعلنا نراهنُ على شجاعتكم في أن لا تتركوا الساحةَ فارغة للفاشلين أو تركنوا لأصوات الإحباط واليأس.
نراهنُ على وعيكم في أن لا تسمحوا لأحد بمصادرة صوتكم أو تزييف إرادتكم الوطنية..
شاركوا .. وراقبوا .. واختاروا .. وكونوا أصحاب قرارٍ لا مجرد أرقام في صناديق الاقتراع...
العراقُ لا يمكنُ أن ينهضَ إلا بكم.. وبمهاراتكم وأفكاركم واندفاعكم..
فلتكُن هذه الانتخابات فرصةً لأن تفرضوا حضورَكم وتفتحوا طريقاً جديداً لبلدكم الذي يستحق الأفضل.
وأقولها لكم بلهجتنا العراقية (لا تضيعوها) .. هذه الانتخاباتُ مصيرية في تاريخ العراق.. وهي مرحلةً تأسيسية لاستدامة وترسيخ الاستقرار في بلدكم ووطنكم.
إن أردتم المعاقبة أو المكافأة .. فليكن ذلك عبر حضوركم الفاعل في صناديق الاقتراع واختيار من ترونه أهلا لحفظ العراق واستقراره وسيادته وازدهاره..
حمى اللّٰه العراق وشعبه وشبابه..
وحفظ اللّٰه مراجعنا العظام لاسيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف)
والرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار وقادة الانتصار والشهيدين الصدرين وشهيد المحراب وعزيز العراق...
وأبعد اللهُ عن العراق وبلداننا العربية والإسلامية كل شرٍ ومكروه..
إنه نعمَ المولى ونعم النصير..
والسلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته